السلطة والمال دون رقابة هما أداتا الإفساد للأحزاب والحركات السياسية بقلم: طلعت الصفدي

2010-11-23

طلعــت الصفــدي
عضو المكتب السياسي
حزب الشعب الفلسطيني

السلطة والمال دون رقابة هما أداتا
الإفساد للأحزاب والحركات السياسية

مع عودة القيادة الفلسطينية إلى أرض الوطن، وتشكل السلطة الوطنية الفلسطينية بمؤسساتها المدنية والعسكرية، راح بعض المتنفذين يروج لشعار" آن الأوان للحصاد بعد الزرع"، والتسرع في التنظير له قبل انجاز مهمات التحرر الوطني، مما أدى إلى تكالب وتزاحم أكثرية المناضلين المدنيين والعسكريين لحصد الوظائف المختلفة من وزارات ووكلاء وزارات ومدراء عامين ..الخ وتحولت السلطة لأكبر مشغل لعناصرها، مما دفع،بعض الأفراد من القوى الأخرى لتغيير ثوبهم، ولو مؤقتا للحصول على وظيفة أو امتياز، دون إدراك لجوهر الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وطبيعة الحركة الصهيونية الرجعية والعنصرية ذات العلاقة الإستراتيجية مع الامبريالية العالمية، والنظام الرأسمالي العالمي، وسعيها المستمر لتنفيذ مشروعها الصهيوني المزعوم "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض"، والركون إلى النوايا والتعهدات الكاذبة، والتنصل من الاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية.

كما روج البعض واهما بأن الدولة الفلسطينية قد قامت، بعد مشاهدة مظاهرها السطحية، علما بأن أية دولة مستقلة لا بد من عناصر أساسية لها، كالأرض والشعب والسلطة ذات السيادة. هذه العناصر جرى انتهاكها وإجهاضها عبر العشرين عاما الماضية من التفاوض والاستيطان والحصار والانقسام، فالدولة الفلسطينية لم ترسم حدودها على الأرض بعد، برغم قرار الشرعية الدولية الذي اعترف بها طبقا لقرار التقسيم عام 1947، بل يجري الاستيلاء عليها وسرقتها من أصحابها الأصليين، وتعمد الحكومات المتعاقبة على فصل شطريها غزة عن الضفة الفلسطينية قسريا، مستغلة الصراع الداخلي الفلسطيني. ان السلطة السياسية الفلسطينية ليست ذات سيادة، وهي تخضع كليا وجزئيا للاحتلال الإسرائيلي الذي يملك ويقرر دورها وحركتها السياسية والاقتصادية والأمنية، ويكبلها باشتراطات وتنسيقات أمنية، ولا زالت السلطة الوطنية الفلسطينية تخضع للاحتلال الإسرائيلي داخل حدودها وخارجه، ويتحكم في معابرها ومياهها وسمائها وأرضها ويحاصرها، ويمنع تطورها لتبقى متسولة، وعالة معتمدة على المعونات والتبرعات الخارجية، والمال السياسي، ووضعها دائما تحت المطرقة والضغط، وحرفها عن معركتها الحقيقية. لقد جرى تضليل الجماهير والتلاعب بعواطفها، وإيهامها بأن الدولة ذات السيادة قاب قوسين أو أدنى، لكنها فوجئت بتعجل هذه الاستنتاجات التي تتناقض مع الوقائع على الأرض، فالاستقلال الوطني الحقيقي لا زال بعيد المنال، ويحتاج لكفاح طويل ومرير على كافة المستويات المحلية والعربية والإقليمية والدولية، مما ساهم في عزوفها عن استمرار العمل الكفاحي، والبحث عن ذاتها والعمل على تلبية حاجاتها الضرورية والمعيشية، خصوصا في غياب الاهتمام بمصالحها.

لقد فشلت العديد من قيادات العالم الثالث، في أن تشكل نموذجا صالحا للحكم، برغم نجاحها في قيادة النضال الوطني ضد المستعمرين، ومع إنهاء الاحتلال الأجنبي، واستلامها للسلطة والحكم راحت تبحث عن الامتيازات والثراء الفاحش والسريع، فتحكمت في المال العام ، وانهمكت في المشاريع والاستثمارات الخاصة، ووفرت بيئة لمظاهر الفساد السياسي والمالي والإداري، وتسابقت في احتكار التجارة غير المشروعة وانخرطت في عمليات التهريب وغسل الأموال، وتجارة المخدرات، وتحول الفساد إلى نمط حياة داخل المجتمع بين المواطنين وأجهزة السلطة الحاكمة دون مراقبة ومساءلة أو محاكمة، وتغولت في تصفية رفاق الأمس بسبب معارضتهم لهذه المسلكيات المشينة، وتحولت إلى طبقة رأسمالية كمبرادورية، تسيطر على المجتمع ومقدراته، وتتهرب من تحمل مسؤولياتها الوطنية والمجتمعية تجاه شعبها، مسخرة كل أجهزة الدولة من المخابرات، والاستخبارات، والبوليس والأمن الداخلي، والسجون، ووسائل الإعلام،والمناهج التعليمية، والعنف الدموي ضد الخصوم السياسيين، مما ساهم في زيادة معاناة الجماهير الشعبية التي شكلت القوة المحركة الأساسية للثورة الوطنية التحررية، وساعد على تعميق اغتراب المواطن عن وطنه، وشعوره بالإحباط واليأس، وعدم جدوى الاهتمام بالأمور العامة، بعد أن أحس بفقدان كرامته وهويته المعنوية.

لا شك أن الديمقراطية السياسية والشعبية، وحرية الصحافة، وتطور وسائل الإعلام في البلدان المتطورة كان لها تأثير كبير في ملاحقة التجاوزات والتعديات على حقوق المواطنين العامة والخاصة وفضحها، وكشف الحقائق وتوجيه الاتهامات، وتشكيل رأى عام ضدها، كما ساعدت بجرأة ومهنية في تقديم المسئولين للمحاكمة، وهي بهذا الدور المتقدم فقد حاصرت قضايا الفساد، والفاسدين، وقللت من انتهاك حرية المواطن، وعلى العكس من ذلك ففي البلدان المتخلفة يمارس القمع وكبت الحريات دوره في حماية الفاسدين والحكام والمتلاعبين بالمال العام مستغلين السلطة والحكم، دون محاسبة أو محاكمة بسبب نفوذهم الإرهابي والسلطوي وغياب سلطة القضاء والقانون، ومنظمات حقوق الإنسان .

إن الصراع على سلطة وحكم تحت الاحتلال بين حركتي فتح وحماس، وفي ظل عدم انجاز مرحلة التحرر الوطني، وسعي كل منهما إلى السلطة سواء عبر الانتخابات التشريعية أو الانقلاب كما حدث في يونيه 2007 أدى لسيطرة حركة حماس على قطاع غزة بالكامل، وجني أكبر ما يمكن من المنافع والامتيازات، وهي تسعى جاهدة للحفاظ بسلطتها على غزة دون تحمل المسؤولية الوطنية بإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية لمواجهة المشروع الإسرائيلي الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني على أرضه، يشكل ضربة حقيقية للنظام السياسي الفلسطيني، وللعلاقات الوطنية الداخلية كما أقرتها وثيقة الوفاق الوطني . وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الانقلاب والتحكم بالسلطة، واحتكار وسائل الإعلام، تمارس العنف والقمع، وتلاحق كل من يحاول أن ينتقد تصرفاتها من قريب أو بعيد، أوالحديث عن مجموعات المصالح التي اغتنت، برغم استشراء مظاهر الفساد، وعلانيته وبروزه في مجالات مختلفة، وما حديث المواطنين المستمر في الشارع والحارة والسيارة والسوق، وفي الغرف المغلقة، والدواوين، والتجمعات الجماهيرية عن عقد الصفقات التجارية وعمليات التهريب، وإهدار المال العام، ومظاهر البذخ والترف الفاحش الذي عكس الثراء الطفيلي المجني من الفساد، دون محاسبة، إلا دليل على صحة ذلك.

إن محاولة تكميم الأفواه، وتعطيل الحياة الديمقراطية، وملاحقة الكتاب والصحافيين والمناضلين وقادة الرأى،واغلاق المؤسسات والجمعيات، والاستيلاء على المقرات النقابية والمهنية، تشكل خرقا للدستور الفلسطيني ولوثيقة الاستقلال، لا يمكن لها أن توفر الثقة والأمان لممارسيها، بل على العكس تتراجع مصداقيتها وجماهيريتها وقاعدتها الأساسية، وتخلق حالة من القلق والتوتر في الشارع الفلسطيني . ولهذا فان أي حزب أو حركة سياسية مهما بلغت من القوة والجبروت، فانها بحاجة إلى رقابة داخلية على عناصرها ومنتسبيها، وبحاجة الى رقابة شعبية، من خلال توفير المناخ لحرية الرأي والتعبير والصحافة والتنظيم، وفتح قنوات الاتصال، وافساح المجال للنقد البناء، لتشكل بمجموعها صمام الأمان لحماية المواطن من العسف والجور، والحوؤل دون استغلاله واضطهاده، وحتى لا تنحرف البوصلة عن الأهداف الوطنية والاجتماعية والديمقراطية التي يناضل شعبنا الفلسطيني لتحقيقها، وحتى لا تتحول السلطة إلى نظام استبدادي وقمعي لشعبها، فالسلطة والمال في غياب الرقابة الداخلية والشعبية هما أداتا الإفساد للأحزاب والحركات السياسية.

23/11/2010