التعليم مرة أخرى! - بقلم: سلام حمدان

2009-11-25

التعليم مرة أخرى!

الكاتبة: سلام حمدان

أثار اهتمامي تقرير ورد قبل بضعة أيام على قناة الجزيرة الاخبارية حول وضع التعليم في العالم العربي قياسا بوضعه في العالم ككل، وهو تقرير يستند الى بحث أجرته جامعة جياو تونغ في شنغهاي- الصين. ورغم المناعة التي اكتسبناها كمواطنين/ات عرب ضد أي معلومات او بيانات صادمة حول رداءة وضعنا في هذه البقعة من العالم، الا أنني لم أتمالك نفسي من هول المفاجأة: "في الخمسمئة جامعة المصنفة ضمن الأفضل في العالم يوجد جامعة عربية واحدة احتلت المرتبة الأربعمئة وثمان وعشرون، وهي جامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية، في حين هناك ست جامعات اسرائيلية في مراتب متقدمة"! وفي تقرير التنمية البشرية الأخير الصادر عن الامم المتحدة، يهولنا أيضا واقع العالم العربي الذي لا يقرأ ولا ينتج فكرا، في حين انه يمتلك ثروات بشرية ومادية هائلة، فاحدى الدراسات تشير الى ان معدل قراءة الفرد العربي لا تتجاوز 6 دقائق في السنة!! كما أن ثلث العالم العربي أمي لا يقرأ ولا يكتب ( ثلثيهما من النساء)!

وتعود جامعة جياو تونغ لتؤكد ان نسبة انتاج الأبحاث في عالمنا العربي لا تتجاوز 0- 0.3% من معدل البحث العلمي في العالم ككل!  وبدلا من ان نمر بأسى كالمعتاد على هذه البيانات ألا يجدر بنا أن نتساءل بجدية تامة: لماذا؟ وأين المخرج؟

في الأصل تعتبر الجامعات مراكز علمية بحثية، لا لاعادة اجترار ما يتوفر من معلومات بل في محاولة للبناء عليها، او اجتيازها أو تطويرها. هي أيضا فضاءات لاطلاق المواهب والطاقات الشابة في مختلف المجالات من علوم وفنون وآداب، كذلك ساحات ومنابر للحوارات الفكرية والمناورات والعمل السياسي والنقابي. فكم من قادة سياسيين فلسطينيين برزوا على الساحة من الجامعات، وكانت تلك الأخيرة حيزا واسعا لتمرينهم وتدريبهم على الحوار والابداع والحنكة السياسية. وكيف راحت جامعاتنا تنحو نحو الدور "المدرسي التقليدي" حيث باتت تقتصر على مناهج مكرورة تقدم كحقائق جاهزة ويعتمد جزءا لا بأس به منها على المناهج الغيبية –التلقينية؟ في حين ان الجامعات على وجه الخصوص، لا التحديد، قامت أساسا لاعلاء شأن العقل وتحفيز المنهج العلمي الجدلي البحثي، بعيدا عن الحقائق المطلقة والجاهزة ،والتي من المفترض أن يكون دورها الأسمى هو اثارة الشك دفعا نحو اعمال العقل والنزوع نحو التقدم باطراد، لا العكس.

وعلى نفس الشاشة ننتقل مثلا الى دبي، في نزوعها الرائع نحو التطور والمنافسة على أعلى مستوى عالمي. في دبي أعلى برج في العالم، وفيها اليوم مترو أنفاق يثير الاعجاب والدهشة، وفيها عدد من الوزارات الناشطة والفاعلة للغاية، وفيها أيضا أجواء ثقافية واجتماعية منفتحة ومتنوعة، لماذا لا تحتل اذا جامعاتها، او بعضها، مكانة متقدمة على السلّم المذكور سابقا؟  لماذا لا تصبح منارة مشعة للبحث والتساؤل العلمي؟ لماذا يظل أصغر مركز للابحاث في أصغر جامعة اسرائيلية متفوقا عنها وعن كل مراكز الابحاث في كل الجامعات العربية الى حد كبير؟ لماذا نتطور استهلاكيا فقط؟ تزداد احتياجاتنا بما يتواءم مع السوق العالمية الجديدة والنظام النيو-ليبرالي دون أن نلتفت الى احتياجاتنا اللحوحة جدا للانتاج والاستهلاك على المستوى الفكري والمعرفي؟ ولماذا يبقى معلمونا سواء في المدارس أو الجامعات، الأكثر فقرا بين مختلف الفئات الاجتماعية؟ كيف يبدع المعلم ويطّور في أساليبه وهو مشغول بسؤال الجوع المسلط كسيف، دائم الحضور، فوق عنقه؟  

ونستطيع في هذا السياق الادعاء أننا، هنا في فلسطين، حالة خاصة نتيجة الاحتلال وشتى اسقاطاته على مكونات وعناصر حياتنا اليومية واللحظية. نحن فعلا لا نقف على نفس سلم المقارنة مع محيطنا العربي، ولكننا نستطيع أن نناور نسبيا لتطوير اوضاعنا في مدارسنا وجامعاتنا. لنا سلطة لا بأس بها على نوعية المناهج كذلك على أسلوب التدريس نفسه. قد تكون فرصة جيدة اليوم أنه يوجد لدينا حكومة ذات منحى ديمقراطي ترنو نحو الدفع الى الأمام والتقدم. لماذا لا تولي حكومتنا هذه اهتماما أكبر وأكثر جديّة الى قطاع التعليم؟ وهل يكفي بأي حال الاهتمام بالبنى التحتية فقط؟ وهل يكفي التعديل –غير المنظم والممنهج- على بعض المناهج هنا وهناك؟ ولكن ماذا عن أساليب التدريس نفسها؟ وعن الثقافة التي تحيطها كالسواروالتي تقوم على ترسيخ حقائق مطلقة ونفي أي محاولات لاعمال العقل والنقد والتحليل؟ واذا ما نظرنا بتفحص وعن قرب الى الكثير من المناهج والى أساليب التدريس، حتى في أكثر مدارسنا "ليبرالية" وانفتاحا، سنجد أنها تقوم بالاساس على ترويض الطلبة وكبح طاقاتهم لا على اطلاقها وتحفيز انتاجيتها.

وفي معرض الحديث عن تطوير أداء الصروح العلمية، وخصوصا الجامعات منها، يجب عدم اغفال أن التعليم حق للجميع، وليس حكرا على طبقات محدودة ومقتدرة فقط. ورغم تشجيعنا للجامعات الخاصة وحقها في تطوير مقدّراتها وامكاناتها، يجب عدم الاغفال أننا لا زلنا تحت احتلال ولا دولة لنا بعد لتقيم جامعاتها الحكومية المدعومة والتي عليها أن تفتح ابوابها عريضة للفقراء. على القطاع الخاص أن لا يبتلع العام تحت ذريعة "الاحتلال" ، ولا بد من التفاتة حكومية ومجتمعية جادة وصادقة الى حق الفقراء في التعليم، وحتى اعلى السلّم.

والانتباه الى الصروح-المرافق الأكاديمية وحدها لن يؤدي، وحده، الى اجتياز مشكلتنا في التأخر والتبعية. فالثقافة أيضا حجر زاوية في النهوض واللحاق بالركب الحضاري. كيف نمضي الى الأمام مع أجيال شابة لا تقرأ (كما يشير تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة-المذكور أعلاه).  ومن لا يقرأ لا يكتب. من لا يدخر المعرفة لا يقوى على اعادة انتاجها والاضافة لها وتطويرها. اضافة الى ان القراءة ليست كم فقط بل نوع أيضا. وهنا لا بد من دور كبير للدولة وللمجتمع المدني، خصوصا الأحزاب ، على العمل بجدية لادماج عنصر القراءة جديّا في المؤسسات التعليمية – على رأسها المدارس- كما نتمنى على أحزابنا أن تعود الى نهج التثقيف والحث على البحث والقراءة والاستنباط واعمال العقل كما كان شأنها في عقود مضت. وهذا يتطلب منها قبل غيرها التخلص من عقليتها العصبوية والقبلية، حتى تتمكن من نفي ثقافة "الحقائق الثابتة والمطلقات" واحلال ثقافة قائمة على التساؤل والشك الايجابي (الشك الهادف الى التقدم والتطّور).

ان الخلل الجلي في مؤسسة التعليم تحديدا والمؤسسات الثقافية عموما هو أحد المؤشرات الهامة على خلل في النظم الادارية في عالمنا العربي. هناك سوء تخطيط واضح، وبالتالي سوء متابعة وسوء تقييم،اضافة الى رضى عن الأداء وثقة عمياء في التوجهات، والذي يجعلنا نراوح في حلقة مفرغة. ننفق المليارات من الأموال ونتوسع باطراد في عالم الاستهلاك البضائعي والفني-التقني دون أن يكون لنا أي دور فاعل وحقيقي في عمليات الانتاج ، المادي والفكري.  وفي ظل هذا الواقع العقيم ، اللامنتج، كيف نتصدى لأعدائنا، وكيف نفلت من الاستغلال والاضطهاد؟ وكيف نكف عن ان نكون تابعين/ات؟

والتعليم النوعي مرة أخرى، وكل مرة، هو مربط الفرس، فلو توفر لنا هل كنا سنشهد فضيحة كرة القدم بين مصر والجزائر, مثلا؟.

25/11/2009