لا مرجعيه تعلو فوق الشرعية الدولية - بقلم: ناصيف معلم

2013-03-24

نــاصيــف معلـــم
المركز الفلسطيني لقضايا السلام والديمقراطية


لا مرجعيه تعلو فوق الشرعية الدولية

لقد أعلن الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي إنتهاء زيارة أوباما لكل من دولة إسرائيل، و"الضفة الغربية" حسب تعبيرات أوباما الجديدة، و تم في فلسطين الإعلان عن انتهاء حالة الطوارئ القاسية التي لم تشهدها فلسطين عبر التاريخ.

حاول الرئيس الأمريكي خلال زيارته أن يروج لمجموعه من المصطلحات الجديدة-القديمة ذات المغزى السياسي، أو بالأحرى تلك المصطلحات التي تعبر عن رؤية الرئيس أوباما السياسية لحل القضية الفلسطينية، و سقف رؤياه أقل بكثير من سقف رؤيا الرئيس السابق بوش الإبن، وتكاد تكون رؤية أوباما نسخه طبق الأصل على رؤيا الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.

يمكن تلخيصها بأربع عناوين :
أولاً : السلام بين دولة فلسطين ودولة "إسرائيل اليهودية":
لقد بالغ الرئيس أوباما بالترويج للدولة اليهودية خلال كافة محطات زيارته بدءاً من مطار اللد، مروراً برام الله، وإنتهاءً في القدس وبيت لحم، وكان واضحاً بأن الولايات المتحدة الأمريكية تتبنى الرؤيا، والرواية الإسرائيلية. فخلال خطابه لطلبة الجامعات الإسرائيلية في القدس تحدث عن تاريخ اليهود منذ ثلاثة آلآف عام حتى اليوم، تحدث عن الرب، و عن موسى، وعن سينا، وعن العودة، وعن الحروب، وعن القيادات الصهيونية وعن الهولكوست وعن..... الخ.

ومن ثم تحدث عن أنه لا يمكن أن يفكر، أو يتصور، أو يرى إسرائيل إلا بدوله يهودية ديمقراطية. أما عن الفلسطينين، وبالرغم من حديثه الإيجابي عن حق أطفال وشباب فلسطين في العيش دون جيوش أجنبية ودون حواجز، إلا أنه وللأسف الشديد أكد وأصر على مواقف إدارته في 29/11/2012 حيث التصويت ضد فلسطين دولة مراقب غير عضو، ففي حديثه خلال المؤتمر الصحفي مع السيد الرئيس محمود عباس تحدث عن مدينة رام الله، وتحدث عن الضفة الغربية، ولم يتحدث عن دولة فلسطينية، منتهكاً بذلك كافة الأعراف والمواثيق الدولية، ومتحدياً الإرادة الأممية، حيث صوت آنذاك 92% من سكان الكرة الأرضية لصالح دولة فلسطينية.

ثانياً: تهديد الجانب الفلسطيني في خياره الأممي:
كان أوباما وكل من التقاهم حريصين على عدم التلفظ بالمصطلحات الأممية وعلى رأسها " الأمم المتحدة "، و" القانون الدولي "، و" فتوى لاهاي "، وقرارت الشرعية الدولية. ولم يقتصر الأمر على عدم ذكر هذه المصطلحات، بل جاء إسم " الأمم المتحدة " مرة واحدة على لسان الرئيس الأمريكي أوباما بشكل تهديدي للفلسطينيين، ولكافة دول العالم التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، حيث قال بالحرف الواحد خلال الثلث الأخير من خطابه أما طلبة الجامعات في القدس حيث قال :
“The United States will oppose unilateral efforts to bypass negotiations through the United Nations “.
أي أن الولايات المتحده ستعارض أي جهود أحادية الجانب لتمرير أي مفاوضات عبر الأمم المتحدة.

وهذا يعني باللغة السياسية أن أمريكيا أوقفت إعترافها بالشرعية الدولية وبالقانون الدولي، أي أن أمريكيا التي تتحدث عن القيم الديمقراطية ترفض أحد أهم مبادئ وأسس الديمقراطية ذات العلاقة بإنصياع الأقلية لقرارات الأغلبية في عملية التصويت التي جرت في تشرين الثاني من العام الماضي.

ثالثاً: مقترحات أوباما السياسية !
للأسف الشديد قيل وما زال يقال أن أوباما لم يحمل في جعبته أي مبادره أو مقترحات أو مبادئ، بل جاء ليستمع للطرفين، لكن حقيقة الأمر أن أوباما لم يأت ليستمع فقط، بل جاء بمجموعة من المقترحات السياسية تتعلق بالأرض وبالأمن، أي أنه من المؤكد ان أوباما عرض على القيادات الفلسطينية والإسرائيلية مجموعه من المقترحات والتي لم يتم الحديث عنها خلال المؤتمرات الصحفية، إلا أن أوباما خرج عن النص المخطط له أثناء حديثه مع طلبة الجامعات الإسرائيلية، حيث قال :
“I’ve suggested principles on territory and security that I believe can be the basis for talks “.

أي أنه إقترح مبادئه حول الأرض والأمن التي يمكن أن تشكل أساساً او مرجعية للمفاوضات، و قام اوباما بدعم هذه المقترحات وبشكل لافت للنظر، وفي كافة محطاته بأن الطريق الوحيد للسلام هو من خلال المفاوضات، والمفاوضات يجب أن تكون بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي و برعاية أمريكية فقط.

رابعا: المستوطنات خارج المعادلة:
حاول الرئيس اوباما تجنب المبادرة للحديث حول شرعية/ أو عدم شرعية المستوطنات خلال خطاباته، إلا أنه كان مضطرا للحديث حولها للإجابة على أسئلة الصحفيين في كافة محطاته، واستطاع اوباما أن يحافظ على نفس الإجابات في كافة المناسبات، حيث قال: إن الاستيطان يعيق المفاوضات وتحقيق السلام، وأشار في أكثر من مرة على نوايا "إسرائيل" الحسنة قبل عامين عندما جمدت بناء المستوطنات في الضفة الغربية لدفع المفاوضات إلى الأمام، أي ان هناك إشارة إلى تحميل الجانب الفلسطيني مسؤولية فشل المفاوضات غير المباشرة التي أجريت عام 2010 عبر مبعوث الولايات المتحدة جورج ميتشيل. باختصار شديد جدا، لم يتحدث اوباما عن عدم شرعية المستوطنات، ولم يتحدث عن أهمية تجميد بناء المستوطنات قبل المفاوضات.

خامسا: التغيير الجوهري في اليات الضغط:
اعتقد ان هناك تغيير جوهري في آليات الضغط الأمريكية على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. فالتهديد للجانب الفلسطيني جاء من خلال تكراره لعبارة " على الفلسطينيين أن يدركوا بأن إسرائيل ستكون دولة يهودية، أو لن تكون إلا دولة يهودية،" وهذا طبعا يشكل الشرط الثاني لبدء المفاوضات، بعد الشرط الأول المتمثل بعقد المفاوضات في ظل بناء المستوطنات. أما أداة الضغط الجديدة، فكانت على الحكومة الإسرائيلية الحالية ورئيسها نتنياهو، عندما قال اوباما لطلبة الجامعات: " Political leaders will not take risk if the people do not demand that they do, you must create the change that you want to see”  
"لا تخاطر القيادات السياسية ما دام هناك غياب لمطالب الشعب، عليكم ايجاد التغيير الذي تريدون"

واستكمل قائلا: "يجب أن تكون أصواتكم أعلى من أصوات المتطرفين" باللغة السياسية قد يعني هذا احد احتمالين، الأول: قد يكون نتنياهو وبيرس قد رفضا مقترح اوباما المتعلق بمقترحات اوباما "الأرض والأمن، والدولة ذات التواصل الجغرافي على بعض الأرض المحتلة عام 1967." أما الاحتمال الثاني، فقد يكون أداة تحريضية جديدة ضد نتانياهو الذي يرفض و حكومته إعطاء عظمة صغيرة للفلسطينيين، و هذا ليس مستبعدا، فالولايات المتحدة التي ترفض أي دور للأمم المتحدة، لا يمكنها أن توافق على غياب اي عملية سياسية حتى و لو كانت "هز القطار على سكة الحديد ليتحرك مكانة، فالمهم أن يراه الناس و هو يتحرك".

بيت القصيد علينا أن ندرك نحن كفلسطينيين بأن زيارة اوباما لفلسطين سواء اعترف بها، أو لم يعترف، تعني أن فلسطين وشعبها ذات وزن كبير في المعادلات السياسية الشرق أوسطية. أما النقطة الثانية تعني أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست طرفا نزيها لأي عملية سياسية مستقبلية، فالموقف الأمريكي معادٍ للشرعية الدولية وقراراتها وللقانون الدولي أيضا، ونحن كفلسطينيون بصراحة ليس لنا، ولا نملك سوى قرارات الشرعية الدولية والمقاومة الشعبية.

اعتقد أن القيادة الفلسطينية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتكون صادقة وشفافة مع شعبها، عليها أن تثبت بان توجهها للأمم المتحدة العام الماضي كان جديا، و ذلك من خلال استكمال الخيار الاممي ومطالبة الأمم المتحدة بمؤسساتها المختلفة خلق عملية سياسية حقيقية و رعايتها، حتى لا نبقى نحن ضحايا للمصالح والأهواء الإسرائيلية والأمريكية، وعلينا أن لا نعيد عقدين آخرين من المفاوضات العبثية كما يقترح اوباما، أو على الأقل لخلق ضغط أمريكي على دولة الاحتلال، فأمريكا في النهاية لا تسمح لا لإسرائيل و لا لسيدنا موسى بتهديد مصالحها في الشرق الأوسط خاصة بعد كنس مصالحها من معظم بلدان أمريكا اللاتينية بالمكنسة اليسارية.

24/3/2013