التمثيل النسبي الكامل أرقى الأنظمة الانتخابية وأكثرها عدلا...!!! - بقلم طلعت الصفدي

2009-04-08

طلعت الصفدي
عضو المكتب السياسي
حزب الشعب الفلسطيني

التمثيل النسبي الكامل أرقى الأنظمة الانتخابية وأكثرها عدلا...!!!

تابعت جماهيرنا الفلسطينية ، والعربية بقلق حذر ، وبأمل كبير جلسات الحوار الوطني الشامل التي عقدت في القاهرة  في جولته الثانية في العاشر من مارس عام 2009 ،وشارك فيها أكثر من 120 قائدا ومسئولا ينتمون لكل التيارات السياسية الفلسطينية ، توزعت في اللجان الخمس  المختلفة سواء لجنة الحكومة ، الانتخابات ، منظمة التحرير الفلسطينية ، الأمن ، والمصالحة . وقد وفرت جمهورية مصر العربية كل إمكانياتها السياسية والمعنوية والمادية لإنجاحه مدعومة من جامعة الدول العربية، والأصدقاء في العالم ، بهدف التوصل لإنهاء حالة الانقسام ، واستعادة الوحدة الوطنية ، ورفع الحصار ، وإعادة اعمار ما دمرته الحرب العدوانية الأخيرة ، على غزة ، ووضع النظام السياسي الفلسطيني على سكته الوطنية  ،على طريق مواجهة المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية وخصوصا بعد تشكل حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل التي ترفض حل الدولتين ،ولا تعترف بالاتفاقات التي وقعتها الحكومات السابقة برغم تنكرها لها ، وتميل إلى طرح حلول اقتصادية بديلا عن الحلول السياسية التي تستند إلى قرارات الشرعية الدولية ، وخفض توقعات الفلسطينيين إلى حكم ذاتي فقط ،  لكنها فوجئت بالنتائج المتواضعة التي حققتها اللجان المختلفة ،  وعجزت اللجنة العليا للحوار عن الاتفاق على كافة القضايا العالقة ، وبتوقف عملها إلى مرحلة لاحقة حتى تعود كل الوفود المشاركة إلى مرجعياتها ( أغلبية الوفود لم تتوقف جوالاتها للحظة واحدة بالاتصال فيما يعنيه الأمر!!) .

وكانت إحدى النقاط الساخنة, ملف الانتخابات حيث لم يتوصل المتحاورون في لجنة الانتخابات إلى الاتفاق على القانون الانتخابي على الرغم من توافق الجميع على إجراء الانتخابات الرئاسية  والتشريعية وللمجلس الوطني الفلسطيني قبل 25/1/2010.

إن كافة الوفود التي شاركت في الحوار قد وافقت على قاعدة التمثيل النسبي الكامل وهى ( حركة فتح ، حركة الجهاد الاسلامى ، حزب الشعب الفلسطيني ، الجبهة الشعبية ، الجبهة الديمقراطية ، الاتحاد الديمقراطي فدا ، الجبهة العربية الفلسطينية ، جبهة تحرير فلسطين ، جبهة التحرير العربية ، الجبهة الشعبية القيادة العامة ، الصاعقة ، المبادرة الوطنية ، والمستقلون ) ، وكانت الجهة الوحيدة التي لم توافق على قاعدة التمثيل النسبي هي حركة حماس ، مما دفع نائب مدير المخابرات اللواء محمد القناوي للقول لقادة حماس أن أغلبية الوفود  مع التمثيل النسبي  الكامل فلماذا تريدون أن تكونوا خارج التوافق ؟؟؟

وكان موقف حماس بالمقابل في حال فتح بطن القانون الانتخابي الأخير  فإنها ستطالب بالعودة إما  إلى الدوائر أو تبقى على قاعدة النظام المختلط كما هي أي  مناصفة 50% على قاعدة التمثيل النسبي ، 50% على قاعدة الدوائر . ويتساءل المواطن الذي دفع ثمن التناحرات الداخلية بين أبناء الشعب الواحد،وتعطلت حياته الاجتماعية والاقتصادية ، لماذا وافقت حركة حماس على إجراء الانتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني على قاعدة التمثيل النسبي الكامل ، وترفض في نفس الوقت إجراء الانتخابات للمجلس التشريعي على نفس القاعدة؟؟!!!

  لقد عرف العالم ثلاثة أنظمة انتخابية ، الأول نظام الأغلبية ويعتبر من أقدم النظم الانتخابية ، وخلاصته أن من يحصل في الانتخابات على أعلى عدد من أصوات الناخبين يعتبر فائزا ، ولقد جربناه في الانتخابات الأولى للمجلس التشريعي عام 1996، وشابهه العديد من التجاوزات وعمليات التزوير وذلك باعتراف لجان المراقبة الدولية على هذه الانتخابات ، وكانت نتيجته سيطرة  حركة فتح كقوة وحيدة على هذا المجلس ،وغابت  القوى السياسية الأخرى لأسباب ومواقف سياسية ، وساد التفرد باتخاذ القرارات السياسية والاجتماعية ... الخ .  والثاني النظام المختلط ، وفيه يتم انتخاب عدد من المقاعد بناء على صيغة الأغلبية والدوائر الفردية مجتمعة ، فيما يتم انتخاب العدد الباقي من المقاعد وفق التمثيل النسبي ، ولقد جربناه في انتخابات يناير 2006 وأدى إلى تفرد قوتين وحيدتين في المجلس التشريعي هما حركة فتح وحركة حماس  وتعمق الخلاف بينهما بسبب  اختلاف البرامج والرؤى السياسية والمجتمعية  ، وتصاعدت حدة التوتر بينهما  كانت نتيجته تعطيل  لدور المجلس التشريعي ، وشلل فعاليته سواء في اتخاذ القرارات التشريعية أو في عملية مراقبة السلطة التنفيذية ، وغاب المجلس عن الحياة التشريعية آل في نهاية المطاف إلى حالة من الانقسام، . أما  النموذج الانتخابي الثالث فهو  التمثيل النسبي  الكامل الذي يعتبر الوطن دائرة واحدة ،وتحصل القائمة على مقاعد  يتناسب مع حجم ونسبة أصواتها الانتخابية ، ويعتبر هذا النموذج الأكثر عدلا من عداها خصوصا أن لدى الحركة الوطنية الفلسطينية وخصوصا الطلابية ، تجارب ناجحة باعتماد التمثيل النسبي الكامل في جامعات الضفة الغربية .

فلماذا تتمسك القوى السياسية بالنظام النسبي الكامل ؟؟

1- الشعب الفلسطيني يعيش مرحلة التحرر الوطني ، وعليه أن يواجه العدوان الاسرائيلى  بكل قواه وأحزابه السياسية والمجتمعية، والتمثيل النسبي الكامل  يسمح بتمثيل كل القوى والأحزاب السياسية في البرلمان ، ويمنع احتكار حزب أو حزبين بمعظم المقاعد، مما يسمح للقوى السياسية المختلفة بغض النظر عن حجمها من المشاركة في اتخاذ القرارات الهامة ،وإصدار  قوانين التشريع التي تمس حياة المواطن ، كما تعزز الرقابة على السلطة التنفيذية.

2- يحد من تأثير الولاءات العشائرية والقبلية والجهوية والمحلية الضيقة على حساب القضايا الوطنية الاشمل، ويسحب منها إمكانية التأثير على نتائج الانتخابات ، مما يحفز المواطن  للمشاركة في الانتخابات على أسس برنامجية ، ويسمح بتفاعل أرقى مع قضايا الوطن والشعب والقضية ، ويعزز الانتماء ، ويخلق حالة من الجدل والحوار والنقاش حول كافة القضايا سواء أكانت سياسية أو اقتصادية اواجتماعية ، ويصبح المواطن المحور الأساس أمام الكتل الانتخابية  وفى التنافس فيما بينها في  الدفاع عن مصالحه.

3- يسمح بالضغط على الأحزاب وقوائمها الحزبية من تمثيل المرأة باعتبارها جزءا هاما في المجتمع ، ويفتح لها آفاق المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية ، ويعزز دورها ويعمل على تحسين فرصها في النجاح على أساس البرنامج ، وليس على أساس النوع الاجتماعي.

4- يلعب دورا هاما في بناء الائتلاف الوطني على أسس ديمقراطية حقيقية ، ويكرس مفهوم الديمقراطية السياسية والاجتماعية باعتبارها أداة لتطوير المجتمع ، وتفعيل طاقاته .

5-  إن اعتبار الوطن الفلسطيني في الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة دائرة انتخابية واحدة يعزز الوحدة السياسية والجغرافية والقانونية في مواجهة عمليات فصل غزة عن الضفة الغربية ، وفصل القدس عن الضفة الغربية ومحيطها الفلسطيني ، ولا يكرس عملية فصل غزة عن الضفة الغربية التي يسعى إليها الاحتلال الاسرائيلى .

6- يعطى النموذج القادر على بناء دولة ديمقراطية عصرية بالانسجام مع سمة الشعب الفلسطيني المتجانسة قوميا ، وثقافيا ، ويسمح بتكوين تراث ديمقراطي حقيقي  يعزز مبدأ التعددية السياسية ، وتداول السلطة ،  واحترام نتائج العملية الانتخابية، كما يسمح بتشكل معارضة بناءة تعمل على تصحيح الأخطاء بشكل نقدي ، ولا يسمح بتكرار التجربة الأخيرة التي تشكل تاريخا اسودا في تاريخ الشعب الفلسطيني .

7-  يسمح قانون التمثيل النسبي لملء الفراغ الناتج عن الاعتقالات لأعضاء المجلس التشريعي بهدف تعطيل عمله ، باستبدال آخرين من نفس القائمة يضمن استمرار عمل المجلس ، دون الخوف أو استخدام قضية  التوكيلات .

8-  إن عدد المشاركين في الانتخابات على قاعدة  النظام النسبي الكامل يفوق عددهم في  الانتخابات  على نظام الأغلبية وكذلك النظام المختلط، وهذا يدلل على إن هذا النظام الانتخابي هو الأنجع والأكثر تأثيرا في الساحة السياسية والاجتماعية.

والجدير بالذكر فان هناك في العالم أكثر من 67 دولة تعتمد الانتخابات البرلمانية على قاعدة التمثيل النسبي الكامل  ، وتجرى الانتخابات وفق نظام القوائم الحزبية أو غير الحزبية ، بما فيها الدول الاسكندينافية وبعض دول أوروبا وكذلك جنوب أفريقيا، وبعض دول أميركا اللاتينية ، كما يجرى اعتماده في اندونيسيا  أكبر الدول الإسلامية. كما أن نسبة الأصوات الضائعة وفق هذا النظام لا تزيد عن 15%، وتتحدد في هذه الدول  نسبة الحسم لضمان أوسع مشاركة حزبية ،وفى حالتنا الفلسطينية ومع استمرار الاحتلال الاسرائيلى ، ولا زال شعبنا وقواه السياسية المختلفة في مرحلة التحرر الوطني وتداخلها مع التحرر الاجتماعي فان هذا يتطلب اعتماد نظام التمثيل النسبي الكامل وبنسبة حسم لا تتجاوز 1.5 % ، لضمان استمرارية العملية الديمقراطية، والحفاظ على النظام السياسي الفلسطيني ، والسماح لاستيعاب العديد من الأحزاب التاريخية والتي كان لها دور في النضال الوطني ، وإفساح المجال لأوسع مشاركة للمواطنين أصحاب المصلحة الحقيقية في إنهاء الاحتلال الاسرائيلى للاراضى الفلسطينية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين لديارهم طبقا للقرار 194 ، وبناء المجتمع الديمقراطي ، العلماني ،  وحمايته من الزلازل والعواصف التي تهدد الوجود الفلسطيني على أرضه ، ومن يدعى انه يملك الجماهير ولديه قاعدة شعبية فانه لا يخاف من معركة الانتخابات وعليه أن يكون على مستوى المسؤولية والتحديات التي تواجه شعبنا وقضيته الوطنية.

8/4/2009