القضية الفلسطينية والوضع الدولي - بقلم: شــادي عبــده

2009-10-10

القضية الفلسطينية والوضع الدولي

الكاتب: شــادي عبــده

* الوضع الدولي عامة بما فيه التغير الحاصل في السياسة الامريكية في عهد اوباما، يتيح للقيادة الفلسطينية ان تخرج من كهف الانكفاء امام الضغوطات الامريكية لمواجهتها، ولا يعقل ان تقبل القيادة الفلسطينية، بأن تستمر اسرائيل وحدها بالضغط على الادارة الامريكية، دون ان تواجهه بضغط من لدنها، وكمثال، كان على القيادة الفلسطينية ان ترفض اللقاء الثلاثي المعيب الأخير *

اهتزازات في موازين القوى

اعتاد البعض بعد انهيار المنظومة الاشتراكية على ولوج القضية الفلسطينية بحثاً وكتابة، دون القاء ولو نظرة على الوضع الدولي، بكل ما يحمله من تغييرات قد تفيد القضية الفلسطينية او تضرها.

بدد الوضع الدولي الآني الكثير من احلام الامبراطورية الامريكية، وهو يتسم بما يلي:

* ترزح الولايات المتحدة تحت طائلة مديونية باهظة، وعجز تجاري فاحش، اثرا سلباً على مكانة وقوة العملة الامريكية. وللمفارقة فان الاقتصاد الامريكي اليوم هو اسوأ مما كان عليه ابان الحرب الباردة او في اعقابها مباشرة.

* تحررت العدوانية الامريكية من كل عقال على اثر انهيار المنظومة الاشتراكية. وللعدوانية ثمن اقتصادي يضاف للبشري. وأما القوى اليبرالية فقد وجدت في ظل غياب النظام البديل فرصتها السانحة لاطلاق عنان الخصخصة، وفي اقل من عقدين وجدت الدولة الامريكية نفسها مخصخصة في مواردها  وامكانياتها، وفي الغالب معسكرة في ما تبقى من تلك الموارد. وفي المحصلة استفادت حفنات رأسمالية من الخصخصة والعسكرة على حساب الدولة وقوتها الاقتصادية، وعلى حساب قطاعات واسعة من الشعب الامريكي.

* باءت المحاولات الامريكية لتفكيك روسيا، وبالتالي اضعافها كقوة دولية عسكرية واقتصادية بالفشل. فقد حاولت الادارة الامريكية السابقة، عن طريق نصب الصواريخ، اطلاق سباق التسلح من جديد وبالتالي استنزاف الدولة الروسية بهدف ابتزازها سياسياً. ان تراجع الولايات المتحدة عن نصب تلك الصواريخ، يمكن قراءته كاعتراف امريكي ضمني بمحدودية قوتها، وبالتالي محدودية مقدرتها على تجاهل ونهش المصالح الروسية.

* المارد الاصفر (الصين) بتعبير نابليون، انطلق اقتصادياً، وفي اعقابه تحثّ الخطى الهند، دول مستجدة على خارطة العالم الاقتصادية. وفي حالة الصين فهي بالمنظور القريب تزاحم على المكان الثاني اقتصادياً. القوة الاقتصادية حينما تتراكم تغذي الطموحات السياسية، ومنطقة الشرق الاوسط من هذا المنظور محط احلام تلك الطموحات.

* اخذت ساحة الولايات المتحدة الخلفية تتوارى عن الانظار تدريجياً، وفي المقابل يبدو للعيان، وان كان في طور النشوء والتبلور، بنيان وحدة امريكا اللاتينية الاقتصادية. ان انشاء بنك خاص لتلك المجموعة، يفهم امريكياً كتمرد اقتصادي خطير على مكانة البنك الدولي، البنك الذي لطالما استُخدم بنجاعة لتركيع واخضاع دول العالم لصالح الامبريالية الامريكية ومصالحها.

* ان دعوة اوباما لنزع السلاح النووي في العالم، هي انتحال للغة لم تعرفها في السابق اللغة السياسية الامريكية. قد تكون للتربة الفكرية وللمصالح الاقتصادية، المختلفة نوعًا ما، التي يجسدها اوباما تأثير في اطلاق هذه الدعوة، ومع ذلك فالدعوات السياسية لا بد ان تقرأ اقتصادياً، بمعنى ان سباق التسلح النووي الذي بادرت اليه الولايات المتحدة اصبح يستنزف مقدراتها، بعد ان انهك الاتحاد السوفيتي.

* ومن ثم كانت دعوة الولايات المتحدة الى الارتكاز على لقاءات الدول العشرين، على حساب لقاءات الدول الثمانية، وعلى توسيع نفوذ تلك الدول التي لا تدخل ضمن الثمانية، في قرارات البنك الدولي والقرارات الاقتصادية العالمية. ومن نافلة القول ان الامبرياليات لا تعرف الطيبة ولا سبلها، وهي لا تتراجع من حدود سطوتها الاقتصادية الا بحد سيف ازمتها الاقتصادية.

* اثخنت العدوانية الامريكية جراح الشعب الامريكي في افغانستان والعراق، لذلك وجدنا الشعب الامريكي يرفض المزيد من التورط في افغانستان. ان التغيير الحاصل – مهما تضاءل حجمه- في السياسة الامريكية الخارجية واسلوب تعاملها، يمكن ان نعزوه للخسائر التي تكبدتها كدولة، وكقطاعات واسعة داخل المجتمع الامريكي.

لعل الشواهد السياسية تدل على ان الولايات المتحدة اصبحت اكثر من أي وقت مضى، تدرك محدودية قوتها العسكرية والاقتصادية، وان العدوانية هي سيف ذو حدين، يستوجب التروي، ولا يرفع اولاً كما درجت الادارة السابقة.
* يعلو اللغط الاقتصادي حول مكانة العملة الامريكية، والخيارات المتاحة لاستبدالها كعملة للتبادل التجاري. لا يصدر اللغط جزافاً، ولا يدل على عافية الاقتصاد الامريكي بل على الوهن الذي اصابه.

خلاصة القول، لم تستطع الهيمنة الامريكية ان تنجز في اعقاب انهيار المنظومة الاشتراكية طموحاتها وآمالها، في فرض كامل شروطها على القوى الدولية، كما ان المحاولات الامريكية لم تستطع ان تمنع او تحد من تطور تلك القوى. والشواهد على ازمة الاقتصاد الامريكي تأتينا تباعاً، وما يرى بالعين كتقهقرات سياسيه، يسمع بالاذن لهاثاً اقتصادياً.

فسحة للمناورة

لاندعي ان خارطة موازين القوى في العالم قد تحددت معالمها، ولا نزعم ان ازمة الاقتصاد الامريكي تدل بالضرورة على افول الدولة الامريكية. ومع ذلك فنحن امام واقع مستجد اتسعت فيه امام القيادة الفلسطينية فسحة المناورة، والاستعانة بالقوى الدولية الناشئة أو تلك التي تمرّدت على ارادة الولايات المتحدة. ومن مصلحة الشعب الفلسطيني ان تكسر احتكار الدولة الامريكية للمفاوضات، وهذا لا يتأتى دون فرز تناقضات مصالح القوى الدولية وتأليبها واستدراجها للتدخل.

ان الوضع الدولي عامة بما فيه التغير الحاصل في السياسة الامريكية في عهد اوباما، ووضع الدولة الامريكية، يتيح للقيادة الفلسطينية ويسمح لها ان تخرج من كهف الانكفاء امام الضغوطات الامريكية لمواجهتها، ولا يعقل ان تقبل القيادة الفلسطينية، بأن تستمر اسرائيل وحدها بالضغط على الادارة الامريكية، دون ان تواجهه بضغط من لدنها، وكمثال، كان على القيادة الفلسطينية ان ترفض اللقاء الثلاثي المعيب الأخير.

بمواجهة الولايات المتحدة واسرائيل لا بالتمني، يتم استدراج قوى دولية اخرى، والتي قد لا تحمل داء العلاقات الاستراتيجية كما هو الحال بين اسرائيل وامريكا. وهذا الاستدراج هو عامل ضغط آخر على الادارة الامريكية، والتي تجد في احتكارها للمفاوضات دلالة مكانة، وضمانة للمصالحها الحيوية في المنطقة.

المصدر: الموقع الالكتروني للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة

10/10/2009