سجان الاب..... سجان الابن - بقلم عصــام بكــر

2009-03-21

عصــام بكــر

سجان الاب..... سجان الابن

لم يكن المواطن احمد حسين الخليلي من مدينة نابلس على موعد مع مفاجأة من نوع ما , تحمل في ثناياها العديد من الدلالات عندما كان يزور ابنه سامي في سجن شطة جلبوع في جبال الجليل, بعد مماطلة طويلة باصدار تصريح زيارة "خاصة" اثر تعرضه لجلطة دماغية حادة الزمته الفراش عامين, منذ ذلك التاريخ حتى الان, لا يستطيع معها وبسببها  الحركة بشكل شبه كامل رغم معنوياته العاليه وادراكه ان لا هروب من القدر المحتوم.

ولا اعرف ان كانت تلك المفاجاة من النوع السار او المحزن في اعماق" الختيار " ابو حسين الخليلي كما يحلو لنشطاء الانتفاضة من ابناء نابلس ان ينادوه وهم المقربون منه خلال نشاطه السياسي على امتداد ما يقارب نصف قرن من الزمن في عطاء منقطع النظير بهدوء المناضل وصمت القائد الذي يعرف متى وكيف يتكلم!!! لم يطمع في لقب ما او موقع ما, كان عطاء بكل ما في الكلمة من معنى واخلاص ترك بصمة  ناصعة البياض في تاريخ حافل بمعاني الكبرياء والشموخ.

"الختيار " الخليلي فوجئ بموافقة سلطات الاحتلال على تصريح زيارة خاصة لزيارة نجله سامي بسبب تردي حالته الصحية بصحبة ابنته عبير مما سيمكنه بعد سنوات طويلة من ملامسة واحتضان ابنه الذي يقضي حكما بالسجن مدته 21 عاما امضى منها حوالي ستة اعوام, وبموعد  الزيارة الذي كان الخميس الماضي (1932009) كانت مفاجاه اخرى بانتظاره وهي ان احد السجانين تعرف عليه وبدا الحديث معه حول لقاؤهما في ظروف مشابهه عام 1992 في سجن جنيد المركزي خلال تمضية الاب فترة اعتقالية في ذلك الحين, ضمن سنوات وفترات اعتقاليه طويلة التي بدأت في عام 1982 ثم مرورا بسنوات الانتفاضة الاولى التي كان فيها على موعد مع العديد من الاعتقالات تنقل فيها بمعظم السجون والمعتقلات من الفارعة الى مجدو مرورا بنابلس وعسقلان وجنيد وكما يقول مازحا احيانا" لم اترك معتقلا او سجنا يعتب علي بعدم الزيارة" وهي بلاشك صفحه مشرقة للانتماء الوطني الحقيقي الاصيل يسجل لهذه الاسرة الفلسطينية التي زار كل افرادها المعتقلات والسجون الاسرائيلية.

والطريف وربما الغريب ان هذا السجان الذي يدعى " الشيخ" وهو درزي تقدمت به السن قليلا وما زال يتذكر المعتقلين بالاسم في سجن جنيد وتعرف بسرعه على ابو حسين وتبادل الحديث معه حول تلك الايام والتغيرات التي حصلت على المستوى الشخصي والعام رغم مرور ما يقارب سته عشر عاما.

كأن التاريخ يعيد نفسه وكأننا على موعد مع جولات من الصراع تورث فيها الرايات من الاباء الى الابناء ويعاد رسم ابجديات المفاضلة بين الشخصي والعام بين " الأنا" وبين الوطن فيكون الاختيار بلا تردد الوطن اولا وقضية هذا الشعب الصامد يطغى على كل شيئ والسؤال الذي يطرح نفسه ما الذي يجعل المناضل الخليلي يقدم على تسليم الراية للابناء الذين كانوا جميعا ينتظرون الدور واحد بعد الاخر لزيارة السجن وتسديد فاتورة الاعتقال عن طيب خاطر حسين وسامي وياسر جميعا سجلوا اسماءهم على جدران الغرف المعتمه في سجن ما.

وقد مر الختيار هو ايضا في ظروف غريبة من نوعها وقاسية داخل السجن فقد رحلت والدته التي ارتبط بها بقوة شديدة شعر خلالها ان الدنيا اطبقت عليه, كما رحلت ابنته سماح"13" عاما خلال محكوميته في سجن مجدو, وفرح بمولد ابنه الصغير عبد الناصر وهو ايضا داخل السجن, وكثيرا ما كانت تجمعه بفترة اعتقاله التقاء احد الاشقاء او اكثر داخل نفس السجن او ابنه حسين الذي اعتقل هو الاخر لاكثر من مرة.
والان وبعد سنوات طويلة مازال حوالي احد عشر فردا من ابناء الاشقاء وشقيقه الاصغر عبد الرؤوف داخل المعتقل بالاضافة الى نجله سامي كما قلنا سابقا.

وعندما التقت النظرات على شباك السجن في شطة جلبوع الخميس الماضي كانت مليئة بالكلمات التي لم تقال وكانت الدموع المحبوسة خير دليل على صحة النهج والخط الوطني الاصيل الذي زرعه المناضل الوطني الكبير احمد حسين الخليلي في ابناءه.

كانت القبلات التي تحاول ان تختصر المسافة طوال 6 سسنوات من البعد وحرارة العناق المشحون بالاف المشاعر والاحاسيس الكبيرة وكان " الشيخ" السجان القديم الجديد يرى بام عينيه وهو يقف كعادته ملاصقا للابن يرى كل حركة ويراقب كل كلمة تماما يزاول نفس المهنة التي لم تفارقة طوال تلك السنين.

ان التاريخ لم ينهي ولم يسدل الستار ابدا على تاريخ القضية الفلسطينية التي ما زالت حيه وموجودة رغم ما عصف بها من اعاصير ورياح هوجاء.

عاد سامي الى زنزانته بعد ما يقارب الساعة من رؤية المثل الاعلى والقدوة وقد حاول"الاستفادة" من كل لحظة لتعلم عبرة جديدة ودرسا جديديا فلا احد يعلم متى وكيف ستكون الزيارة القادمة هذا ان تمت اصلا!!!

عاد الى غرفة سجنه الصغيرة كبيرا  يشحذه  الامل بانقضاء سنوات السجن مهما طالت وهو على موعد من الحرية, وان السجن لا يغلق بابه على احد ابدا.

وعاد "الختيار" ابو حسين الى نابلس يحدث ويتحدث عن يوم في حياته جمعه مع فلذة كبده في سجن شطة جلبوع, اطمئن ان الابن بخير وانه يواصل المسير على ذات الطريق, استرجع شريط الذكريات ربما على تفاصيل ومشاهد وحكايات لا تنسى عبر سنوات طويلة لم يتحدث فيها الا بالجزء البسيط عن حياته وتاريخه الحافل.

الكل في ذلك المنزل الواقع وسط البلدة القديمة يعبق بسحر الماضي وعظمة البذل والكبرياء ولا ينحني للريح ابدا.
وكم اشعر بالفخر ان ذلك الانسان انا صهره الان وهو جد لابنائي كفاح ورماح, وهو بنظر الكثيرين مدرسة من العطاء والمعاني الوطنية والكفاحية .

ولا عجب والحاله هذه ان يلتقي سجان الاب مع سجان الابن ولو بعد حين.

21/3/2009