شهداء خارج التغطية - بقلم عصام بكر

2009-02-03

عصام بكر

شهداء خارج التغطية

امعنت اسرائيل خلال عدوانها المتواصل على قطاع غزة في استهداف المدنيين العزل ، وحصدت آلتها العسكرية ارواح الابرياء من النساء والشيوخ والاطفال في مجازر دموية رهيبة سوف يذكرها التاريخ على مدى عقود طويلة في المستقبل  وقد اعتبرت اوساط صنع القرار في اسرائيل احدى اهم مؤشرات نصرها ذلك العدد الكبير من الذين " قتلوا " خلال حرب الثلاثة اسابيع على غزة فيما اوردت مؤسسات حقوقية اسرائيلية  ارقاما واحصاءات حول ما اعتبرته استخدام " مفرط في القوة " من قبل جيش الاحتلال ، ومن هذه الارقام وفق تلك الجهات وتحديدا المتعلقة بقتل واستهداف الاطفال – سقوط 412 طفلا شهيدا اي ثلث الشهداء ، فيما بلغ عدد الجرحى ممن هم دون السادسة عشرة 1882طفلا ، هذا بالاضافة الى عشرات الاف اصيبوا بأضطرابات نفسية سوف ترافقهم مدى الحياة ، ناهيك عن عشرات الالاف الذين اصيبوا بالصدمة والهلع بنسب اقل خطورة ستستمر اعراضها لسنوات قليلة فقط !!!!!؟؟؟؟

غير أن المشهد لم ينتهي بعد الاكثر كارثية هو ما تناقلته وسائل الاعلام وتناولته مروا بشكل عابر فقط بفعل السعي لمواكبة وتغطية الاحداث المتسارعة ، وانباء المجازر  التي تملئ الشاشات والعناوين ، قصف هنا وشهداء هناك ، غارات متواصلة،انقاض ودمار في كل مكان ، ما لم تورده وسائل الاعلام الفضائي الا مرورا ونقلا عن مصادر موثوقة لأحدى المؤسسات العاملة في القطاع ان 40 الف حالة اجهاض على الاقل سجلت في القطاع على الاقل قبل ثلاثة الى اربعة ايام من وقف القصف والعدوان  نتيجة استخدام الاسلحة المحرمة دوليا ، الخوف والخطر المباشر بعد استهداف البيوت والمناطق السكنية كلها وغيرها اسباب تجعل من حدوث ذلك ليس بالامر المستغرب او المستبعد .

ان استهداف الارحام وقتل الاجنة داخلها لا اعرف كيف يصنف وكيفية التعاطي معه حسب نصوص العقوبات في القانون الدولي ، والدولي الانساني فأنا لست خبيرا قانونيا ولكن الصورة هي ذاتها من (بقر ) بطون الحوامل في دير ياسين وصبرا وشاتيلا وغيرها عن سابق اصرار لالحاق الاذى بالضحايا لا يمكن ان  يكون بريئا في مذبحة غزة ويجب ان الايفلت من العقاب على جريمتة تلك ، ربما هي نفس الهواجس والاساطير التي تغذيها توجهات الحقد والكراهية ، هواجس التوازن الديمغرافي بالاقتلاع والطرد والتهجير تارة والقتل المباشر تارة اخرى ، ما زالت تلك الاوهام تعشعش في ادمغة الطيارين المتعطشين لفرصة لأستعادة  قوة الردع "لسلاح الجو " الذي تهاوت هيبته في لبنان في الحرب الاخيرة  فقتل عدد من الاطفال هنا ، وازهاق ارواح الاجنة في الارحام قد تؤدي الى تحقيق النبوءة المهشمة بقتل روحية الصمود والمقاومة للاجيال التي قال عنها بن غوريون المؤسس  " الكبار يموتون والصغار ينسون "  ليمنى بفشل ذريع وتكون الصدمة ان جيلا يسلم الراية للجيل الذي يليه ، ويغدو اكثر تمسكا بالحقوق غير القابلة للتصرف من الذي قبله ، وينغرس الانتماء الوطني في اعماق الاطفال الذين شاهدوا امام اعينهم المفقوءة قتل الام او الاب او الاسرة كاملة وتدمير البيوت فوق اصحابها في محاولة لمحو سجل طويل من الذكريات التي توقظ داخل هؤلاء الاطفال اسرار المزيد من التشبث والبقاء .

في الوقت الذي يجري فيه العمل على  تقديم لوائح اتهام لقادة اسرائيل الى محاكم الجنايات الدولية  بوصفهم مجرمي حرب يمارسوا ارهاب الدولة المنظم بحق شعب اخر ضمن حرب ابادة جماعية مفتوحة وفي اطار تلك المساعي لماذا لايتم ادراج ال40 الفا من الاجنة الذين قتلوا عمدا في بطون امهاتهم لا لذنب وقبل ان يروا الحياة من ضحايا الاجهاض القسري والقتل المتعمد على ايدي جنود الاحتلال في مجازر العدوان على القطاع  باعتبارهم مثالا صارخا على جرائم الحرب تلك وفق تصنيفات ومصوغات القانون الدولي التي تنص على تحريم استهداف المدنيين العزل وقت الحرب ؟؟؟؟ ثم لماذا لا تتحرك المؤسسات الحقوقية الدولية ذات العلاقة لمتابعة هذا الشأن بكل ما ينطوي عليه من خطورة على حياة البشر بأعتباره احدى اهم الانتهاكات لحقوق الانسان التي تواصل سلطات الاحتلال ارتكابها في الاراضي الفلسطينية ، لتضاف الى الاحصاءات الاخرى التي بدات اثارها بالظهور على عدد كبير من المصابين لتتجاوز تلك الاثار الانسان لتصيب الحيوان والنبات والبيئة وتخلف دمارا هائلا سيبقى شاهدا لسنوات طويلة .

2/2/2009