"راقصيني قليلا" لزاهي وهبي .. شعر الحب والحرية وأنوثة الحياة

2009-08-12

"راقصيني قليلا" لزاهي وهبي .. شعر الحب والحرية وأنوثة الحياة

بيروت (رويترز) - تماما كما يشي العنوان بالحركة والايقاع يأتي ديوان زاهي وهبي الجديد "راقصيني قليلا" متماشيا مع عنوانه ضاجا بكل أسباب الحياة من حب وشغف وتوق وشوق وغوايات.

لكن الديوان الصادر عن الدار العربية للعلوم - ناشرون في بيروت وعن منشورات الاختلاف في الجزائر بالتعاون مع بيروت عاصمة عالمية للكتاب يشوبه أيضا ألم الخسارة والفقدان ويفوح منه عطر الوفاء للأصدقاء الذين رحلوا كما الحال في قصيدته "أقلام محمود درويش" أو للأصدقاء الذين ألمت بهم جراح كما هو الحال في قصيدته الأخرى "سجائر بول شاوول".

تجربة جديدة متميزة يخوضها وهبي في كتابه الأخير مُرسخا اسمه كواحد من شعراء قصيدة النثر العربية المعاصرة المختلفين والمغايرين اذ تبدو قصيدته نسيج نفسها ولا تشبه الا ذاتها دون إغفال الظلال الاليفة لشاعره الأثير محمود درويش الذي كتب له زاهي القصيدة الاطول في الديوان.

يستهل الشاعر رقصته مع الحياة بقصيدة حميمية ودافئة لابنته الوليدة ويصلي خلسة "كي لا يسمعني أحد سواه.. لا يحفظك أحد سواه.. كي لا تقع الحرب مرة أخرى.. لتظل سماؤك ماطرة وأيامك مشمسة.. ليكلف قمرا آدميا بحراسة نومك.. ليرحل الغزاة قبل ان تتعلميِ المشي.. ليسقط الطغاة قبل ان تنبت أسنانك الحليب".

هذه القصيدة تمثل نموذجا لمقدرة وهبي على المزج بين الخاص والعام وبين الفردي والجماعي حيث نجد ان الهموم الانسانية الكبرى لا تغيب ابدا حتى عن قصائد العشق والوله "لنرفع صوت الموسيقى.. أعلى من نجمة الحرب.. من هدير الفولاذ.. في الخارج من يتهيأ للقتال.. في الخارج من يغتال الغناء .. لنطلق العنان.. لنتبادل عناقا راقصا.. ليرتدي واحدنا الآخر.. لنغير الايقاع سريعا.. لنغير الايقاع..."

الأمثلة كثيرة في الديوان على انحياز الشاعر للحب ضد الحرب وللحرية ضد الطغيان وعلى رفضه الظلم والاستبداد.. مثلما هي الأمثلة كثيرة على انحيازه للأنوثة واعلائه من شأنها حيث تشكل المرأة -الحبيبة خصوصا والانسانة عموما- المحرض الأبرز على الكتابة والحياة.

يقول "انحن.. قبل الخاطر المرتسم نهرا بين عينيها.. عانقها.. شد عليها.. امسح عن ظهرها أثقال أسلافك.. اقطف من خصرها تفاح البداية.. من أنت لولا تفاحها....."

السهل الممتنع هو اسلوب زاهي وهبي اذ يوحي بالليونة وبالبساطة لكن المتمعن فيه يكتشف المضمر الكثيف بين ثناياه والصيد الثمين بين سطوره حيث للشاعر ملكة اشبه بميزان المعادن الثمينة تجعله بشهادة شعراء كبار كتبوا عنه على غلاف ديوانه واحدا من اكثر شعراء النثر شفافية ونضارة حيث "اصابعه رغم كل ما يحيط بنا من عنف مغمسة ببلل وشفافية" كما يقول الشاعر اللبناني بول شاوول وحيث "قصيدته مكتوبة تحت شمس باهرة الاشعاع ومفعمة بالحنان والعذوبة" كما يقول الشعر اللبناني شوقي بزيع.

في جديده يبدو وهبي اكثر تفتحا وتجددا وكأن تجربته التلفزيونية الطويلة قد زادته نضجا وخبرة. ووهبي معد ومقدم البرنامج الشهير "خليك بالبيت" الذي يستعد لدخول عامه الرابع عشر.

ولئن كانت الكاتبة السورية غادة السمان أشارت الى ان ديوانه ما قبل الاخير "يعرفك مايكل انجلو" قد تميز "بنقلة نوعية مجددة حين يتغزل بآلام المليئة بالجمال والحيوية والضوء أي ببطن الزوجة الحامل وهذا نادر في أدبنا العربي" فها هو في جديده يكتب للحبيبة التي سوف يداهمها العمر "غدا حين تكبرين.. ينحني ظهرك قليلا.. تجاعيد عينيك واضحة كأوشام دهرية.. البياض مطل من ليل شعرك.. العشب بين مفاصل ذكرياتك.. النمش في سفوح ظهرك على مهل تنهضين من سرير الوقت متكورة مثل نون الحنان".

هذه الانثى المتقدمة في العمر والحياة كتب لها الشاعر برقة وحنان " غدا حين تكبرين.. سوف أحبك أكثر.. لن أفتقد رماح قامتك.. صحبتك نخلة مثمرة.. سوف أحب الشقوق في باطن قدميك.. وحماقاتك المستجدة بعد الاربعين.. أمسك كفك على كورنيش المنارة.. كمن يمسك موجة من مشيب البحر".

والأنوثة في قاموس وهبي الشعري ليست جسدا وحسب.. انها الى ذلك وأعمق من ذلك قلب وروح وحنان مفتوح على المدى الواسع الفسيح "كل يشيخ الا الماء وانت كما انت.. جميلة في الستين في السبعين في عمر يطول.. وروح لا تعرف الذبول.. جسمك قليل عليك..أنوثتك ليست شكلا ولا فستان سهرة.. أنوثتك قلب يفيض وضحكة تجري من تحتها الانهار.."

جديد متجدد ومجدد زاهي وهبي وشاعر حب بامتياز اذ نادرا ما نقع بين أقرانه وأبناء جيله من شعراء النثر من كتب الأنوثة كرمز للحب والحرية بهذه الغزارة وبهذه العذوبة ودون ان يقع في أسر الكليشيهات أو القوالب الجاهزة لانه يكتب كما يحلو له بمهارة العارف مانحا قصيدة النثر حالات ايقاعية لافتة تجعل كتابه الجديد اسما على مسمى لجهة التماوج الايقاعي الذي تزخر به القصائد.

يقول "اقرأ لها اقرأ عليها.. اسمعها بصوتك لا بصوتي.. قل لها كم تحبها.. تحب الماء الدائم في وجهها.. الجمر المتأهب في جلدها.. عانقها شد عليها.. خاصرها حاصرها.. خف اليها.. خف عليها.. لكن دعها حرة ما اجملها حرة.. راقصها ارقص بين يديها".

ولئن كان زاهي وهبي في مجمل تجربته الشعرية التي قدم خلالها حتى الان سبعة دواوين فضلا عن كتابين نثريين قد ابتعد عن المباشرة والخطابية الا ان الهم الوطني بمعناه الانساني العميق يظل حاضر لديه على الدوام لذا لا نستغرب ان يتضمن ديوان "راقصيني قليلا" قصائد تذهب عميقا في محاكاتها للجرح الفلسطيني "هنا كان مخاض امرأتك.. تعالى صراخ مولودك لأول مرة.. هنا علمته الاحرف والمشي على ايقاع قلبك.. هنا لعبت هنا كبرت.. أو كبر أبوك وجدك وجد جدك.. تذكر وانت تتذكر.. ثمة الآن من يجلس على اريكة ابيك.. يقطف مسكبة النعناع التي تبسمت بين يدي أمك".

في ديوانه الجديد يؤكد زاهي وهبي مرة أخرى انه شاعر حب وحرية ينحاز لانوثة الحياة بوصفها الرحم التي تتشكل فيه الأجنة.. أجنة الابداع.

12/8/2009