الازدواجية بين منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية - بقلم: خضــر كمــال

2009-08-27

خضــر كمــال
سكرتير محافظة بيت لحم
عضو اللجنة المركزية
حزب الشعب الفلسطيني

الازدواجية بين منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية

إن جملة المخاطر التي تواجه القضية الفلسطينية اليوم من انقسام داخلي وانعكاسه لخلاف سياسي إضافتاً إلى المتغيرات السياسية اتجاه القضية الفلسطيني، جميعها أظهرت بشكل واضح وجود خلل في بنية النظام السياسي الفلسطيني وإشكاليات في العلاقة التنسيقية والوظيفية بين السلطة والمنظمة، حيث برزت هذه الإشكاليات إلى السطح وبقوة، مما يتطلب إعادة النظر في المرتكزات القانونية والسياسية والوظيفية التي يشتغل ومن خلالها النظام السياسي الفلسطيني.

منظمة التحرير الفلسطينية
منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بما حققته من اعترافات دولية وشرعية، فهي تضم كل الفلسطينيين وفقاً لما نص في المادة الرابعة من الميثاق: (أن الفلسطينيون جميعاً أعضاء طبيعيون في منظمة التحرير الفلسطينية يؤدون واجبهم في تحرير وطنهم قدر طاقاتهم وكفاءاتهم والشعب الفلسطيني هو القاعدة الكبرى لهذه المنظمة).  فهي تتحدث باسمه وتشارك في المؤتمرات العربية والدولية بالنيابة عنه، فهي الأكثر تمثيلاً للشعب الفلسطيني.

السلطة الوطنية الفلسطينية
تأسست السلطة الفلسطينية بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني في تونس عام 1993، فقد كلفت اللجنة التنفيذية بمنظمة التحرير الفلسطينية بتشكيل مجلس السلطة الوطنية الفلسطينية في المرحلة الانتقالية من عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية وعدد من الداخل والخارج، على أن يكون رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية " ياسر عرفات آنذاك " رئيساً لمجلس السلطة الوطنية الفلسطينية. مع التأكيد على أن تبقى منظمة التحرير هي مرجعية السلطة الوطنية حيث جاء في نص القانون الأساسي للسلطة:- " إن ميلاد السلطة الوطنية الفلسطينية على أرض الوطن فلسطين، أرض الآباء والأجداد، يأتي في سياق الكفاح المرير والمستمر، الذي قدم خلاله الشعب الفلسطيني آلاف الشهداء والجرحى والأسرى من خيرة أبنائه ، لأجل نيل حقوقه الوطنية الثابتة المتمثلة في حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني أينما وجد ".

إلا أن مهمة السلطة الوطنية الفلسطينية الأساسية تقتصر في تسيير وإدارة الأمور الحياتية للناس في الضفة الغربية وقطاع غزة، أي بمعنى إدارة شؤون الضفة والقطاع اقتصادياً واجتماعياً وامنياً وصحياً.... وليس لها التصرف أو التدخل في الشأن السياسي.

أزمة الازدواجية بين منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية
ظل التعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية منذ قيامها عام 1964على أنها الكيان السياسي الوحيد للشعب الفلسطيني والممثل الشرعي والوحيد له، إلا أنها تعرضت إلى عدة محاولات فلسطينية وعربية ودولية مختلفة لتهميشها وإضعافها أبرزها كانت في اتفاق أوسلو عام 1993، حيث تعرضت إلى إضعاف مقصود من قبل السلطة الفلسطينية وأصبحت التعاملات عربياً ودولياً تتم مع السلطة الفلسطينية وعلى حساب المنظمة. في وقت ما زالت فيه المنظمة محافظة على التأيد والانتماء إليها من قبل الفلسطينيين في داخل الوطن وخارجه.

إلا أن اتفاق أوسلو ادخل تحولاً هاما في معالم السياسة الفلسطينية تجسد في قيام سلطة وطنية على مناطق في الضفة الغربية والقطاع، تشكلت السلطة قبل الدولة وقبل تحديد إقليمها بشكل نهائي وبوجود الاحتلال ونشرت أجهزتها الأمنية والإدارية والمدينة في وقت يغيب فيه القضاء المستقل بسبب ضعفها وتهميش سلطة المجلس التشريعي المنتخب، وتحول حركة فتح إلى الانخراط في السلطة بشكل كبير ومتفرد، مما أضعفها من مواجهة كافة العراقيل والصعوبات التي تعترض تشكل الدولة الفلسطينية.

بالإضافة إلى دمج منصبي رئاسة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بمنصب واحد مما أدى إلى تغييب دور ومكانة المنظمة التي تعتبر الممثل الشرعي والمرجعية الرئيسية للشعب الفلسطيني والمعترف بها في الداخل والخارج.

إلا أن أزمة المنظمة الحقيقية كرست نتيجة تفكير بعض نخب المنظمة بالسلطة وبمتيازاتها على حساب التفكير بإحياء المنظمة فكانت السلطة بالنسبة لهم فرصة للاغتناء المالي وتعويضا لسنوات الحرمان أكثر مما هي محطة نضالية لاستكمال مشروع التحرير ومن هنا عم الفساد والفوضى الأمنية وترهلت مؤسسات السلطة ومعها تم تشويه المنظمة وعمودها الفقري حركة فتح.
كل هذا أدى تدريجياً إلى إضعاف دور ونشاط المؤسسات الوطنية الجامعة للفلسطينيين، مما رسخ تقليد اتخاذ القرارات خارج إطار هذه المؤسسات، مما ترتب على ذلك تهميش كامل لمنظمة التحرير ولكيانها كممثل للشعب الفلسطيني الوحيد في كل أماكن وجوده ولبرنامجها الوطني المدافع عن مصالح الشعب الفلسطيني الجامعة في تجمعاته المختلفة، وتحول الشعب إلى تجمعات معزولة بعضها عن بعضها الأخر.

وللخروج من هذه الأزمة يجب الفصل بين مهام هيئات المنظمة وبين مهام مؤسسات السلطة وذلك بعودة كل الأمور السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعدم تصرف السلطة بالشأن السياسي بحيث تقتصر مهامها كما ذكرت سابقاً على الشأن الداخلي الفلسطيني في الضفة وغزة، وهذا يتطلب إعادة الاعتبار للمنظمة وإعادة بناء مؤسساتها على أساس ديمقراطي، وتفرغ كل عضو في منظمة التحرير لمهامه دون غيرها في هذه الهيئة كما نص النظام الأساسي لمنظمة التحرير. لان مهام المنظمة أوسع من مهام وقضايا السلطة لأنها مرجعية الشعب الفلسطيني في الخارج وليس داخل الوطن وحده، والعمل على توسيع المنظمة باعتبارها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، بتمثيل كافة الفصائل الوطنية والإسلامية داخلها بحيث تصبح المنظمة فعلا هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني حين تضم كل التيارات والقوى السياسية الفلسطينية.

والعمل على استمرار بقاء منظمة التحرير الفلسطينية ككياناً سياسياً وحاضننا للمشروع الوطني الفلسطيني وممثلنا الشرعي والوحيد من اجل استكمال مشروع التحرر الوطني لأننا ما زلنا تحت الاحتلال لمن فاته ذلك. إلى حين قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس على كامل الأرض المحتلة عام 1967، وعودة اللاجئين لديارهم طبقا للقرار 194.

وأخيراً المصلحة الوطنية تفرض على جميع التنظيمات والفصائل الفلسطينية الاتفاق على إقامة علاقة صحيحة بين منظمة التحرير وبين السلطة الوطنية.

"إن الثُوار ينتابهم الصقيع حين يجلسون على الكراسي ويبدؤون هدم ما ناضلَت من أجله الثورة، وهذا هو التناقض المأساوي: أن تناضل من أجل هدف معين، وحين تبلغه تتوقف الثورة وتتجمد في القوالب"

27/8/2009