باسم خندقجي في "قفص الاتهام" مرّة أخرى

2024-05-02

| سميح محسن *

أثار تقدّم رواية الشاعر والروائي الفلسطيني الأسير باسم خندقجي "قناع بلون السماء" إلى الجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر"؛ ومن ثمّ الإعلان عن فوزها بالجائزة جدلًا في الأوساط الثقافية الفلسطينية، فهناك مَنْ احتفى بهذا الفوز، وهناك مَنْ أنكر عليه الترشّح للجائزة، ورفضها بعد الفوز بها، وهناك أيضًا مَن ذهب للغمر واللمز على اليسار. وارتبط الجدل حول الجهة الراعية للجائزة، واندفاعها نحو التطبيع مع العدو.

بحكم علاقتي بالأسير خندقجي منذ طفولته، إلى حدّ ذهب إلى "اتهامي"!! بأنّني "أحد أهم الأسباب التي دعته إلى ارتكاب القراءة وفيما بعد الكتابة... إذ لو كنتُ أعلم مدى قسوة هذه الدرب لما ارتدته اليوم في خذلان ومعاناة وآلام واغتراب"؛ وبحكم علاقتي بعائلته، أرجو عدم تحميل باسم عذابا أكثر من العذاب الذي يعانيه في الأسر والعزل الإنفرادي، وهنا أودّ توضيح التالي:

أولاً: إن من يرشح الروايات لهذه الجائزة هي دار النشر وليس الكاتب.

ثانيا: إن آخر زيارة لباسم من قبل عائلته كانت بتاريخ 27/9/2023، وبعد ذلك التاريخ انقطع الاتصال معه، وبالتالي نحن لا نعرف موقفه من منحه الجائزة، وعلينا التوقف عن جلده.

ثالثا: لقد تعرّض باسم لحملة تحريض ضده من قبل وسائل الإعلام "الإسرائيلية" وبعض الأجهزة والحركات الصهيونية المتطرفة فور الإعلان عن اختيار روايته للقائمة القصيرة، كما وتعرّض لحملة التحريض عليه حتى بعد الإعلان عن فوز روايته بالجائزة، وأُلصِقَت صفة "الإرهابي" في الكتابة عنه. وللأسف يلتقي هنا موقفا المنتقدين لمنحه الجائزة والقبول بها، وإن كانا من زاويتين متناقضتين.

كتبت الصحافية الإسرائيلية لفت حليبي في صحيفة "يديعوت أحرنوت" خبرا عن الفوز، بدأته بوصف باسم بـالإرهابي". وجاء فيه: {{الإرهابي باسم خندقجي، الذي كان أحد مخططي العملية الانتحارية في سوق الكرمل قبل عقدين من الزمن والتي أودت بحياة ثلاثة أشخاص، فاز بالجائزة العالمية للأدب العربي لعام 2024، عن كتاب ألفه في السجن "قناع بلون السماء". وقالت لجنة التحكيم: "هذه رواية تعلن أن الحب والصداقة هوية إنسانية فوق كل انتماء". وسارعت شبكات التواصل الاجتماعي العربية إلى الإشارة إلى الفوز على أنه انتصار فلسطيني على إسرائيل}}.

رابعًا: هناك من يثير تساؤلات حول كيفية سماح السجّان للسجين بكتابة رواية وإخراجها من السجن، قد يتخيّل البعيد عن الواقع الداخلي الفلسطيني بأن السجّان يوفر كل الأدوات والظروف الطبيعية التي تمكّن السجين من الكتابة، ويحمل السجّان بيديه العمل الأدبي المنجَز إلى المطبعة وبوصي بالإسراع في طباعته!! وغمزت بعض الكتابات والتعليقات عليها (بسوء نيّة) على الكاتب، وكأنّ هناك اتفاقاً بين السجين والسجّان والمطَبِّع مانح الجائزة لتبييض سمعة الأخير. أمّا إذا أرادت الإمارات الرسمية أن تبيّض وجهها، فلن تبيّضه بكل مساحيق الكون.

لا يا أيّها الأعزاء، إن السجين يستخدم ورقة السيجارة لكتابة رسائله، وتسمى "الكبسولة" لأنّها تُطوى لتصبح بحجم كبسولة الدواء، وإن كنت في السابق قد فرّغت بعضها، إلا أنني كنت أحتار لصبر وجَلَدِ كاتبها لأنني كنت أستخدم العدسة المكبِّرة لقراءة المكتوب.

خامسا: أنا أحد من كتب عن فوز "قناع بلون السماء" بجائزة "البوكر"؛ وأشرت إلى موقفي الشخصي من الجائزة، وذكرت أنّ من حقّ عائلته أن تفرح. وأتمنى أن لا يتم الربط بين حصول الرواية على الجائزة وموقف كاتبها من التطبيع الذي يرفضه الفلسطينيون ... الفلسطينيون جملة وتفصيلًا.

سادسًا: رُشِّحت رواية فلسطينية ثانية للقائمة القصيرة، وهي رواية الصديق، والروائي المبدع أسامة العيسة Osama Alaysa "سماء القدس السابعة"؛ وكان من الممكن أن تفوز بالجائزة، ولو فازت هل سينال من كتابة الضد ما ناله رفيقه باسم، ويُغمَزُ ويُلمَزُ عليه بأنه مع التطبيع؟! أم أنّ أسامة حرٌّ طليقٌ بإمكانه أن يدافع عن موقفه، بينما لا يمتلك باسم هذه الحرية اليوم ليقول رأيه بقبول الجائزة أو رفضها، ورأيه في قضية التطبيع.

سابعًا: غزّة اليوم هي مَن يحدّد وجهتنا، وهي بوصلنا نحو القدس، ومعظم كتابنا هناك كتبوا مهنئين الكاتب والرواية وفلسطين بالفوز. ومعظم كتّابنا في الضفة والداخل الفلسطيني اعتبروا فوز الرواية انتصارا لسرديتنا، فضلاً عن العديد من الكتاب الفلسطينيين وغيرهم من أشقائنا العرب. فهل هؤلاء مع التطبيع مثلا ؟!!

ثامنًا: ليس سرًّا أن باسم خندقجي عضو في قيادة حزب سياسي يساري، وهناك من غمز على اليسار الفلسطيني وكأنّه مع التطبيع، وهناك أيضًا مَن قارن بين قبول الكاتب الفلسطيني الكبير إميل حبيبي جائزة رئيس الدولة (دولة الاحتلال) في الأدب قبل ثلاثة عقود، وفوز رواية "قناع بلون السماء" (لا أقول قبول باسم بها لأننا لم نعرف موقفه حتى الآن)؛ وهو الذي له موقفه الواضح والقاطع من التطبيع، وهذا الغمز ليس بريئا لأنّ الكاتبين، خندقجي وحبيبي، ينتميان إلى مدرسة أيديولوجية واحدة. لو كان باسم حرّا طليقا، ولو كان حبيبي حيّا يُرزَق لما كتبت في هذا الموضوع، لأنّ أمر الرد يكون مسؤوليتهما، فلا الأول يمتلك حريته ليخرج على الفور ليقول كلمته التي يطالبه بها المنتقدون، ولا الثاني يمتلك قرار قيامه من مرقده.

تاسعًا: من باب القياس، هناك (186) إشارة إعجاب على المقال الذي كتبته حول فوز الرواية و(35) مشاركة، و(40) تعليق، وبالعادة لا تحصل منشوراتي على هذا العدد من الحضور والتفاعل.

* شاعر وكاتب فلسطيني.