بن جلّون وكيّ الوعي | سميح محسن

2023-10-16

بن جلّون وكيّ الوعي

| سميح محسن *

في الوقت الذي خرج به عشرات الآلاف من الأشقاء المغاربة، كغيرهم من الأشقاء في عواصم ومدن بلدانهم، إلى الشوارع للتعبير عن وقوفهم إلى جانب شعبنا الفلسطيني وتبني روايته الأصيلة. وعن رفضهم للمجازر التي يتعرض لها اليوم بأشدّ الأسلحة فتكا، وأعلى درجات الحقد والانتقام، يخرج علينا الروائي الفرنسي من أصل مغربي، الطاهر بن جلّون ليتبنى الرواية النقيض، ويزيد عليها، كتذكرة مرور يستخدمها للحصول على إحدى الجوائز العالمية التي تخضع لشروط غير الشروط الإبداعية، وذلك على حساب شلال الدم الفلسطيني النازف، وقضيته ذات الأبعاد الوطنية والقومية والإسلامية والإنسانية.

في مقالة له نشرها بن جلّون في مجلة (لوبوان) الفرنسية اليمينية لم يكتفِ بالأوصاف التي أطلقها وزير الحرب الإسرائيلي يوآف جالانت على الفلسطينيين في قطاع غزة حيث وصفهم بـــــ (الحيوانات) بل زاد على ذلك الوصف وقال: "إن الحيوانات لم تكن لتفعل ما فعلته حماس... لا هناك رجال بلا ضمير، بلا أخلاق، بلا إنسانية ارتكبوا المجازر"!

وفي مقالته، يتذكّر بن جلّون أنّه: "عربي ومسلم من أصول وثقافة وتعليم مغربي تقليدي" وليته تذكّر أيضاً ما فعله الاستعمار الفرنسي، الذي يحمل جنسيته اليوم ويكتب بلغته، في بلده الأصلي، وفي بلد الشقيق والجار الجزائر، وما يفعله حتى اليوم في قارته الأصلية إفريقيا. ولعلّه ينكر أيضاً حقّ أبناء تلك الدول، مهما كانت مرجعيتهم الفكرية والأيديولوجية في مقاومة الاحتلال والاستعمار.

إنّ الانضمام إلى جوقة "شيطنة" حركة مقاومة للاحتلال هو تأييد صريح ومفضوح وبائس لاستمرار الاحتلال، وتأييد للمجازر التي ترتكب ضد شعبٍ يناضل من أجل الحصول على أدنى حقوقه... ولا ندري إن كانت "إنسانية" بن جلون جُرِحت وهو يشاهد صور اجتثاث عائلات بأكملها في قطاع غزة، جلّ ضحاياها من النساء والأطفال، وقد قطع عنهم جالانت الماء والغذاء والدواء، وترك ما يزيد عن مليونين ونصف مليون إنسان يهيمون على وجوههم في العراء؟!

لقد انساق بن جلّون للرواية الإسرائيلية، والتي تبنتها عدة دول غربية أوغلت تاريخيا في دمنا العربي، وانفضح كذب تلك الرواية حتى تراجع عن تبنيها رؤساء دول، فهل يتراجع بن جلّون؟ وهل تسمح له تلك المجلة بنشر مقالة تدحض مقالته الأولى؟! كما أننا لم نسمع من هذا الكاتب الذي عرّف نفسه بأنّه "عربي ومسلم من أصول وثقافة وتعليم مغربي تقليدي" رأيه في الاقتحامات المتكررة للمستوطنين "لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين" وخططهم بتسويته بالأرض، وإقامة هيكلهم المزعوم على أنقاضه". كما أننا لم نسمع رأيه في تجريم رفع العلم الفلسطيني في سماء باريس من قبل المتظاهرين ضد المجازر التي تقترفها قوات دولة الاحتلال ضد شعب عربي يدّعي أنّه ابن جلدته، بل واعتقال العشرات منهم وتقديمهم للمحاكمة. وكما ليتنا سمعنا رأيا له بقرار تراجع معرض فرانكفورت للكتاب عن تكريم الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي، ولو من باب الدفاع عن مبدأ حرية الرأي والتعبير.

في النهاية فليقرأ من كتبه الكاتب الإسرائيلي شاي جولدبيرغ عن العرب الموالين لإسرائيل: "لاحظت أن نسبة العرب الموالين لإسرائيل تتضخم يصورة غير منطقية، أنا كيهودي عليّ أن أوضح نقطة مهمة: عندما تخون، أنت كعربي أبناء شعبك بآراء عنصرية صهيونية، فنحن نحبّك مباشرة... لكنّ حبّا كحبنا للكلاب. صحيح أننا نكره العرب لكنّنا، عميقا في داخلنا، نحترم أولئك الذين تمسكوا بما لديهم، أولئك الذين حافظوا على لغتهم وفكرهم...ولهذا يمكنك أن تختار: إما كلب محبوب، أو مكروه محترم".

* شاعر وكاتب صحفي فلسطيني.