رسالة إلى صناع القرار: "إذا هبت رياحك فاغتنمها" - بقلم ناصيف معلم

2009-05-03

نــاصيــف معلـــم
المركز الفلسطيني لقضايا السلام و الديمقراطية

رسالة إلى صناع القرار: "إذا هبت رياحك فاغتنمها"

نعم، عليكم أن تستغلوا الفرصة يا صانعي القرار “Seize The moment”، وإلا فالكارثة قادمة لنصف قرن آخر من الألم والمعاناة. بإمكانكم، وبإمكاننا جميعا أن نحسن قراءتنا للخارطة السياسية بشكل شامل، ليس فقط للتشخيص، وإنما أيضا لاستخلاص العبر، ووضع الإستراتيجية العظمى Grand Strategy لمواجهة كافة التحديات التي كان السبب في معظمها استمرار الاحتلال وطغيانه، وبسبب سوء إدارتنا نحن للصراع في أحيان أخرى. عليكم أن تستغلوا الفرصة على الساحة الدولية، حيث أن النظام الدولي أحادي القطبية يترنح في مراحله النهائية، وها هم اللاعبون الجدد يعدون العدة لمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في النظام الدولي القادم متعدد الأقطاب (Multi World Order) كما كان بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، ومصلحة اللاعبين الجدد كما هو الحال بالنسبة لمصلحة الولايات المتحدة لإطالة عمر نظامها الدولي يتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، مع التباين والاختلاف حول حدود الدولة.

أما على الساحة الإقليمية، فها هي القوى الكبرى الثلاثة : إيران وتركيا ومصر " ومعها السعودية " تتنافس فيما بينها من اجل الهيمنة، فإيران تهدف إلى تسويق برنامجها الاجتماعي والسياسي، وتركيا تريد تسويق منتجاتها ومياهها، ومصر والسعودية تريدان الحفاظ على دورهما التاريخي في العالم العربي، الشيء الايجابي لدى هذه القوى يتمثل في أن بوابة تنفيذ الهيمنة لكل منها تتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وبالتالي لهم مصلحة إستراتيجية في ذلك.

وفي الساحة الداخلية لا يختلف اثنان على أن القوى السياسية الفلسطينية الرئيسية حددت مواقفها وبرامجها السياسية القائمة على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967 وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية. جاء ذلك من خلال تبني منظمة التحرير الفلسطينية وعمودها الفقري حركة فتح لوثيقة إعلان الاستقلال عام 1988، وموافقة حركة حماس على تبني وثيقة الأسرى والمعتقلين للوفاق الوطني والتي لا يعلو سقفها السياسي على سقف وثيقة إعلان الاستقلال، بل هي نسخة طبق الأصل عنها.

أما الوضع على الساحة الإسرائيلية، وبالرغم من تشكيلة الحكومة الإسرائيلية الحالية من قبل الليكود وإسرائيل بيتنا والعمل، إلا أن الآفاق والتغييرات قادمة لا محالة، أي انه من السهل عزل مثل هذه الحكومة التي تمثل رجعية الماضي على المستوى الإقليمي والدولي، وبالتالي تشديد الضغط عليها للانصياع للإرادة الدولية التي أصبحت على قناعة بان مفتاح الاستقرار في الشرق الأوسط يتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

مما لا شك فيه أن التحديات كبيرة والاحتياجات جمة والمهام متعددة والافتراءات متواصلة والكوابح عالقة، إلا أن الإرادة والتصميم لدى غالبية شعبنا الفلسطيني ما زالت مصممة على التحرر والاستقلال. وطبيعي أن درب الحرية والاستقلال ليست معبدة بالورود والأزهار.

شعبنا الفلسطيني – يا صانعي القرار – يواجه عددا كبيرا من التحديات أهمها الانفصال السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس العربية، واستمرار بناء الجدار الكولونيالي، والتبعية الاقتصادية لدولة الاحتلال، وتعثر مفاوضات الوضع النهائي، واستمرار دولة الاحتلال بمصادرة الأراضي والتوسع الاستيطاني، إضافة للحصار والاغلاقات وزج الأسرى في المعتقلات والفقر والبطالة وعملية التهميش للشباب والمرأة، وتراجع العملية الديمقراطية... الخ.نعم.. الاحتلال الصهيوني هو السبب المباشر وصانع معظم هذه التحديات، إلا أننا نحن أيضا مسؤولون تجاه بعضها، أما بصناعتها كالانفصال السياسي وتهميش المرأة والشباب وتعطيل العملية الديمقراطية، وأما بمساعدة دولة الاحتلال في تسهيل خلق عددا آخر من التحديات. وهنا لا بد من أن نقف وقفة موضوعية تجاه كل ما يحصل، ونراجع أنفسنا ونقيم أداءنا ونعترف بأخطائنا، ومثال ذلك أننا وفي العام 1996 لم يكن أمامنا في تلك الفترة سوى بعض التحديات وعلى رأسها تحدي مفاوضات الوضع النهائي. السؤال المطروح هو : لماذا تضاعف عدد وحجم التحديات خلال السنوات العشرة الماضية ؟؟! برأيي أن ذلك ناتج عن عدة أسباب أهمها : انه لم يكن هناك مصلحة للولايات المتحدة الأمريكية بإقامة دولة فلسطينية، ولم نكن نحن الفلسطينيون متفقون على حدود الدولة الفلسطينية، ولم تكن دولة الاحتلال آنذاك تحت أي ضغط يجبرها على الانسحاب من الأراضي المحتلة، بل كانت إسرائيل قد أقنعت العالم بان السلام عم في ارض السلام، مدفوعة في ذلك من قبل الولايات المتحدة. هذا من جانب، أما الجانب الآخر والأكثر أهمية، والذي قد يعتبر اليوم – كما كان سابقا – احد المحرمات أو المقدسات التي منعنا من التعبير عن رأينا تجاهها، فيتمثل بإدارتنا نحن الفلسطينيون للصراع، فبدل أن نتمترس خلف باب مفاوضات الوضع النهائي ونبني دولتنا، أوجدنا أو ساعدنا دولة الاحتلال في وضع العوائق والتحديات في عجلة التحرر والبناء والاستقلال من خلال شعاراتنا الكبيرة وبعض مسلكياتنا على الأرض والتي لا تعبر عن أوضاعنا الحقيقية كوننا الضحية.

ما العمل ؟؟
علينا أن نعترف بان دولة الاحتلال لا تريد السلام، وذلك لعدة أسباب اذكر منها ثلاثة :

أولا : يوجد في إسرائيل 82 لغة، أي 82 قومية، وتوحيد القوميات ال 82 في دولة صغيرة لا يتم إلا من خلال شعارات تهدد هذه الدولة وهذا ما حصل خلال ستة عقود سابقة، حيث توحد الشرقي مع الغربي والروسي مع الأثيوبي...

ثانيا : أن الاحتلال بحد ذاته يعتبر مشروعا اقتصاديا مدرا للربح لدولة الاحتلال، ونحن في الأراضي المحتلة وبسبب إغلاق معابرنا وسيطرة إسرائيل على حدونا وجدنا أنفسنا مستهلكين للبضائع الإسرائيلية، وهذا بحد ذاته يدعم ويعزز الاقتصاد الإسرائيلي ويجذب الاستثمارات الإضافية لدولتهم.

ثالثا : وهي عبارة عن حقيقة لا نريد أن نتحدث عنها دائما، والمتعلقة بأننا لا نهدد دولة الاحتلال، ولا نشكل لا نحن ولا المحيط أي تهديد على دولة الاحتلال، فهم يعيشون حياتهم بشكل طبيعي أفضل من شعوب أي دولة في الشرق الأوسط، وهناك مؤشرات على ذلك أهمها حجم حصة الفرد من الناتج القومي الإجمالي في دولة الاحتلال وحجم النمو الاقتصادي السنوي. فالتهديد لدولة الاحتلال ما هو إلا فبركة إعلامية إسرائيلية مبالغ فيها ومدعومة بشعاراتنا الكبيرة وتصريحاتنا النارية وتهديداتنا البالستية.

رجوعا إلى " ما العمل ؟ "، فان السلام لدولة الاحتلال يعني فكفكة المجتمع الإسرائيلي غير المتجانس أصلا unhemogenous، والسلام الحقيقي يعني خسارة دولة الاحتلال لأكبر سوق استهلاكي لها بعد سوقها المحلي، والسلام يعني كذلك توقف اكبر ماكنة إعلامية وإعلانية في العالم تمتلكها إسرائيل واللوبي الصهيوني المسيحي في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي ستغلق بوابات الدعم المالي والمعنوي والنفسي لدولة الاحتلال في حالة تم وضع حد للصراع.
السؤال الثاني والأكثر أهمية : كيف نحقق السلام مع دولة الاحتلال التي تحارب السلام ؟؟

أي كيف نجبر دولة الاحتلال على الخضوع والرضوخ للسلام ؟ هل يتم تحقيق ذلك بالمقاومة أم بالمفاوضات ؟ كلا ! لا يمكن تحقيق السلام العادل بالمفاوضات، ولنا تجربة حديثة ولمدة أكثر من عام في ذلك، والمقاومة الفلسطينية الحالية ليست بأحسن حال من المفاوضات، حيث لم تحقق أي من أهدافها المعلنة وغير المعلنة.

باعتقادي يجب أن تتم عملية الربط ما بين المقاومة والمفاوضات على أساس أنها آليات بيد السياسي لتحقيق أهداف تكتيكية وإستراتيجية، والمقاومة التي نقصدها هي المقاومة بأشكالها المتعددة وألوانها المختلفة، بحيث تخدم الهدف السياسي الذي يحقق المصالح الوطنية العليا، وليست تلك المقاومة التي يجد فيها العدو آليات لدعم غطرسته ويجمل بها وجهه لتجنيد الدعم لحكومته وزيادة الضغط علينا قيادة وشعبا.

أعود مرة أخرى للعنوان "إذا هبت رياحك فاغتنمها"، فأصوات الحكومة الإسرائيلية الجديدة ترتفع معلنة التنصل من التزامات الحكومات السابقة، وها هو وزير خارجيتها ليبرمان يتعامل وكان إسرائيل هي الدولة العظمى الوحيدة في العالم، انه يستعمل الشعارات الكبيرة البراقة – التي كنا نستعملها نحن وجلبت لنا الدمار – لمواجهة القوى الإقليمية والأخرى الدولية.

ها هي فرصتنا نحن والمتمثلة أولها ليس فقط بعدم احترام وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية من قبل دولة الاحتلال، بل أيضا خرق القانون الدولي، فعدم اعتراف حكومة نتنياهو بالتزامات الحكومات الإسرائيلية السابقة يعني خرق للقانون الدولي الخاص بالتوارث الدولي State Succession، فلا يحق لهذه الحكومة التنصل من التزاماتها، هذا ناهيك عن الطاولة المكتظة crowded Table التي تم توريثها لهذه الحكومة من قبل حكومة كاديما، خاصة الإجراءات الحالية في هدم البيوت في القدس، وقضية شاليط، وأزمات الجامعات وغيرها من الملفات التي تحتاج إلى المهنيين وليس للدوغماتيين.

أنها فرصتنا الآن بالسير قدما لمواجهة نتنياهو وليبرمان، علينا أن نكون متفائلين، علينا الابتعاد عن تشاؤم فضائية الجزيرة التي لا تتقن إلا البكاء على الإطلال، وكأن السلف أفضل من الخلف..!! للسير قدما الآن يجب أن يتم من خلال أمضى سلاحين يمتلكهما شعبنا الفلسطيني : سلاح المقاومة الشعبية والجماهيرية المتمثلة بالمسيرات والمظاهرات والاعتصامات ومقاطعة البضائع الإسرائيلية وزراعة الأرض وتربية المواشي..، والسلاح السياسي الأكثر فعالية من النووي الكوري، والذي نمتلكه نحن يتمثل في "فتوى لاهاي"، فرأي محكمة لاهاي الاستشاري يكاد يكون أكثر دقة وأكثر تشددا من بعض البرامج السياسية الفلسطينية.

صحيح أن فتوى لاهاي جاءت للحكم بعدم شرعية بناء الجدار الكولونيالي، وطالبت بهدمه وتعويض المتضررين كون بنائه جريمة حرب، إلا أن فتوى لاهاي لم تتحدث فقط عن الجدار، بل تحدثت عن أساس القضية الفلسطينية، تحدثت لاهاي عن قرار التقسيم من العام 1947، تحدثت عن القدس المحتلة وما حولها قبل أن تتحدث عن رام الله وغزة، تحدثت عن حق شعبنا في إقامة دولته على كل شبر من الأراضي المحتلة عام 67، تحدثت عن خروقات إسرائيل لحقوق الإنسان، تحدثت عن تأكيد احكام وقواعد القانون الدولي الإنساني على الأراضي المحتلة، تحدثت عن اتفاقية جنيف الرابعة وعن اتفاقيات الهدنة من العام 1949 وعن الحواجز والاغلاقات والاعتقالات...الخ.

هذان السلاحان هما الأكثر فتكا واللذان يصنعان المعجزات : شعب ينتفض ويبني على الأرض، ومفاوض يحمل فتوى لاهاي ويمثل هذا الشعب المقاوم، يطالب بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كافة الأراضي المحتلة عام 1967 و عاصمتها القس العربية و تنفيذ كافة قرارات الشرعية الدولية و على رأسها 242،338،194 و1397والعالم حينها سيميز الضحية من الجلاد، وهذا تعزيز حقيقي لداعمي شعبنا الذين تراجعوا في السنوات السابقة بسبب مواجهة الإعلام الصهيوني وبسبب أخطائنا وخطايانا.

أن قوة هذين السلاحين تكمن ليس فقط في توحيد جبهتنا الداخلية، بل وبدعم الجبهة الإقليمية لنا، وبدعم بعض القوى الدولية كالصين وروسيا ومعظم دول الاتحاد الأوروبي، وسيبقى الموقف الأمريكي محايدا ومحرجا، محايدا لان وقوف البيت الأبيض والكونغرس في وجه فتوى لاهاي يعني وقوفهم ضد الشرعية الدولية ودعمهم للتطرف والإرهاب الصهيوني المتمثل بليبرمان وعصابته وعلى رأسها اراد.

نعم وألف نعم، ليبرمان بشعاراته يطور الموقف السياسي الأمريكي لمصلحة الشعب الفلسطيني، وليبرمان بعنجهيته يجند دول " اللعم " المترددة لصالحنا، وليبرمان برجعيته يقوي ويعزز مؤيدينا، وليبرمان بسلفيته وسفالته يحجم ويجمد عمل أعدائنا خاصة في أوروبا، وليبرمان بعنصريته يجعل مواقف الأنظمة العربية اقرب إلى موقف الجماهير العربية، وليبرمان بوحشيته يساهم معنا في عزل وتهميش دولة الاحتلال، وهذا مشروط طبعا بأدائنا على الأرض.

لاهاي مرة أخرى
تبقى هذه الفتوى وهذه البنود رغم أهميتها محفوظة في إدراج محكمة العدل الدولية وهي غير قابله للتنفيذ ما دامت في مكانها بصفتها الحالية "راي استشاري" Advisory Opinion فالمطلوب من الجانب الفلسطيني تحويل الرأي الاستشاري إلى قرار، وهنا نسترجع الأسئلة ذات العلاقة بأسباب عدم إيصال الفتوى إلى مجلس الأمن بعد إقرارها في الجمعية العامة من خلال المؤسسات والدوائر والآليات المعمول بها في الأمم المتحدة ذات العلاقة باستصدار قرار من المجلس.

من خلال الاستطلاعات وما نشر بالصحف والإعلام استطيع الاستنتاج أن السبب المباشر لعدم دق باب مجلس الأمن والتردد في ذلك هو التأكد من أن هناك فيتو أمريكي، وبالتالي سوف يسقط مشروع القرار، وهنا كما يقول هؤلاء نهاية الطريق. نعم أنا استوعب ذلك، إلا انني لا أتفهم قضية نهاية الطريق، والطريق المسدود وذلك لسبب جوهري وقانوني وذات علاقة بالشرعية الدولية مفاده أن الفيتو الأمريكي ليس نهاية الطريق، بل بداية معركة فلسطينية دولية إذا أحسنا صنعا، قيادة وأحزاب ومؤسسات وشعب، نستطيع أن نخرج من هذا النفق المظلم إلى نهاية سعيدة، وانجاز وطني هائل، ويتلخص ذلك بالاستناد أيضا إلى الشرعية الدولية من خلال قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 377 الذي صدر عام 1950، ويتعلق هذا القرار بسد ثغرة الفيتو في مجلس الأمن بحيث يتم نقل مشروع القرار من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة.هناك عدة تجارب لتنفيذ هذا القرار على المستوى الدولي وأهمها ذات علاقة بجمهورية مصر العربية أثناء حرب السويس في العام 1956 "حيث جرى تذليل العقبة المتمثلة في ممارسة بريطانيا وفرنسا حق النقض في مجلس الأمن بنقل القضية أمام الجمعية العامة التي أصدرت قرارها العاجل بوقف إطلاق النار والانسحاب الفوري للجيوش المعتدية وهو ما حصل خلال أسبوع". فالعجز ليس بالشرعية الدولية، بل نحن الذين لم نتقن استغلال هذه الشرعية خلال قرن من الزمن. لقد جربنا الكثير وطرقنا كافة الأبواب، وأوسع الأبواب هو باب الشرعية الدولية، ونحن نملك مفتاح هذا الباب، فلا مرجعية تعلو فوق الشرعية الدولية.

أما فيما يتعلق بالوضع الداخلي، اعني الانفصال السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة جراء انقلاب حزيران 2007، فعلينا تغيير المنهج الحالي، أي المفاوضات الفلسطينية – الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس في مقر الاستخبارات المصرية في القاهرة. علينا الرجوع لأحد أهم أسباب الانفصال السياسي وهو الانفصال الجغرافي الذي فرضته دولة الاحتلال منذ 30/3/1993 عندما أقامت حاجز ايرز على مدخل قطاع غزة الرئيسي، ومنذ ذلك الحين توقفت التجارة الداخلية الفلسطينية – الفلسطينية بين قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس، وتوقف تنقل الأفراد إلا بتصاريح من الجانب الإسرائيلي.

باعتقادي علينا الضغط على الحكومة الإسرائيلية لفتح معبر ترقوميا أولا، ثم المطالبة بمعابر أخرى حتى نتمكن من إيجاد الربط الجغرافي والإنساني والاقتصادي والنفسي بين أجزاء الوطن، لهذا فان مدخلنا الوطني لإنهاء الانفصال السياسي يكون بالربط الجغرافي والديمغرافي.

أما فيما يتعلق بالوحدة الوطنية والاتفاق بين حركتي فتح وحماس، باعتقادي لن يتم دون اتخاذ قرارات إستراتيجية جريئة، أولها فصل عمل ومهام ونضالات منظمة التحرير الفلسطينية عن عمل السلطة الفلسطينية، فالسلطة الفلسطينية بالضرورة أن تنحصر مهامها بتقديم الخدمات اليومية للشعب الفلسطيني لتعزيز صموده وحمايته وتوفير الأمن والأمان له. أما م.ت.ف. كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني فهي المسؤولة عن العمل النضالي الجماهيري على الأرض وهي المسؤولة أيضا عن العملية التفاوضية مع كافة الأطراف سواء كانت دولية أو إقليمية أو ممثلي دولة الاحتلال، وهذا بحاجة كما تقول كافة الأطراف إلى تطوير وتعزيز وتمكين م.ت.ف. لتستطيع ليس فقط تمثيل الشعب الفلسطيني، بل عليها تحقيق الأهداف الوطنية المتمثلة بالتحرر والاستقلال، وإقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية العصرية. ولتحقيق التحرر لا بد من انجاز الوحدة الوطنية، و الوحدة الوطنية لا تنجز إلا بالاستناد إلى البرنامج السياسي كما جاء في وثيقة الاستقلال و البرنامج الكفاحي كما كان خلال الجبهة الوطنية 1974 و خلال الانتفاضة الأولى، وباعتقادي أن هذان البرنامجان متفق عليهما من قبل كل من حركتي فتح و حماس و القوى الأخرى، فالمطلوب الآن ليس البحث على ماذا نتفق، بل علينا اتخاذ القرارات باليات المنهج النضالي على الذي يحقق البرنامج السياسي.

أخيرا، وهو الموضوع الأهم، مفاوضات الوضع النهائي، واضح الآن بان الحكومة الإسرائيلية غير معنية بفتح هذا الملف، ومن المؤكد أننا نحن على ثقة بان المفاوضات من اجل المفاوضات لم تجد نفعا. فما العمل : مرة أخرى أنها " فتوى لاهاي "، والمفاوضات هذه المرة ليست مع الطرف الإسرائيلي كونه لا يوجد شريك في الحكومة الإسرائيلية، بل علينا نحن ممثلي م.ت.ف. البدء بمفاوضات مع الأمم المتحدة ومع راس هرمها " مكتب الأمين العام " واللجان ذات الاختصاص، علينا فتح المفاوضات مع القوى العظمى والمؤسسات الدولية المسؤولة ليس فقط من اجل إصدار القرارات الأممية، وإنما أيضا كونها المسؤولة عن تشريد الشعب الفلسطيني وعن القضية الفلسطينية، لنا أصدقاء عظام في العالم على المستويات المختلفة الحكومية وغير الحكومية، الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية والشخصيات الاعتبارية والجاليات العربية وجماعات الضغط....وتبين ذلك للعيان خلال الحرب الصهيونية الأخيرة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحتل. أما على المستوى الإقليمي، فهنالك أكثر من 300 مليون عربي، أي أكثر من 300 مليون مستهلك وهذا يعني الكثير في اللغة السياسية – الاقتصادية في النظام الدولي القادم كون أسسه ثلاثة أسلحة – اقتصاد – دبلوماسية. وعلينا أن ندرك وان نستغل حتى مكامن ضعفها، فتقسيم الوطن العربي إلى 22 دولة يمثل ضعفنا، إلا وان 22 صوتا في الأمم المتحدة تعني قوة وثقل كبيرين.

وشعبنا الذي اتخم بالمعاناة لا يمكن أن يتراجع قيد أنمله عن تحقيق حلمه المتمثل بإقامة الدولة المستقلة وعودة اللاجئين إلى أراضيهم. وأخيرا علينا أن ننظر للنصف المليء في حدود دولة الاحتلال، اقصد فلسطيني الداخل، بأحزابهم ومؤسساتهم واقتصادياتهم وبثقلهم السياسي والديموغرافي والاقتصادي، ناهيك عن ضرورة اللعب داخل الملعب الإسرائيلي للمساهمة في إيجاد معسكر سلام حقيقي يؤمن ويعمل من اجل السلام العادل، وليس كما هو الحال لاستغلال الشعارات ورفعها. أنها فرصة، فرصة شعبنا ومناصرينا ومؤيدينا، علينا أولا أن نستغلها، وثانيا، علينا أن لا نخذل شعبنا ومؤيدينا وأنصار الحرية والسلام في العامل، فالرياح قد هبت...علينا اغتنامها.

2/5/2009