القدس في عيون رفيقنا الراحل أبو العطا - بقلم: وليد العوض

2009-12-01

وليـــد العـــوض
عضو المكتب السياسي
حزب الشعب الفلسطيني

القدس في عيون رفيقنا الراحل أبو العطا

ربما تكون المساحة الزمنية التي عرفت فيها الرفيق أبو عماد قليلة ، بالقياس إلى تلك التي عرفه فيها الآلف الرفاق وتتلمذوا على يديه، فهم وإياه نسجوا خلال سنوات طوال  تاريخا مجيدا لحزبنا سنظل نفتخر ونعتز به ونعترف من معينه الذي لا ينضب ما  يسعفنا على مواصلة  الكفاح من اجل حرية شعبنا واستقلاله ومن اجل إقامة نظام الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، عرفت أبو عماد قبل عودتي للوطن حينما كنا نلتقي في جلسات المساء ليحدثنا الرفيق الشهيد أبو علاء عضو اللجنة المركزية للحزب ، بعد كل اجتماع تعقده اللجنة المركزية للحزب ويلتقي خلالها بالرفاق القادمون من الوطن، عن مآثر الرفاق وبطولاتهم ومن بين من كان يتركز عليهم الحديث كان الرفيق الراحل عبدالله حامد أبو عماد، هذا الرفيق المناضل الإنسان  الذي  تعددت وترددت صفاته ،وغيبه الموت بعد صراع طويل مع المرض صبيحة يوم عيد الأضحى المبارك فخسرناه في وقت ما زلنا بحاجة لعطائه المتدفق.

منذ تلك السنين كنت تواقا للقاء رفاقنا في الوطن إلى أن تحققت تلك الأمنية حين عودتي عام 1996 ومنذ ذلك الحين ربطتني  برفيقنا أبو عماد علاقة وطيدة ، طغى فيها الجانب الإنساني على الجانب الحزبي ، بين الفينة والأخرى كنت أذهب بصحبة بعض الرفاق وأحيانا لوحيدي أجالسة في البيارة تحت شجيرات الزيتون والليمون تلك الشجيرات التي سقاها أبو عماد بعرقه سنوات طوال فأحبها وأحبته ، وحين طارده الاحتلال خبأته بين أغصانها فكانت خير ملجئ له ، لم تبخل عليه يوما بظلالها ،وكم من رفيق وصديق استمتع تحت هذه الشجيرات لساعات طويلة لأحاديث أبو عماد وطرائفه ونصائحه، وأظنها اليوم تذوق معنا آلام فراقه فتدمع على هذا الفراق  الصعب.

في الأشهر الأخيرة حين اشتد عليه المرض وبات القلق على حياته يساورنا جميعا تكثفت زياراتي له في منزله للاطمئنان عليه، وحين ذهب للعلاج في مستشفى المطلع، وذهبت أنا للعلاج في مستشفى المقاصد زرته برفقة عدد من الرفاق التقيناه تحت شجر الصنوبر كان شديد العزيمة كعادته وبدلا من أن أواسيه لحالته الصعبة، وجدته يواسيني و يشد من عزيمتي ويؤكد أنه ما زال هناك متسعا من الوقت ومساحة للعطاء والنضال  من اجل القضية إلى آمنا بها، أثناء الحديث الذي تشعب و طال تدخل احد أبناءه معاتبا حول ما نوليه من اهتمام بوالده،  وبحسه الشيوعي المرهف لاحظ أبو عماد امتعاضنا فما كان منه إلا وانتفض في وجهه مدافعا عن الحزب ومؤكدا أن الحزب يوليه كل عناية واهتمام  وقد فرز لرعايته أعضاء من مكتبه السياسي وقيادة منظمة الحزب بالقدس وبطريقة ابن الشجاعية الواضحة وضوح الشمس قال أوووووووخ شو بدك أكثر من هيك.

في ساعات المساء زرته في غرفة الفندق الذي يقيم فيه بالقدس ومن هناك ينتقل  للعلاج في المطلع،  فتحت نافذة الغرفة فإذا بها تطل على قبة الصخرة يتطلع عليها أبو عماد صباح مساء يؤكد في كل لحظة إنها لن تكون إلا العاصمة الأبدية لدولة فلسطين،وكانت تلك هي المرة الأولى التي ازور فيها القدس، ومن غرفة أبو العطا شاهدت قبة الصخرة لأول مرة، فتمتمت قائلا على مسمعه وابنه سهيل ،سأكتب مقالا بعنوان القدس في عيون أبو العطا، بقينا معا عدة أيام هو يتعالج في المطلع وأنا في المقاصد، إلى أن عدنا معا إلى القطاع الذي نحب، ويما بعد يوم كنا نشعر ونحن نزوره أن أبو عماد  تغلب على المرض ويشارف على هزيمته، إلا أن هذا الأمل أخذ في التلاشي وبتنا نراقب الساعات والأيام تحسبا لما نخشاه على رفيقنا، قبل أيام  من رحيله زرته في منزله فطلب مني الاقتراب منه فاقتربت فشد على يدي وكأنه يظهر مدى عزيمته وإصراره على التمسك بالحياة ، وقال إن جل ما كان يوصيني به الرفيق بشير البرغوثي هو أن ندير بالنا على الرفاق وأن لا  نستسهل التخلي عنهم إنهم رفاقنا الذين صمدوا وصنعوا تاريخ  الحزب ومجده فيا عم ابو حسين أوصيكم بذلك.

صبيحة يوم العيد وقبل أن أزور أي إنسان ذهبت وأولادي  لزيارته في مستشفى الشفاء دخلت غرفته فوجدته في حالة صعبة لم أتمالك نفسي فغادرت مسرعا قبل أن اشهد الحدث  الذي كنت أخشاه ، وهو ما تحقق بعد ربع ساعة من الزيارة الأخيرة ،وهكذا يمكن القول أنني كنت من أواخر الرفاق الذين عرفوه ولكنني كنت أيضا أخر الرفاق الذين ودعوه.

رفيقنا أبا عماد نم قرير العين  لقد بكتك غزة كلها بل وشعبنا كله وعم بيت عزائك كل من عرفك، وسيرتك الطيبة على كل لسان ستبقى كذلك سيصونها رفاقك وأبناءك الذين لك أن تفخر وتعتز بهم وعليهم الافتخار بك والحفاظ على إرثك، حزبك الذي بنيت وشعبك الذي أحببت وذويك وأبناءك الذين ربيت يفتقدونك اليوم ، وعزائهم الوحيد بما تركته من ارث كفاحي مجيد وأسرة مناضلة سنبقى معها على العهد أوفياء إلى أن تتحقق الأهداف التي ناضل من اجلها رفيقنا الراحل.


1/12/2009

1/12/2009