في الذكرى الـ 64 للنكبة... لن تسقط الحقوق بالتقادم - بقلم: محمد صوان

2012-05-10

في الذكرى الـ 64 لنكبة فلسطين
لن تسقط الحقوق بالتقادم

الكاتب: محمد صوان

تحل الذكرى الرابعة والستون لنكبة فلسطين، وما زالت قرارات الأمم المتحدة التي تعطي الحقوق الفلسطينية شرعيتها الدولية مجرد حبر على ورق دون تنفيذ، مع أنها ـ أي القرارات ـ قد نصت على وضع برنامج لتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في العودة إلى دياره وممتلكاته، وحقه في تقرير المصير، دون تدخل خارجي، وممارسة استقلاله وسيادته فوق ترابه الوطني.

ورغم أهمية كافة القرارات إلا أن القرار رقم 3376 حول ممارسة الشعب الفلسطيني «لكامل حقوقه الوطنية والقومية» المحمية بالقانون الدولي، هو من أهمها، وإن عارضته دولة الاحتلال الصهيوني بطبيعة الحال.

«الحقوق الوطنية والقومية»، هي من الحقوق الراسخة والمشروعة، مثل باقي حقوق الإنسان التي لا تموت بمرور الزمن، ولا تخضع للمساومة أو التنازل، ولا تعدل أو تسقط أو يتغير مفهومها في أي معاهدة أو اتفاق سياسي من أي نوع، حتى لو وقعت على ذلك جهات فلسطينية «تمثل» الشعب الفلسطيني أمام العالم.

والحقوق هي لكل الأمم والقوميات لإقامة دولها المستقلة التي تروم نحو التعايش السلمي مع جيرانها، ومع بقية دول العالم.. فحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، هو حق في الحياة والحرية والسعي إلى الازدهار والتطور والعدالة الاجتماعية، إضافة إلى حرية العبادة والمساواة تحت حكم القانون، وتحريم مصادرة الأملاك الفردية أو أملاك الأمة بدون تعويض كامل، كل هذه الحقوق الراسخة والمشروعة وهبها الخالق كقيم روحية ومادية لكل كائن بشري بغض النظر عن اللون والجنس والعقيدة الدينية والمذهبية.

وعلى قاعدة هذه القيم الإنسانية أشادت الدول المتحضرة دساتيرها وفي مقدمها شرائع الأمم المتحدة نفسها التي تعتبر مسؤولة عن قيام دولة إسرائيل.. فكل هذه الحقوق الراسخة والمشروعة أصبحت محرمة على الشعب الفلسطيني دون سواه!.

لنأخذ، مثلاً المبدأ الراسخ والمشروع الذي يعطي كل شعب الحق المطلق في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة، نجد أن الغرب الأوروبي والأمريكي قد منع الشعب الفلسطيني عملياً من إقامة دولته في عام 1949 عندما انسحبت قوات الانتداب البريطاني من فلسطين لكي تفسح المجال للمهاجرين الأوروبيين اليهود لإقامة دولتهم الدينية التوراتية على أرض فلسطين، حين أرادت تعويض من نجوا من «المحرقة» التي أشعلها الأوروبيون أنفسهم بإخوانهم من اليهود. بالرغم من أن القرار الأممي رقم 181 ينص على «إقامة دولتين واحدة عربية والثانية إسرائيلية».

بالمقابل، لا تعويض للفلسطينيين بل إن حقوقهم تنتهك يومياً في وطنهم فلسطين بقوة القتل والاستعباد والترحيل والشقاء لغالبية أبناء الشعب الفلسطيني بسبب الاحتلال الصهيوني الاستيطاني المتوسع، فضلاً عن مصادرة الأراضي والمنازل والمزارع، والاعتداءات اليومية للمستوطنين على المواطنين العزل واقتلاع أشجار الزيتون وإحراق المساجد والكنائس ومهاجمة الأهالي المدنيين... كل هذا وغيره أصبح نمطاً روتينياً يومياً تشجعه وتحميه القوة العسكرية الإسرائيلية المحتلة في فلسطين.

وفي الأساس، لا يمكن لكائن من كان، فلسطينياً أو عربياً، التنازل أو التفريط بأي حق من الحقوق الوطنية والقومية الراسخة والمشروعة، وفي مقدمها أيضاً حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجر منها الفلسطينيين عنوة عام 1948، هذا الحق المستمد من القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان.

فحق العودة مكفول بمواد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10/12/ 1948... وقد تكرر التأكيد على هذا الحق في المواثيق الإقليمية لحقوق الإنسان، الأوروبية والأمريكية والأسيوية والأفريقية، وفي اليوم التالي لصدور الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، أي في 11/12/ 1948، صدر القرار الشهير رقم 194 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي يقضي بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، والتعويض عن جميع الأضرار التي لحقت بهم.

أكد المجتمع الدولي على تطبيق القرار 194 منذ عام 1948 أكثر من «135» مرة، ولم تعارضه سوى إسرائيل، إلا أنه بعد اتفاقية أوسلو عام 1993 بدأت الولايات المتحدة تعارضه أيضاً!... وفي هذا الإطار، فإن ما ينطبق على حق العودة للاجئين الفلسطينيين يتطبق على كافة الحقوق الأخرى آنفة الذكر، غير أن شرعية هذه الحقوق، وشرعية وضعها موضع التطبيق، هما شرعيتان مصادرتان بحكم الانتهاكات الإسرائيلية التي يبدو أن المجتمع الدولي غير معني بوضع نهاية لها.

إذاً كيف يمكن الحديث عن حقوق شعب يتفق العالم أجمع على أنها شرعية وراسخة، فيما تقوم إسرائيل، في ظل ازدواجية المعايير، بشن حرب وجودية على الشعب الفلسطيني بشكل مستمر وبكافة الوسائل؟!... أنه احتلال كولونيالي استيطاني توسعي على الأرض ومتواصل قبل قيام الكيان الصهيوني عام 1948، وبعده، وقد استحق كل أوصاف التمييز العنصري «الأبارتايد» في كل مدينة وقرية من فلسطين التاريخية.

ومنذ اليوم الأول لوصول حكومة اليمين المتشدد إلى السلطة بزعامة الثنائي نتنياهو ـ ليبرمان، رفع نتنياهو شعار «إسرائيل دولة يهودية» شرطاً يجب أن يقبل به الفلسطينيون ليكون ثمة تفاوض معهم. وفي ذلك تأكيد الخطر على حقين وهما: حق العودة إلى الأراضي المحتلة وحق البقاء في البلد الأصلي!.

وأضاف نتنياهو: «إن أي حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين ينبغي أن يتناول مشكلة اللاجئين اليهود»، وهذا طرح عادي بالنسبة إلى أي مسؤول إسرائيلي، مع الانتباه إلى أهمية التوقيت... لأن حملة صهيونية عنصرية منظمة انطلقت من إسرائيل في الاتجاه المذكور، لكن المخيف في ما يحاولون الترويج له هو القول:«إن إسرائيل عالجت قضية اللاجئين اليهود ووفرت لهم المسكن والعمل والتعليم والحياة المستقرة ودمجتهم في حياة الشعب الإسرائيلي في كل مجالاتها، في حين حرصت الدول العربية على تأبيد القضية الفلسطينية، وإبقاء اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات البؤس والشقاء باستثناء بعض الحالات التي تم فيها منح بعض اللاجئين حقوقاً أكثر من لاجئين غيرهم في هذه الدولة أو تلك».

هذه الرؤية المعتمدة من قبل اليمين الصهيوني المتشدد تحاول تكريس الإدعاء بأن اليهود الذين غادروا الدول العربية، إنما فعلوا ذلك بسبب ترويعهم، وهذا غير صحيح على الإطلاق، وتحاول هذه الرؤية إسقاط مسؤولية  الحركة الصهيونية عن عمليات الترهيب والترويع التي نفذتها منظماتها المختصة من أجل جذب اليهود إلى الداخل الإسرائيلي!... والقضية الثانية تكمن في الإصرار الإسرائيلي على أن عدد اللاجئين الفلسطينيين لا يتجاوز «750» ألف نسمة، وليس الملايين الموجودة في الشتات، لأن إسرائيل لا تعترف بالمولودين بعد عام 1948 من أبناء اللاجئين، وهذه قضية خلافية مع وكالة غوث اللاجئين «الأنروا»!.

ومن وجهة نظر حكومة نتنياهو ـ ليبرمان، أن حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، يجب أن تكون من خلال «عملية الدمج»، مثلما هي «دمجت اللاجئين اليهود»، فعلى العرب أن يفعلوا الشيء ذاته، ولا بد من تعويضات للطرفين، وهكذا سيكون عدد «اللاجئين اليهود» أكبر من عدد اللاجئين الفلسطينيين، أي سيكون لإسرائيل المحتلة تعويضات ومال في ذمة العرب فوق كل الذي مارسته من انتهاكات واغتصاب واحتلال!.

إنها عملية تزوير وتزييف للتاريخ وللحقائق، وتضليل للرأي العام العالمي، لكنها «عملية ممنهجة» في بناء عقول أجيال إسرائيلية جديدة... فيما ينسى كثيرون من العرب القضية الفلسطينية وجذورها، وهذا يعني أنهم ـ الإسرائيليون ـ سيطالبون بتعويضات مفتوحة عن الممتلكات أيضاً، وستكون تعويضات مفتوحة، كما فعلوا مع ألمانيا، هكذا ـ حسب هذه الرواية الإسرائيلية تصبح إسرائيل «دولة ديمقراطية» مسالمة معتدى عليها، وعلى أبنائها. ويصبح الفلسطينيون والعرب «نازي الشرق الأوسط»، وينبغي أن يدفعوا الثمن، لأنهم «قتلوا وأرهبوا وهجروا وصادروا ممتلكات اليهود»!.

هكذا، بكل الخبث والدهاء والوقاحة تخاطب إسرائيل الرأي العام العالمي، والشعب الفلسطيني وتقول له: لا حق بالعودة، ولا تطبيق للقرار 194، حقكم سقط بفعل مرور الزمن، وتقول للعرب «يجب أن تعوضوا لنا جراء ما حل بالمهجرين اليهود اللاجئين إلى إسرائيل»!.

هذا ما تطرحه إسرائيل فوق الطاولة في وجه الجميع، في حين نجد العرب منهمكون بأمور أخرى، لكن هذه الحقيقة ستواجههم في لحظة ما سيكونون فيها ضعفاء وغير قادرين على التفاوض مع العدو، ولا حتى الحوار فيما بينهم، وربما لن يكون أمامهم سوى قبول هذا النوع من الحلول والخيارات، كيف لا وكل ما يجري في محيطنا اليوم يريح إسرائيل؟! ويستمر بعض المسؤولين في الوطن العربي بتوصيف ما يجري عندهم بـ«المؤامرة»، وهم بكل ممارساتهم وخياراتهم انزلقوا نحوها!.

وتستمر إسرائيل في خطواتها الأحادية والعدوانية في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، فضلاً عن الإجراءات الأحادية التي تقوم بها في مدينة القدس ومحيطها بهدف تغيير معالم المدينة المقدسة وهويتها الحضارية، وإفراغها من سكانها الأصليين، كما نجدها تحذر الفلسطينيين من إمكانية اتخاذ المزيد من الإجراءات الأحادية الجانب بعد بوادر المصالحة بين حركتي «فتح وحماس»!

مهما يكن، والحال كذلك، يبقى السؤال المحوري هو: عن أي حقوق وطنية وقومية راسخة ومشروعة يمكن الحديث، بينما يتواصل الصراع المفتوح بين قوة احتلالية كولونيالية استيطانية من جهة، وشعب تحت الاحتلال من جهة ثانية، فيما يبدو المجتمع الدولي كالمتواطئ مع إسرائيل العنصرية وهي تنتهك تلك الحقوق وتعتدي عليها يومياً؟!.

لم تكن نكبة فلسطين عام 1948، وما نتج عنها من قيام الكيان الصهيوني على أنقاض وطن الشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير المصير فوق ترابه الوطني، لم يكن ذلك ليحدث دون التواطؤ الدولي، والدعم الأوربي والأمريكي الظاهر والخفي.. إلا أن هاجس الخوف الإسرائيلي من الشعب الفلسطيني لن يتوقف، بل سيدوم ما دامت هناك قضية وطنية وحقوق قومية لهذا الشعب، والشاهد على هذا الخوف يتجلى في تصريحات إسرائيلية وغربية متزايدة.

10/5/2012