سلاح السلام ...377 - بقلم: ناصيف معلم

2009-11-10

نــاصيـــف معلـــم
المركز الفلسطيني لقضايا السلام والديمقراطية

سلاح السلام ...377

لقد شهدت الساحتين السياسية والاعلامية العربية والفلسطينية ضجيجا كبيرا جراء تأجيل التصويت على تقرير غولدستون، والذي تابع ذلك الضجيج  وتلك الحرب الاعلامية لتبادر لذهنه انه تم اعداد العدة لتحقيق النصر، والعمل العربي عامة والفلسطيني خاصة سيعمل بالفعل وليس برد الفعل، لكن بعد التصويت مع التقرير هدأت الساحة، ووضعت الالسن بالافواه والاصابع بالاذان، وبدأت الفضائيات وفرسانها يتحدثون عن انواع الطيور البيضاء التي تعيش في جزيرة البوتسوان جنوب المحيط الاطلسي.

اعتقد ان من حق المواطن ان يتعرف على ما بعد التصويت على تقرير غولدستون، المشكلة في هذا الصدد ليست بعدم وجود المعلومات، بل تكمن المشكلة باعطاء معلومات خاطئة مرة عن قصد ومرة اخرى عن غير قصد، حيث يتمحور ويتركز الحديث حول نقل التقرير الى مجلس الامن للتصويت عليه واصدار قرار تنفيذي يقضي بملاحقته ومعاقبة مجرمي الحرب، وكالعادة انقسم هؤلاء الى فريقين، الاول يقول أن الولايات المتحدة ستصوت لمصلحة التقرير في مجلس الامن، وذلك حتى لا يخسر اوباما جائزة نوبل للسلام، ويعتقد هؤلاء أن أوباما أميرا يحكم إمارة، وبالتالي هو الآمر الناهي.

اما الفريق الثاني، فهو الكلاسيكي الذي يمثل قرنا من التشائم وقناعته ليست فقط بعدم عدالة الشرعية الدولية، انما ايضا قناعة بعداء الامم المتحدة والقانون الدولي للعرب والمسلمين ، وبالتالي سيكون هناك فيتو امريكي مؤكد.

واضح بأن الفريقين على خطأ، فالولايات المتحدة لا تصوت لصالح القرار ما دامت مصالحها في الشرق الاوسط غير مهددة، فهل نستطيع تهديد المصالح الامريكية؟ بأعتقادي نعم نستطيع، لكن السؤال الجوهري هل هناك ارادة وخطة ورؤيا؟ مؤكد ان الاجابة لا كبيرة، يعني ان هناك فيتو امريكي.

نعم، انه الفيتو الامريكي، قد اتفق مع الفريق الكلاسيكي بوجود فيتو،لكن اختلف معهم بالقضية الجوهرية ، فهم يعتقدون ان الفيتو الامريكي هو نهاية الطريق، وعند هذا الفيتو يتوقف كل شيئ. لا وألف لا يا سادة .

انها بداية الطريق، انها معركة الارادة والكرامة والعصيان ، انها معركة 377، انها معركة "الاتحاد من اجل السلام" ، هي معركة 377؟ انها تنفيذ قرار " الاتحاد من اجل السلام" قرار الجمعية العامة للامم المتحدة الصادر عام 1950اثناء الحرب الكورية .

ويتعلق هذا القرار بسد ثغرة الفيتو في مجلس الامن بحيث يتم نقل مشروع القرار من مجلس الامن الى الجمعية العامة، وتأتي قوة هذا القرار ايضأ من خلال تبني الجمعية العامة للامم المتحدة لاي مشروع قرار يخفق مجلس الامن بتحويله الى قرار بسبب فيتو احد الاعضاء الخمسة، ثم تقوم الدول الاعضاء بنقاش المشروع المقترح في الجمعية العامة ويتم التصويت عليه بوجود و حضور الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن، حيث لا مجال للفيتو هنا، وعضوية الدول الخمسة دائمة العضوية لها صوت واحد وليس من حقها استعمال حق الفيتو، فهي كغيرها من اعضاء الجمعية العامة. ان اختصاص الجمعية العامة وفقا للقرار 377 يشكل السند القانوني المباشر لاختصاص الجمعية العامة. جاء هذا القرار عام 1950 خلال الحرب الكورية ليحل اشكالية عجز مجلس الامن من اتخاذ قرار لصون السلام والامن الدوليين بسبب حق النقض الفيتو الذي يمارسه احد الأعضاء الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي.

جاء في القرار 377 ما يلي: "تقرر انه في حال فشل مجلس الامن بسبب فقدان اجماع الاعضاء الدئمين في ممارسة مسؤوليته الرئيسية بالحفاظ على السلم والامن العالميين في كل حالة يظهر فيها تهديد للسلم او خرق له او عمل عدائي، فأن الجمعية العامة تنظر في الموضوع فورا بقصد اتخاذ التوصيات المناسبة وذلك من اجل صون السلم والامن الدوليين او اعادتها الى نصابها، واذا لم تكن الجمعية العامة في دورة انعقاد في غضون ذلك، تنعقد جلسة طارئة خلال 24 ساعة من طلب انعقادها لهده الغاية".

السؤال هل نحن مستعدون للمضي قدما لايصال الملف الى مجلس الامن ؟ وهل نحن على استعداد لمواجهة فيتو الولايات المتحدة الامريكية؟ ودحرجة التقرير الى الجمعية العامة لاصدار قرار تنفيذي ملزم للدول الاعضاء ؟
ان اهمية مثل هذه الاسئلة تجعلنا كشعب وقيادة فلسطينية وسلطة ومعارضة، أمام مفترق طرق لاتخاذ قرارات استراتيجية غاية في الاهمية، واهمها "هل منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية برأسيها الرئاسي والحكومي على استعداد لخوض هذه المعركة لمواجهة كل من الولايات المتحدة و حلفائها (اسرائيلين وعرب و أوروبيين)؟

وهذا يعني ان نتوقع مزيدا من الضغوطات والمقاطعة المالية، فهل نحن على استعداد لوداع العيش ببحبوحة والاتجاه نحو العيش بكرامة ؟ ونفس السؤال موجه ايضا الى حركة حماس ،حيث أنها إذا أرادت المضي قدما في طريق الشرعية الدولية وطريق القانون الدولي وطريق 377 عليها ان تتخذ قرارات استراتيجية صعبة ايضا، اهمها الاعتراف بالشرعية الدولية والقانون الدولي ،وبالتالي العمل بالسياسة بشكل مهني وليس بشكل اعتباطي، اي ان دخول حركة حماس في هذه العملية النضالية في اروقة مجلس الامن و الجمعية العامة يعني قبول حماس في حدود الدولة الفلسطينية في الاراضي المحتلة عام 1967، اضافة الى احترام كافة الاتفاقيات والالتزامات الدولية للسلطة الفلسطينية، وعلى حماس ايضا ان تترجم كل ما ورد في تقرير غولدستون بما في ذلك تشكيل المحاكم والتحقيقيق بمن شارك في جرائم الحرب وتسليم المدانين بالجرائم(هذا حسب ما جاء في تقرير غولدستون) من حركة حماس وغيرها الى المحاكم الدولية.

قد يقوم ناشط بتوجيه سؤال نسمعه دائما، ما الذي يضمن نجاح مثل هذه المعركة؟ لهذا اقول  ان هناك تجارب عديدة نفذ هذا القرارمن خلالها واهمها ذات علاقة بجمهورية مصر العربية اثناء حرب السويس 1956 م، حيث جرى تذليل العقبة المتمثلة في ممارسة بريطانيا وفرنسا حق النقض الفيتو في مجلس الامن بنقل القضية امام الجمعة العامة التي اصدرت قرارها العاجل  بوقف اطلاق النار والانسحاب الفوري للجيوش المعتدية خلال اقل من اسبوع .

ان نجاحنا في اصدارقرار على قاعدة 377 و تنفيذ ما جاء في تقرير غولدستون، ما هي الا مقدمة نحو التقدم والانتقال للشيء الاكبر و الاعظم من تقرير جولدستون والمتمثل بفتوى لاهاي من العالم 2004 والتي ارجعت القضية الفلسطينية الى العام 1947، والتي تحدثت عن القدس والحدود واتفاقية جنيف الرابعة وعدم شرعية بناء الجدار، ومبدأ تقرير مصير الشعب الفلسطيني، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ورفضت كافة المبررات الاسرائيلية، وتحدثت كذلك عن الوضع القانوني للارض المحتلة (كوحدة واحدة) .

لا يختلف اثنان على ان هذه الفتوى الاهم في مسيرة الشعب الفلسطيني، حيث قد وضعت في الدرج منذ اصدارها عام 2004.
باعتقادي حان الوقت لدق باب الشرعية الدولية، ودق هذا الباب بحاجة الى المهنيين في القانون الدولي و الاقتصادي والسياسي وبالمفاوضات ايضا، وبحاجة ايضا الى نضالات شعبية جماهيرية على الارض الفلسطينية لاسناد المفاوض الفلسطيني، وهذا ايضا بحاجة الى وحدة المواقف العربية والاسلامية الاعضاء في الجمعية العامة للامم المتحدة، وبحاجة ايضا الى حملة إعلامية سياسية ليست حزبية، بحاجة أن ننتفض وننفض الغبار عن فتوى لاهاي، وهذا يتطلب الحديث مع العالم بلسان واحد وليس بلسانين، علينا مواجهة الاحتلال ببرنامج سياسي واحد مبني على الشرعية الدولية ووثيقة الاستقلال الفلسطينية من العام 1988،وليس ببرنامجين، علينا ان نواجه المحتلين ببرنامج كفاحي واحد لا ببرنامجين، علينا العمل والنضال من اجل دولة وليس دولتان، علينا انهاء مهزلة الانفصال السياسي بين الضفة و قطاع غزة و انجاز المصالحة الوطنية قبل وضع الاستراتيجية.

ان طريق 377 هو الأقصروالاكثر نجاعة، علينا اتخاذ القرار  بالسير فيه متّحدين لا منقسمين، إنها فرصة، علينا استغلالها، لقد جربنا الكثير من الطرق و طرقنا كافة الابواب بإستثناء باب الشرعية الدولية، دعونا نطرق هذا الباب، فنحن نملك المفتاح .

10/11/2009