غيتو الانعزال و يهودية الدولة - بقلم جابر الطميزي

2009-04-23

جـابــر طميــزي

غيتو الانعزال و يهودية الدولة

برز في الآونة الأخير وبشكل ملحوظ خطابا إسرائيليا رسميا شارك فيه معظم القادة والمسؤولين الإسرائيليين ، وانبرت له العديد من الأقلام الصحفية والكتاب الصهاينة ، ومفاد هذا الخطاب الصاخب ضرورة الإقرار من قبل الفلسطينيين والعرب وبكل صراحة ووضوح بدولة الاحتلال كدولة يهودية صهيونية ( لشعب الله المختار ) فقط.

... هذا الخطاب المتجدد عن الدولة اليهودية شغل في الماضي وفي الحاضر حيزا مهما في مجمل السياسات الصهيونية ، وكان من ابرز أدبياتها التاريخية منذ المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية سنة 1897م ، وكان هذا الخطاب إحدى أعمدة الفكر الصهيوني الرئيسية منذ بدايات تأسيس هذه الحركة على أيدي الصحفي اليهودي الهنغاري ثيودور هرتزل ، ولا يغير من مضمون وجوهر هذه الحقيقة العنصرية الساطعة الاختلافات الشكلية في وجهات نظر بعض التيارات في الحركة الصهيونية العالمية .

... عملت الحكومات والأحزاب الصهيونية وخاصة اليمينية منها بشتى الطرق مجازفة بطابع إسرائيل (الديمقراطي) أمام العالم (المتحضر) راعي هذا الكيان ، على قيام وطن ( قومي لليهود ) وعلى تأكيد يهودية هذا الكيان بالقوة القانونية !!! ( بالقانون العام  ) حسب تعبير البرنامج السياسي للحركة الصهيونية في  أول مؤتمر صهيوني إلى جانب القوة العسكرية ، وبقيت هذه العملية متواترة إلى أن شّرعت الكنيست الإسرائيلي هذا المفهوم العنصري المفضوح باتخاذها قرارا بتاريخ 16/7/2003م يقضي بضرورة العمل الجاد على تعميق فكرة يهودية الدولة العبرية وتعميمها على جميع دول العالم وإكسابها شرعية دولية حيث نجحت هذه المحاولات بانتزاع اعتراف من الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها القوة الأعظم في العالم والمنحازة كليا إلى إسرائيل ، وهي تعمل بشكل حثيث على انتزاع اعترافا فلسطينيا بهذا التوجه.

... تضمن قرار الكنيست المذكور أعلاه إشارات واضحة إلى أن الضفة الفلسطينية وقطاع غزة هي أراض إسرائيلية وليست أراض فلسطينية محتلة ، ودعا ذلك القرار إلى زيادة وتيرة بناء المستوطنات والتأكيد على السيادة الإسرائيلية المطلقة على مدينة القدس الكبرى بشقيها الشرقي والغربي كعاصمة موحدة أبدية لدولة الاحتلال ، وجدير بالذكر أن الكنيست الإسرائيلي أل 15 ما بين 1999-2003م قد تبنى 15 قانونا عنصريا لتكثيف مفهوم تعريف يهودية الدولة أو دولة اليهود ، وبمقتضى هذه القوانين يُفرض على المواطنين العرب الفلسطينيين في داخل أراضي 48 أداء قسم الولاء ليهودية الدولة وقوانينها ورموزها وعلمها ونشيدها الوطني  ( هتكفا ) أي الأمل !!! .  

... من المعلوم أن مفهوم الدولة اليهودية يحظى بإجماع صهيوني كامل ، بل يعتبر القاسم المشترك الأعظم بين مختلف القوى والأحزاب الصهيونية في إسرائيل ، حيث يعتبر السلاح الأقوى والأنجع في شطب قرار 194 والقضاء نهائيا على مجرد التفكير في حق العودة لملايين الفلسطينيين من الشتات إلى وطنهم الأول والأخير فلسطين ، وشطب الأساس القانوني لهذا الحق من أجندة الأمم المتحدة تمهيدا لشطب الشعب الفلسطيني عن الخارطة الجغرافية والسياسية كشعب يرزح تحت نير الاحتلال ، يناضل من اجل التحرر والاستقلال الوطني وتقرير المصير.

... في هذه الحالة كان الموقف الفلسطيني الحازم والثابت وحتى هذه اللحظة ، من رفض المطلب الإسرائيلي في مؤتمر أنا بولس في تشرين الثاني 2007م التوقيع على وثيقة مشتركة فلسطينية إسرائيلية تطالب الوفد الفلسطيني الموافقة على فكرة الدولة اليهودية.

... أن الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة العبرية يعني بالضرورة تخلص الطرف الآخر والى الأبد وبجرة قلم من كابوس حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم ، بل ويفضي إلى تحقيق الحلم الصهيوني بتنفيذ ترحيل جماعي بحق مليون ونصف المليون فلسطيني من داخل الخط الأخضر ، وهذا ينطبق على فلسطينيي الضفة وقطاع غزة من اجل (  بقاء ونقاء ) الدولة اليهودية إلى ما يسمى بالدولة الفلسطينية العتيدة ، التي حدد شارون مسبقا حدودها إلى ما وراء الحدود الشرقية لنهر الأردن ، ويعني أيضا جلب الملايين من القادمين الجدد من يهود العالم إلى دولتهم اليهودية ، ويعني أيضا تقوية دعائم هذا المشروع الصهيوني الخالي والنظيف من كل الأغيار ، فالقضية تتعلق بالعدوان واغتصاب الأرض والإنسان ، والتهديد الديمغرافي ، وتزييف التاريخ وطمس الجغرافية وتزوير الحقائق ، ويعني أيضا بقاء هذا الكيان المغتصب رأس حربة مهيمنة بالقوة الطاغية على شعوب المنطقة ، وقاعدة عسكرية متقدمة لخدمة مصالح القوى الاستعمارية وشركات الاحتكار الرأسمالية العابرة للقارات ، ومُنفذا أمينا للمشاريع الامبريالية المعادية للشعوب العربية التواقة للحرية والإنعتاق من نير التخلف والاستعباد ، وخنجرا مسموما في خاصرة الأمة العربية وضد أي تقدم أو مشروع عربي وحدوي.

... من هنا نرى بوضوح فظاعة الممارسات القمعية وحجم الجريمة التي ارتكبتها الجماعات الصهيونية في فلسطين والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بحق الشعب العربي الفلسطيني والشعوب العربية ، فإسرائيل كدولة محتلة لدولة فلسطين ومضطهِدة للأقلية القومية العربية الفلسطينية في الداخل ، ومن خلال التركيز على شعار يهودية الدولة وممارسة سياسة تمييز عنصرية واضطهاد قومي داخل إسرائيل نفسها ، تتسم هذه الدولة بطابع عنصري شوفيني واضح وضوح الشمس ومعادي لكل ما هو ديمقراطي وإنساني ، فالصهيونية فكرا وممارسة أساسها العنصرية والتمييز العنصري.

... إن سياسة التعصب القومي وتزوير التاريخ وتعتيم الوعي الجماعي للمجتمع الإسرائيلي ستعمق من تخلف هذا المجتمع في جميع ميادين التقدم والحضارة البشرية ، وانعزاله في قيتو على غرار نظام الابرتهايد المقبور في جنوب أفريقيا ، بعيدا عن شعوب العالم وخاصة شعوب المنطقة وسيحوّله إلى مجتمع لا أخلاقي منعزل يحمل بذور فنائه ويعمل على هدم نفسه بنفسه.

23/4/2009