الكُتّاب الفلسطينيون بين حربين

2023-11-22

| سميح محسن *

هناك تشابُهٌ ما، بهذا القدر أو ذاك، بين حرب الإبادة التي تشنّها حكومة الاحتلال الإسرائيلي بحق شعبنا الفلسطيني، وبخاصة في قطاع غزة، وبين الحرب التي شنّتها ضد قوات منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية عام 1982.

وإن هدفت حرب 1982 إلى إنهاء الوجود المسلّح الفلسطيني في لبنان، فإنّ العدوان، وحرب الإبادة التي تنفذها في قطاع غزة تهدف إلى اقتلاع الشعب الفلسطيني من القطاع، وتهجيره إلى خارجه، معيدةً إلى الأذهان مشاهد النكبة الفلسطينية عام 1948.

لا تطمح هذه المقالة إلى تقديم تحليل سياسي لأسباب ومرامي وأهداف هذا العدوان الوحشي ضد أبناء شعبنا الفلسطيني دون تمييز، وأهدافه، فهذا أمر أتركه لذوي الشأن، وإنما تهدف إلى محاولة ملامسة موقف وجهد وفعل الكتّاب الفلسطينيين في هذه المعركة الكاشفة.

بعد مِضِيِّ وقت من بداية هذا العدوان، لاحظ الكاتب والناقد الفلسطيني د. عادل الأسطة حالةَ شِبهِ غياب للكتّاب الفلسطينيين في التفاعل مع هذا المشهد الدموي، وقد أيّدتُه فيما ذهب إليه. لم يقم أيٌّ منّا بالعودة إلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وهي الوسيلة الأولى لنشر ما نكتبه، للاطلاع على ما نكتبه حول هذه الحرب العدوانية الغاشمة. كما أنّ هناك تقييدا، على ما يبدو، من قبل إدارة (الفيسبوك) على المنشورات التي تتبنى السردية الفلسطينية في مواجهة سردية الآخر. كما أنّ هناك شكوى من تحديد هذه الإدارة لعدد الأشخاص الذين تصلهم المنشورات. إن الفصل في هذا الأمر يحتاج إلى دراسة تبدأ بالعودة إلى الصفحات الخاصة بكل كاتب لرصد مساهماتهم، لذا فإن هذه المقالة ستركز على الفعل الجمعي للكتّاب والصحفيين الفلسطينيين ودورهم في المعركة.

بالعودة إلى الدور الجمعي والفردي للكتّاب والصحفيين الفلسطينيين في مواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982 وحصار ثاني عاصمة عربية، ثمّ احتلالها، برزت تجربتان تستحقان الوقوف على دورهما، وهما: صحيفة (المعركة) ومجلة (الرصيف). مع حصار بيروت، أصدر الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الفلسطينيين آنذاك صحيفة (المعركة) كما وخصّص الشاعر الشهيد علي فودة مجلة (الرصيف) التي أصدرها قبل تلك الحرب لتكونا صوتاً مقاوما رافضًا للعدوان، ومُحرِّضًا على المقاومة والصمود أمام قوة عسكرية معتدية وغاشمة. وهنا لا بدّ من التذكير بأنّ فودة قضى شهيداً وهو يوزّع تلك المجلة على المقاتلين في شوارع وحارات بيروت.

في سبعينيات القرن الماضي أصبحت بيروت ملجأ للكتّاب والصحفيين العرب المعارضين للسلطات الحاكمة في بلدانهم، بالإضافة إلى نظرائهم الفلسطينيين الذين التحقوا بالثورة الفلسطينية، وكذلك نظرائهم من اللبنانيين المحسوبين على الحركة الوطنية اللبنانية. ومع بدء العدوان الإسرائيلي كانت بيروت قد تجمّع فيها عدد كبير من أهمّ الكتّاب والصحفيين من مختلف البلدان العربية، وقد قاد هؤلاء معركة التصدي الثقافي الكفاحي للعدوان. وبالعودة لصحيفة (المعركة) نجد كتابات لكبار الكتاب الفلسطينيين والعرب الآخرين التي تحرّض على الصمود والمقاومة وردّ العدوان.

لماذا لم تتكرر هذه التجربة اليوم ؟! 

منذ بدء العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة أستشهد ما يزيد عن خمسين صحفيا/ة من العاملين/ات في وسائل إعلام مختلفة، بالإضافة إلى استشهاد عدد من الكتاب والكاتبات، سواءًا أثناء قيامهم بواجبهم المهني، و/أو من خلال استهداف منازلهم للقصف. كما واستشهد عدد من أفراد عائلاتهم في تلك الجرائم. وهنا لا بدّ من الثناء والتقدير على الدور الذي لعبه، ويلعبه المراسلون الصحافيون في نقل صورة الجرائم التي تقترفها قوات الاحتلال على مدار ما يزيد عن ستة أسابيع حتى الآن، رغم المخاطر التي تتهدد حياتهم، وحياة عائلاتهم.  

هذا بالنسبة للصحافيين الذين كانوا يقومون بواجبهم المهني والأخلاقي في تغطية الأحداث، مرتكزين على رؤية وطنية أيضا، وأما بالنسبة للكتّاب، فما هو الدور الذي قاموا به؟! وهنا نتحدث عن غياب العمل الجمعي اقتداءا بتجربة شبيهة لتجربة صحيفة (المعركة) ومجلة (الرصيف)... هل اكتفى الكتّاب، وهيئاتهم التمثيلية، بكتابة نصوصهم ونشرها، وبإصدار بيانات موقف ؟

في ظلّ الواقع الجغرافي، وطبيعة العدوان، نحن نتحدث عن مكانين جغرافين غير متصلين جغرافيا، كما ونتحدث عن واقعين مختلفين من حيث ما يحدث على الأرض اليوم. الفكرة التي أطرحها من الصعوبة بمكان تنفيذها في قطاع غزة الذي يتعرض على مدار الساعة لجرائم القصف الجوي والبري والبحري، وجرائم التهجير التي تمارسها قوات الاحتلال ضد شعبنا هناك، ولكن لماذا لم نقم نحن في الضفة الغربية بترجمتها من خلال إصدار صحيفة يومية ترصد الجرائم التي تقترفها قوات الاحتلال بحق أبناء شعبنا في قطاع غزة، حتى لو كانت بنسخة إلكترونية، ويتم ترجمتها بعدة لغات، وتوزيعها على إتحادات الكتّاب الصديقة في العالم، والطلب منها بتعميمها على وسائل الإعلام العالمية والمؤسسات الثقافية والمنظمات الأهلية في بلدانها ؟

أعتقد أن التفاعل مع آثار الجرائم الوحشية التي تقترفها قوات الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لم تكن بذلك المستوى الذي تجلى في العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982، وبخاصة أثناء حصار بيروت، على الرغم من أنّ الجرائم التي تنفذها تلك القوات في قطاع غزة أشدّ وحشية وأكثر إجراماً. والسؤال الذي أطرحه الآن هو: ألا يستحق ما يجري في قطاع غزة منذ ما يزيد عن ستة أسابيع متواصلة بلياليها ونهاراتها أن إحداث حالة استنهاض في صفوف النخب الثقافية والفكرية عندنا؟! أم أنّ هناك من يعتقد بأن هذه المعركة تخص هذه الجهة أو تلك ولا تخصّنا جميعا؟!

إنّ هذا الفصل مما تمرّ بها قضيتنا اليوم لعله أخطر فصل من فصولها بعد النكبة، فإذا كان هدف الحرب على لبنان عام 1982 هو إنهاء الوجود المسلح للثورة الفلسطينية من لبنان، دون إغفال المجازر التي أرتكبت بحق أبناء شعبنا هناك، إلا أن الحرب الدائرة اليوم، في الضفة الغربية وقطاع غزة تهدف إلى إنهاء وجودنا التاريخي والجغرافي على هذه الأرض. 

* شاعر وكاتب صحفي فلسطيني.