قضية الاسرى تفعيل ام تدويل ؟ - بقلم: عصام بكر

2010-12-27

عصــام بكــر

قضية الاسرى تفعيل ام تدويل ؟

المواكب والمتابع لشأن الحركة الاسيرة وحجم التغيرات التي طرأت على حالها ، والجسم الاعتقالي وطريقة  تعاطي الشارع والهيئات والمؤسسات المعنية بهذا الشان يدرك حجم التراجع عبر السنوات الماضية ، وتناقص حجم المشاركة الجماهيرية مع هذا الملف شانه بذلك شان ملفات اخرى عديدة لها اهميتها الكبيرة في الحديث والشعار السياسي الذي ينقصه الفعل والتضامن الحقيقي على الارض ، وهو بحاجة الى تطوير اليات عمل واستنباط اخرى جديدة ، وابتكار اساليب عمل تلائم مجريات الواقع وتلامس الحاجة الملحة لذلك ، وتحث الخطى نحو تفجير طاقات عديدة كامنة وغير مستغلة ان جاز التعبير من اجل النهوض بالاعباء الملقاة على كاهلنا جميعا وتحّمل مسؤولية وطنية واخلاقية واضحة بهذا الخصوص .

وتحتل قضية الاسرى بلا شك اهمية بالغة لدى اوساط  وشرائح عديدة وواسعة من الشعب الفلسطيني ليس لكونها تمس بشكل مباشر عائلات الاسرى ومن شان اي تطور مهما كان داخل السجون والمعتقلات الاسرائيلية ان يحرك الشارع الفلسطيني المشدود اصلا بقوة العاطفة والتضامن ومشاعر الخوف تجاه اي معلومة قد تتسرب من السجون او تتناقلها وسائل الاعلام واخرها مثلا نبأ اندلاع الحريق في جبال الكرمل وحالة الخوف التي انتابت كل المهتمين واهالي الاسيرات على وجه  التحديد قبل قيام ادارة مصلحة السجون باجلاء الاسيرات من سجن الدامون القريب الى سجن اخر، وانما ايضا كونها قضية الانسان على هذه الارض رمز الوجود والثبات ، والقيمة العليا  لصنع التاريخ والحضارة والمستقبل  فالانسان في واقع الشعب الفلسطيني هو الحلقة الاخرى الاكثر اهمية بعد الارض فيما يتعلق بتطوير الهوية الثقافية والوطنية والانسانية للشعب الفلسطيني سواء على الارض الفلسطينية او في المنافي والشتات ، وقد برزت في الاونة الاخيرة تحركات تواصلت على مدار العامين الماضيين على الاقل تمثلت في عقد مؤتمرات " دولية " لنصرة الاسرى في سجون الاحتلال ، وسبقت ذلك بوقت  لابأس به دعوات " لتدويل " قضية الاسرى ، فما المقصود بهذا التدويل ؟؟؟ وما هي الامكانات المتاحة لتحقيق النجاح المنشود من هذه الفكرة ؟؟ وكيف يمكن اخراجها  الى النور ؟؟؟؟

العديد من الاسئلة التي تطرح في هذا السياق وهي تحتاج الى اجابات واضحة ومقنعة لا لبس فيها اذا ما اريد العمل بشكل جدي ومسؤول لنصرة الاسرى واولى هذه التحديات التي تواجهنا في هذا الجانب هو حالة الانقسام الكارثي التي نعيش ، وقد يقول قائل وهل ننتظر حتى ينتهي الانقسام للعمل ؟؟؟ والاجابة  قطعا لا ولكن علينا العمل ضمن هذا الواقع ومن اجل تغيره بل علينا وضع الامكانات لترجمة الانشطة الى فعل حقيقي لمساندة الاسرى واظهار معاناتهم، وتجنيد ما يمكن من مؤسسات واحزاب وهيئات دولية للوقوف معهم وتبني احتياجاتهم .

فعندما نقول مؤتمر دولي لنصرة الاسرى يجب ان يكون هناك مخرجات حقيقية ترتبط بنقل الملف الى المسرح الدولي بفعالية وحضور عالي مرتبط اساسا بارادة سياسية تقف وتتلقف هذا الموضوع على المستوى القيادي الفلسطيني للمتابعة فيه ووضع جهد نوعي لأيصاله الى الجهات الدولية  ثم العمل على الاستفادة من القوانين والمواثيق الدولية التي تعنى بحقوق الانسان، والانتهاكات التي يتعرض  لها الاسرى استنادا الى هذه القوانين وحث المجتمع الدولي للضغط على حكومة الاحتلال لتطبيقها دون مماطلة اوتسويف بما فيها تحسين الاوضاع الاعتقالية .

فالدعوة  لتدويل القضية ليست بالتزاحم على عقد مؤتمرات وبكثرتها  فهناك مؤتمر قبل نحو عام في اريحا، واخر في الجزائر وثالث في المغرب ورابع في ماليزيا وغيرها من اللقاءات الاخرى ، ارتباطا مع حالة الجدل والنقاش التي صاحبت ورافقت حول هذه المؤتمرات والجدوى  وما قد يترتب عليها من نتائج – صحيح ان اي جهد في هذا الاطار هو جهد ايجابي ويدفع ويعرف اناس جدد بحجم ما يعيشه الاسرى في السجون والمعتقلات  الاسرائيلية من ظروف اعتقالية بالغة القسوة ولكن ليس هكذا ايضا يمكن ان نخدم القضية فبالامكان القيام بخطوات مدروسة متوافق عليها وتحظى باجماع وطني وتكون اكثر قابلية للعمل والتنفيذ وتكون اكثر اهمية وتقبلا لدى الجميع, اما عقد  مؤتمر هنا واخر هناك والخروج ببيان ختامي منمق ومعد ليلامس العواطف ويحرك الاحاسيس ، تخرج عنه توصيات تبقي الباب مفتوحا على خيارات واسعة وبدون اليات فهذا برأي لا يحقق الفائدة المرجوة ولا يرتقي حتى للحد الادنى مماهو مطلوب !!!

ولأحداث اي اختراق دولي حقيقي في ملف الاسرى او غيره علينا ان  ندرك حجم التراجع الذي طرأ على قضيتنا الوطنية على الساحة الدولية وتصحيح الخطأ او الاخطاء التي ارتكبت طوال السنوات الماضية سواء على صعيد العمل السياسي او الكفاحي، ومدى التاييد العالمي على المستوى الشعبي والرسمي تجاه القضية هذا من جانب وبالمقابل علينا ان ندرك حجم التاثير للقوى التي تساند الطرف الاخر وهو اسرائيل على صعيد برلمانات  ومؤسسات او غيرها ومن هنا يمكن الانطلاق ايضا لأعادة رسم المعادلة برمتها من جديد على قاعدة حركة تحرر وطني ـ وقوة احتلال طرفي المعادلة التي يتوجب على المجتمعات والشعوب والعالم الحر ان لا يقف موقف المتفرج ازاء ذلك كله، وتجنييد الراي العام العالمي بكل الامكانات لتطوير علاقة من نوع جديد تستند الى الحركات   الاخذة في النمو والاتساع على امتداد العالم لمناهضة العولمة والليبرالية الجديدة والسياسات الاقتصادية للدول الكبرى.

قضية الاسرى باختصار تحتاج الى الى تفعيل  اولا وليس تدويل   بالمعنى الذي يجعلها حاضرة لدى اوساط شعبنا وقبل ذلك اولا حضورها لدى ذوي الشان انفسهم الاسرى والاسيرات هم بحاجة الى مفاهيم واتجاهات عمل جديدة حول تحديد دور الحركة الاسيرة نفسها ، تعزيز الجسم الاعتقالي بمقومات الصمود والارادة بعيدا عن تفتيت القوة الكامنة فيها ، واستفراد ادارات السجون بهذا الطرف  دون الاخر، وترتيب الاوراق من جديد وعلى اسس جديدة تعيد الصورة الخلاقة للحالة الاعتقالية التي طالما تعودنا عليها ، وبل وسطرت في الماضي وما زال بمقدروها ان تسطر صفحات مشرقة من تاريخ هذا الشعب ، فوحدة الحركة الاسيرة وبرنامجها النضالي هو العنصر الاول في هذا التوجه ، تواكبه وتسانده حركة شعبية قوية ومنظمة وفاعلة تعرف الى اين تريد ان تصل في الخارج وبمشاركة الجميع كون قضية الاسرى قضية اجماع وطني لا خلاف عليها من اي جهة كانت ، حركة شعبية جماهيرية تفعل  هذا الملف وصولا الى المستوى السياسي وزج كل الطاقات لخدمة هذا الملف ، ثم الحديث عن تدويل القضية بعد استنفار السفارت والممثليات في الخارج، الجاليات الفلسطينية والحركات الصديقة التي تساند حقوقنا الوطنية على الدوام ، فعندما يرى العالم اننا نقف بقوة وشجاعة مع انفسنا ويرى مساندة فعلية على الارض للاسرى عندها سيقف معنا !!!! اما ان تثار القضية بين فترة واخرى من باب رفع العتب والشعارات السياسية والحديث عن مقارنة مع جلعاد شاليط وكيف نجح الطرف الاسرائيلي في تجنيد قضيته والمطالبات الدولية باطلاق سراحه فهذا لا يخدم الموضوع على الاطلاق .

لقد كانت الوجة التي لاقت القبول والموافقة  من كافة الاطراف هي عقد مؤتمر  دولي يتم التحضير له بشكل جيد برعاية الجامعة العربية واحتضانها وتحت قبتها، يحشد لأجله خبراء في القانون الدولي والدولي الانساني ، ومختصين وبرلمانين ومؤسسات دولية اخرى للخروج بتوصيات محددة بعد الوصول الى انسجام وتوحيد المفاهيم وتحديد تعريف الاسير من وجهة القانون الدولي فهناك اسرى الحرب وهناك من اختطف من بيته ومن اراضي محتلة وتم نقله الى ارضي اخرى وهناك بند المخالفات للقانون الدولي وغيرها من التفصيلات والمحاور المتعددة الاخرى ، مؤتمر تتشابك فيه اتجاهات العمل الجماهيري والسياسي والدبلوماسي يحدد مهمات عمل واضحة ويتبنى توصيات بعد استيفاء دراستها من كل الجوانب لاسيما امكانية رفع دعاوى قضائية امام محاكم جرائم الحرب الدولية او محكمة لاهاي او غيرها  من التوصيات الهامة التي تنقل الملف الى المسرح الدولي بكل القوة والحضور المرافق له ، والمهم مواجهة ما تروج له اسرائيل ومحاولة اقناع العالم به حول " المقاتل اللا شرعي " او محاولات وصم نضالنا الوطني بالارهاب او مصطلحات الايدي الملطخة بالدماء او غيرها ، والانتقال الى اقناع  وتذكير العالم ان الاسرى لم يكونوا سببا في هذا الصراع وانما هم نتيجة لهذا الصراع المتواصل  على مدار العقود الماضية .

مؤتمر دولي للاسرى ىجهد جديد  يجب ان يدفع بالضرورة الى حشد المزيد من الدعم والتاييد لهذه القضة الهامة والمقدسة التي باتت تهم كل بيت فلسطيني ولكن الامور بخواتيمها ، فالمؤتمر يجب ان يكون محطة نطل منها على عتبة عهد جديد لأيصال معاناة هؤلاء الاسرى لا  ان يكون منبرا  للخلافات السياسية ، وادخال الملف ضمن حسابات ضيقة لهذا الطرف او ذاك ، المطلوب تفعيل القضية بكل ما تستحق من جهد على كافة المستويات بالدرجة الاولى محليا ثم بعد ذلك تدويل القضية لتكون حاضرة لدى كافة المحافل الدولية عبر الاعتصامات واللقاءات والمذكرات والاهم هو اضطلاع الامم المتحدة والمؤسسات الدولية الحقوقية والانسانية بدورها ، وهنا ياتي دور سفاراتنا في الخارج واهمية ما يجب القيام به في هذا الاطار .

المؤتمر الدولي ليس غاية وليس هدف ، الهدف الاساس يجب ان يبقى حرية الاسرى دون قيد  او شرط او تمييز بعيدا عن استغلال  هذه الورقة كورقة مساومة من الاحتلال ، المؤتمر الدولي الذي نريد هو تحت مظلة الجامعة العربية بتحضيرات كبيرة ونوعية ، وبمشاركة ايضا نوعية لأطلاق حملة عربية ودولية واسعة لشرح ما يجري في باستيلات الاحتلال من امتهان للكرامة الانسانية ومن انتهاكات خطيرة تصل الى جرائم الحرب ، مع الترحيب بكل جهد مثمر وبناء يخدم القضية بعيدا عن المصالح الحزبية والحسابات الضيقة وما زال في الوقت متسع للجهد الخلاق والمبدع وتحقيق النتائج المرجوة .

27/12/2010