أزمة كتابة، أم أزمة قراءة، أم الاثنتان معاً، أم ماذا؟! | سميح محسن

2023-10-05

أزمة كتابة، أم أزمة قراءة، أم الاثنتان معاً، أم ماذا؟!

| سميح محسن *

في تعليقها على ما كتبته قبل أيام عن قيام الصديق الشاعر عصام السعدي باقتناء عدد من المجموعات الشعرية دون غيرها من معرض عمان الدولي للكتاب، ووصفت ذلك بأنّها مبادرة تستحق التقدير، كتبت الصديقة العزيزة الروائية رجاء بكرية التعليق التالي:

"ليس انتقاصا من قيمة الشعر ولكن استسهال كتابته أيها الشاعر البديع مسخ صورته في محافل الأدب. نعم أشكال السرد مدارس على ارتباكاتها أحيانا، لكن الجميل فيها انفتاحها الفاتن على المذاهب الفكرية واتساعها واستثناؤها من منظومة الجمال فرديا وموضعيا حين تشذ عن معايير الجائز والممكن".

وكان الصديق الناقد د. عادل الأسطة قد كتب تعليقين أيضا على المنشور نفسه، قال في الأول: "كتبت هل أسهم كتاب القصة القصيرة في موتها؟ القصة القصيرة سرد وما يلم بالشعر ألم بها". وكتب في تعليقه الثاني: "والدور على الرواية بعد الشعر والقصة القصيرة. هناك فيضان كتابي في الشعر والقصة القصيرة والرواية أيضا".

ومن جهته، علّق القاص والروائي الكبير الرفيق محمود شقير محمود شقير على ما كتبه د. عادل الأسطة بقوله: "هناك مشكلة فعلية في تلقي القصة القصيرة. صار انتباه القراء والنقاد مشدودا إلى الرواية. بالنسبة لي لن أتخلى عن كتابة القصة القصيرة لثقتي في الدور المنوط بها برغم التجاهل. لكنني صرت أميل إلى إصدار كتب قصصية فيها سياقات روائية كما هو الحال في كتابي الأخير: نوافذ للبوح والحنين".

بالعودة لما كتبته، فقد كتبت أننا "نتحيّز للنّص الجيد بغض النظر عن تصنيفه، وليت الشعراء يفعلون مثل ما فعله الشاعر السعدي، ليس كردة فعل ضد فنون السرد، وإنما لرد الاعتبار لمكانة الشعر الذي يدّعون موته".

تقول الصديقة رجاء بكرية أن "استسهال كتابة الشعر مسخ صورته في محافل الأدب"، وأظنّ أن الاستسهال في الكتابة يمسخ صورة المكتوب، أيّا كان الشكل الأدبي الذي يُكتَبُ به، وما ينطبق على الشعر ينطبق على غيره. صحيح أنّ هناك تفاوتاً بين نصٍّ وآخر، حتى عند الكاتبِ نفسه، إلا أننا نجزم أن هناك كتابات في السرد تفتقر إلى أدنى الشروط الفنية، وهذا ما تقرّ به أيضا الصديقة رجاء التي تتعب على نصّها ليصلنا بأبهى صوره، وهي تعلم أنني منحاز لنصها الباهر.

الصديق العزيز د. عادل الأسطة، الناقد المتخصص في قراءة ونقد السرد، والمتابع الدؤوب لما ينشره كتابنا الفلسطينيون بشكل خاص، بدا متشائماً من مستقبل الكتابة من خلال طرحه لأسئلته حول مستقبل القصة القصيرة والرواية. وأما أستاذنا الكبير الرفيق محمود شقير وإن أقرّ في تعليقه بأنّ هناك مشكلة في تلقي القصة القصيرة، إلا أنّه سوف يواصل كتابتها. وأشار إلى أنّه صار يميل إلى إصدار كتب قصصية فيها سياقات روائية كما هو الحال في كتابه الأخير: نوافذ للبوح والحنين.

كانت تلك آراء كتّاب مكرّسين في مختلف فنون الكتابة الأدبية حول مستقبل الشعر، ومستقبل السرد بشقيّه القصصي والروائي، فأين تكمن المشكلة ؟! هل في النّص ذاته ؟! أم في عزوف المتلقي عن القراءة، ولماذا ؟! أم في غياب حركة نقدية قادرة على التأثير ؟! أم في دور النشر التي لها ما لها وعليها ما عليها ؟! أم أنّ هناك تبدلاً حادّا في القيم المجتمعية ؟! أم أنّ هناك استسهالا في الكتابة كما ذكرت العزيزة رجاء ؟!

وفي سياق متصل، تناولت الكاتبة الأردنية، لينا جزراوي، ظاهرة العزوف عن القراءة في مقالة لها نشرته في موقع عمّون الإخباري، ذكرت فيه أن الأمر "لا يحتاج الأمر إلى تدقيق لنُعلِن أنّ إقبال الشّباب، وحتى الكِبار على قراءة الكُتُب اليوم في الأردن أصبح أمرًا نادِر الحدوث لعدّة اسباب ؛ أهمّها رقمنة التّعليم، والاتجاهات العالمية نحو استخدام أدوات التعلّم الحديثة بأنواعها المُختلِفة... وكلّنا نعلم أن واحدة من بين هذه الأدوات على الأقلّ مُتاحة اليوم في يدّ كل انسان أردني بغضّ النّظر عن فِئته العمريّة، وحالته الماديّة، وطبقتِه الإجتِماعيّة. أما السبب الثاني برأيي فهو ضعف ثقافة القراءة في مجتمعنا، وعدم إعتياد الأطفال على فِكرة وجود الكِتاب في حياتهم، حيث من المعروف أن القراءة عادة ينشأ عليها الطّفل في بيته ابتداءًا... وأما السبب الثالث فهو أن أغلب مدارسنا اليوم لم تعُد تهتمّ كفاية بتنمية مهارات القراءة لدى الطّلبة".

على مقالتها تلك، كتبت التعليق التالي: "في أيلول نُظِّمَ معرضان للكتاب، فما أن أغلق معرض فلسطين للكتاب أبوابَه حتى فتح معرض عمان للكتاب أبوابَه... المعرضان فتحا شهيتِنا لطرح هذه الأسئلة، وأظنّ أن الإجابة عليها تحتاج إلى دراسة بحثية يكون أحدّ ركائزها الأساسية إجراء بحث ميداني...

لا شكّ أن العادات، ومنها عادة القراءة تُكتَسَبُ من البيت، وتُنَمَى في المدرسة... كيف سنعيد إلى هذه العادة قيمتها ونحن نقوم بوضع أجهزة الاتصال الحديثة بين أيدي أطفالنا قبل بلوغهم الثانية من أعمارهم؟! وكيف سنعيد لها قيمتها وهناك بيوت تتوفر فيها كلّ هذه الأجهزة الحديثة ولا يوجد فيها كتاب واحد؟ حتى أننا لا ننهر هذا الجيل الذي يقوم بتمزيق الكتاب المدرسي خارج أسوار المدرسة فور تأديته للامتحان، ولا نربيه على إعادة الكتاب إلى البيت، ولو من باب الذكرى لمرحلة من عمره؟! وحتى مستلزمات أبحاث التخرج من الجامعات يتم شراؤها من السوق".

وبعد، فهل نحن أمام أزمة كتابة، أم أزمة قراءة، أم الاثنتان معاً، أم ماذا؟!

تلك أسئلة مفتوحة فهل لدينا إجابات شافية لها ؟!

 * شاعر وكاتب صحفي.