النكبة كي لا تتكرر المأساة مرة اخرى - بقلم: عصام بكر

2012-05-20

عصــــــام بكـــــر

النكبة كي لا تتكرر المأساة مرة اخرى

احيا الشعب الفلسطيني في الوطن و الشتات قبل عدة ايام الذكرى 64 للنكبة التي حلت عام 48 وما زال يتردد وقعها منذ ذلك اليوم حتى يومنا هذا ، شعب كامل ببنيته الاقتصادية والاجتماعية وتراثة الثقافي والحضاري تم اقتلاعه من ارضه وتشريده بالقوة وفق مؤامرة احكيت من قبل قوى استعمارية ، وتكالب الانظمة الرسمية العربية للتنازل عن فلسطين التي تحولت او اريد لها ان تتحول الى ذكرى لا تحتل الا مجرد اسطر في كتب التاريخ بعد محو كل التراث الحضاري و الانساني والهوية الوطنية التي كان مقرر لها ان  تتلاشى وتنصهر في مجتمعات اخرى عربية وغير عربية.

النكبة تحل علينا هذا العام وسط تحديات جسيمة واعباء ثقيلة يفرضها واقع الحال و باختلاف نوعي حتى عن العام الماضي  حين سطر ابناء شعبنا وجسدوا هذا الحق عبر اختراق الحدود ليمارسوا حق العودة بارادتهم وعلى طريقتهم عبر لبنان وسوريا في رسالة ان  اللجوء وان طال فهو مؤقت ولن يدوم ، التحديات الكثيرة هذا العام  كما سابقه تتمثل بالمصالحة اولا التي يعبر ابناء شعبنا بصدق وتدفق مشاعرهم العفوية انها تمثل نكبة جديدة وان اثارها لا تقل عن نكبة 48 اذا استمر الانقسام ، فيما يعتبر احدى اهم التحديات الاخرى استمرار النضال الوطني لتحقيق الحلم  بالعودة وتقرير المصير والاستقلال الوطني ، اذ وبعد  64 سنة من النكبة مازالت فصولها لم تكتمل وكأن التاريخ يعيد نفسه ، حيث تسعى دولة الاحتلال الى فرض هيمنتها وزيادة توسعها الاستيطاني فوق ارضنا وتعمل ليل نهار لاجهاض حقنا التاريخي في العودة عبر مشاريع عنصرية ، واجراءات يومية على الارض تحاول معها تصفية هذا الحق المقدس الذي توارثه شعبنا جيلا بعد جيل، يمثل تضيق الخناق على الاقلية القومية العربية داخل الخط الاخضر احدى اوجه ذلك العدوان المفتوح في محاولة لتهجيرهم واقتلاعهم من ارض الاباء والاجداد ، فمن مصادرة الاراضي الى فرض الضرائب، الى قوانين الخدمة (العسكرية) ومنع احياء النكبة الى شتى الوسائل والمعيقات على مستوى الحياة اليومية ، العبرة التي يجب ان يذكرها التاريخ بالكثير من التسجيل في رأس صفحاته الاولى ان هذا الشعب بالرغم من كل محاولات التصفية والابادة التي تعرض لها ما زال يقبض على جمر العودة والتمسك برفض النكبة كواقع وسلوك ، يرفض الاعتراف بها باعتبارها حالة عادية وهي ليست كذلك باي حال من الاحوال ، النكبة فعل يومي مستمر يتنافى مع كل القوانين ، وتراجيديا يومية تلازم حياة الانسان الذي لا يملك بعد ان كان حرا كريما مستقرا في ارضه ومزارعه واشغاله ان يتحول الى عبد تلازمه صفة اللجوء والمنافي من هنا جاءت الثورة التي انطلقت لتمحو ليل ما جرى عام 48 ، ومن هنا يأتي التمسك بحق العودة ، باعتباره حق جمعي وفردي لا يجوز التنازل عنه ولا يحق لاي جهة ان تفاوض عليه باسم اصحابه اوالمقايضة عليه دون اصحابه الشرعيين

ولكي لا تتكرر النكبة في ظل التهديدات الاسرائيلية واستمرار حرب التطهير العرقي ضد القرى والبلدات في الضفة الغربية على ايدي المستوطنين المتطرفين الذين يمارسوا ارهابهم المنظم بدعم وتشجيع ومساندة من الحكومة الاسرائيلية، علينا ان نتذكر ان مأساة العام 1948 حدثت على نحو مشابه لما يجري اليوم وما اشبه اليوم بالامس ، الصورة كانت عصابات من المنظمات الصهيونية ،" ليحي، شتيرن، البالماخ، الارغون " وغيرها تهاجم القرى العربية يهب اهل القرية والقرى المجاورة للدفاع عنها بطريقة عفوية وبنقص في التدريب والسلاح ثم تتسع الدائرة وهكذا الى ان تم زيادة موجات الهجرة وصفقات الاسلحة والتدريب قوة منظمة ومسلحة مقابل هبات (وفزعات) ونقص في التدريب والذخيرة والنتيجة كانت كما نراها اليوم ، اليوم الصورة (قطعان) من المستوطنين يهاجموا هذه البلدة او القرية ، تقطيع الاشجار حرق للمزروعات ، مهاجمة منازل واغنام وغيرها  ، تهب القرية للدفاع حيث جيش الاحتلال ينتشر في المكان (ويفرق) المتظاهرين ، ما حدث قبل 64 عاما يتكرر اليوم دون ان نستخلص العبرة والدرس من ذلك !!!

اليوم هناك مناطق C وB وهناك سلطة، ومن حق الجميع ان يتسأل عن دورها في حماية المواطن وممتلكاته حتى خارج من A ،  لجان الحراسة ، والقوى ، والمجالس المحلية الجميع عليه مسؤولية ولا احد يظن ان هذه الحوادث فردية ومعزولة انها تعبيرعن تنظيم حقيقي وقوة منظمة ومعدة ومدربة تقف وراءها سياسة تخويف  ومحاصرة للقرى والبلدات وتقليص مساحتها الزراعية ، كم مزارع يخاف اليوم ويحسب الف حساب للوصول الى ارضه التي كان يزرعها وورثها عن والده وجده  ، ورواها بعرق وتعب سنوات بفعل المستوطنين او الخنازير البرية او الافاعي او خطر الموت  ولا يستطيع الوصول اليها بفعل الكارثة البيئية لمجاري المستوطنات كما يحدث في سلفيت مثلا ، او بناء على الحاجة الى (التصاريح) اللازمة للوصول اليها في موسم الزيتون ومعروف منذ القدم ان الشعب الفلسطيني شعب زراعي يلتصق بالارض ويعشق سنابل القمح  والارض يحرثها ويرويها وهي (كالعرض) يصونها ويحميها، الصورة تغيرت الان عزوف وابتعاد عن الارض الوصول اليها محفوف بالمخاطر التي قد تكلفه حياته، الزراعة تتراجع  هذا ليس صدفة بل يأتي في سياق تعميق القطيعة بين الانسان الفلسطيني وارضه وتحويله الى موظف يتقاضى راتبه اخر الشهر ونصفه يذهب لتسديد القروض للبنوك ثم يعاني حالة عوز حتى موعد الراتب القادم الذي لا يعرف متى يأتي.

استخلاص العبرة من النكبة  يحتاج الى استراتيجيات عمل وطنية بالمزيد من التمسك بحق العودة ليس كشعار وانما كعمل وبرنامج عمل باعتباره يمثل لب قضيتنا وصراعنا مع الاحتلال وانجاز هذا الحق غير القابل للتصرف احدى اهداف شعبنا التي لا تسقط بالتقادم  لماذا لا يكون لدينا برنامج وطني شامل رسميا وشعبيا لخلق ثقافة جذرية صارمة تحرم التنازل عن هذا الحق في اطار أي حل مستقبلي للقضية الوطنية ؟؟؟ ولماذا لا يكون هناك رد واضح على مشاريع قرارات وقوانين (يهودية الدولة) باعلان خطوات اخرى على قدم المساواة مع ما تمثل هذه القرارات العنصرية من صلف وتحدي لارادة المجتمع الدولي وقرارات الشرعية الدولية.

في نهاية المطاف الامر متروك لنا وعلينا ان لا ننسى ان الاجيال القادمة لن ترحم ولن تغفر لمن يسيء استخدام هذا الحق ، فالتسوية وصلت الى طريق مسدود في الوقت الذي قدمنا فيه كل التنازلات الممكنة للتعبير عن تمسكنا بسلام مزعوم لم يحقق سوى المزيد من التنكر والاستهتار والمزيد من التوسع الاستيطاني والبناء العنصري، حتى لا تتكرر مأساة النكبة وهي لن تتكرر بفضل وعي شعبنا وتمسكه بحقوقه وثوابته لا بد لنا من طرح خطوات اكثر وضوحا لتقريبنا من حق العودة، حل الدولتين اسقطه الاحتلال (ودولة المستوطنين) في الضفة وحصار القطاع و العدوان المفتوح لماذا لا نفكر ببدائل اخرى تعيد المقادير الى بواكيرها الاولى وليفتح الصراع على مصراعيه مجددا في المنطقة لان هذا ما يحدث فعلا على الارض ولكن من طرف واحد هو الاحتلال .

20/5/2012