بشير البرغوثي لم يكن قائدًا ومفكرًا سياسيا وحسب | سميح محسن

2023-09-09

بشير البرغوثي لم يكن قائدًا ومفكرًا سياسيا وحسب

| سميح محسن

في مثل هذا اليوم، وقبل ثلاثة وعشرين عامًا، توقف نبض قلبه الكبير عن الخفقان، ليغادرنا جسده الذي أنهكه المرض في سنوات حياته الأخيرة في رحلة خلوده الأبدية، ولتبقى سيرته ومسيرته ورؤاه الثاقبة حاضرة، حيّةً وطازجة في قلوبنا وضمائرنا.

لأبناء جيلي الحقّ كل الحقّ بأن يفتخروا بأنّهم عاشوا في زمنه، ومن حقّنا نحن الرفاق الذين عملنا في أسبوعية "الطليعة" المقدسية، والتي كان يشغل مهمة رئاسة تحريرها لسنوات طويلة، أن نضاعف من منسوب فخارنا، لأننا تتلمذنا على فكر ورؤى ومهنية واحد من أهمّ أساتذة الصحافة في بلادنا.

هناك كثيرون من يروا الرفيق خالد الذكر بشير البرغوثي قائدًا حزبيًّا صلبا، وقائدًا وطنياً وأمميا ومفكرا سياسيًّا فذّا، وبالنسبة لنا بالإضافة إلى كلّ ذلك وأكثر، نراه أستاذًا بارعًا في الصحافة على الصعيد المهني، وكاتب مقالة سياسية لم يتكرّر حتى الآن، مع تقديرنا لجهود من أتوا بعده من الأصدقاء والرفاق.

قال لي صديق من خريجي الجامعة الأردنية ممن تخرجوا منها منتصف سبعينيات القرن الماضي، ذات حديث بيننا، أنّهم كانوا يُدرّسون مقالة الرفيق بشير البرغوثي كنموذج للمقالة السياسية مكتملة العناصر. بعيداً عن التحليل لواقع الحال، والرأي السياسي الذي كان ينتظر المشتغلون في السياسة أن قراءته صباح كلِّ خميس، كنا نحن نقرأ مقالته من زاوية مهنيّةٍ أيضا لنتعلّم فنّ الكتابة. لقد كان مقتصداً في اللغة، ويتقن الترقيم، والترقيم علمٌ وفنّ، يعرف أين يضع النقطة والفاصلة، وللعارفين في لغتنا، فإنّ الترقيم جزءٌ أصيل في النّص. كان يضع الكلمة في مكانها الصحيح، ويكتب الفكرة دون زيادة أو نقصان.

لم يكن الرفيق بشير البرغوثي يكتب مقالته على استعجال، رغم مهامه في قيادة الحزب، ودوره الوطني البارز، بل كان يحرص على الإحاطة بتفاصيل القضية التي سيتناولها. كما كانت له تقاليده الخاصة والصارمة والانضباط العالي في تحديد مواعيد كتابته لمقاله السياسي الأسبوعي، ورأي الطليعة.

لأسباب عديدة نفتقد اليوم الرفيق الخالد بشير البرغوثي، نفتقده مناضلا وطنياً وأمميا، ومفكرا سياسيا فذّا، وقائدا حزبيا، وإنسانا نبيلاً ومتواضعا، رحل نظيف اليدين، وعطر السيرة.

لروحك رفيقنا الغالي بشير البرغوثي السلام والطمأنينة، ومهما كتبنا بك وعنك لن نوفيك حقّك، إننا نفتقدك، ونفتقد أمثالك يا رفيقنا العزيز.