أيها السياسيون والإعلاميون ... لا تخطئوا بتحليلاتكم!!! - بقلم طلعت الصفدي

2009-01-12
طلعت الصفدي
عضو المكتب السياسي
حزب الشعب الفلسطيني


أيها السياسيون والإعلاميون ... لا تخطئوا بتحليلاتكم!!!

لقد استحوذ الهجوم الشرس على الشعب الفلسطيني، وتصاعده الجنوني  على قطاع غزة على تحليلات وتعليقات مختلفة، وتصاعدت معه حدة الاتهامات المتبادلة بين مجموعات  من المتنفذين  وقادة العمل الوطني والاسلامى الفلسطيني والعربي ، وغرق بعض  المحللين السياسيين الفلسطينيين  ، والمفكرين والمتخصصين العرب ، وتبعهم بعض الإعلاميين في تغطيتهم للإحداث الدموية ، وفتحت الفضائيات العربية مساحات للتعبير عن رأيهم ومواقفهم  .  اتسم رأى بعضهم بالتحليل  الموضوعي ، ورؤية  صحيحة لجوهر الصراع  الذي يدور في المنطقة العربية وعلى الأرض الفلسطينية ،  وصبغ بعضهم رؤيته الإيديولوجية والحزبية في تفسيره للصراع  ، وتناوله بأسلوب خطابي مشحون بالعاطفة ،والشعارات الخالية من التحليل المنطقي ، والعلمي مما أوقعهم في خطأ فهم الصراع الرئيس في المنطقة  ، وجانبوا الحقيقة في أحيان كثيرة التي نحن جميعا بحاجة إليها ، وبضرورة تسليط الضوء على جوهر وطبيعة الصراع في المنطقة ، ودور إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية كمصدر حقيقي للتوتر والإرهاب والعنف في المنطقة ، ولهذا فمن وجهة نظري هناك العديد من القضايا الواجب أن توضع في مكانها الصحيح في هذا الصراع.

1)  ليس صائبا تحويل القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني إلى قضية اغاثية ،  وإنسانية على الرغم من أهميتهما ، فالشعب الفلسطيني يناضل من أجل تحقيق أهدافه الوطنية المتمثلة في إزالة الاحتلال عن الاراضى الفلسطينية المحتلة عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ، وحق اللاجئين في العودة لديارهم طبقا للقرار 194 .

2)  ولا محقا تحليل الهجوم الجنوني على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة كأنه صراعا فقط بين إسرائيل وحركة حماس، فهذا تشويه للنضال والكفاح الفلسطيني منذ أكثر من قرن  ، فالمعركة الحقيقية هي بين الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وأهلنا في مواقع اللجوء ،  وبين الاحتلال الاسرائيلى والذي لم يبدأ منذ إنشاء حركة حماس بل منذ عام 1948 وإقامة دولة إسرائيل على الأرض الفلسطينية .

3)  ومنافيا للحقيقة تقزيم المعركة الحقيقية مع الاحتلال الاسرائيلى كأنها معركة شعبنا الفلسطيني  على معبر رفح ، فالمعركة على الأرض الفلسطينية  مع الحركة الصهيونية منذ نشأتها ،  وخصوصا في الضفة الغربية حيث يجرى  تهويد القدس ، وإقامة المستوطنات والحواجز ، ونهب الأرض ، وبناء جدار العزل العنصري ومنع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة .

4)  ومن الخطأ الفادح حرف النضال الوطني التحرري  ضد الاحتلال إلى صراع مع الشقيقة مصر، أو مع أي دولة عربية أو إسلامية  ، والتوجه لافتعال الأزمات مع الأشقاء  المصريين الذين يشكلون البوابة الأولى لقطاع غزة  على العالم العربي ، وبهذا نكون قد ساهمنا  في تحقيق الهدف الاسرائيلى بتوتير الأوضاع على الجبهة الفلسطينية بالإضافة إلى تحويله صراعا فلسطينيا- عربيا مما يضعف البعد العربي ويهدد الأمن القومي المصري ، ويساهم في محاولة إسرائيل للتخلص من غزة قانونيا وسياسيا ،ودفعه إلى حضن مصر على طريق تنفيذ الحل الاقليمى المرفوض .

5)  لا يجب أن نضع تناقضا بين أشكال النضال المختلفة ، أو اعتبار الكفاح المسلح هو الأسلوب الوحيد للكفاح الوطني ، فأشكال النضال عديدة منها النضال الاقتصادي والفكري والسياسي الذي يندرج تحته قائمة طويلة من النشاطات، والفعاليات الكفاحية فالمسيرات والمظاهرات والعصيان المدني ،وتشكيل اللجان الشعبية في المدن والأحياء والبلدات والمخيمات ، ولجان الإغاثة في كل حي وشارع ، ولجان الدعم والإسناد للمقاومين ، ولجان الإعلام التي تفضح همجية الاحتلال ، وكذلك اللجان الطبية والإسعاف والنجدة.. الخ  والانتفاضة الشعبية والانتفاضة المسلحة ووسائل الاحتجاج المختلفة ، بالإضافة إلى العمل المسلح  يجب أن تتفاعل فيما بينها ،وعلينا أن نستخدم كل الوسائل الممكنة والمتاحة التي تجلب الانتصار على العدوان والاحتلال  والتي تقربنا من تحقيق الأهداف الوطنية ، وبأقل الخسائر الممكنة من شعبنا.

6) ويلحق الضرر الكبير بالقضية الوطنية الفلسطينية ، الدخول في المحاور السياسية العربية ، أو الإقليمية ، واستبدال القومي بالاقليمى ،فانه  لن يجلب سوى المزيد من التفسخ على الساحة الداخلية الفلسطينية ، وينعكس سلبا على القضية الفلسطينية ، وعلينا الاستفادة من كل الجهود العربية ، لإسناد للشعب الفلسطيني في نضاله العادل بعيدا عن سياسة المحاور العربية والإقليمية، فشعبنا الفلسطيني  بحاجة للدعم السياسي والمعنوي والمادي من الجميع، والاستفادة من الاقليمى والعربي  والاسلامى .

7)  وليس إعلاما حقيقيا ومهنيا تحويل الفضائيات العربية إلى ساحات للمصارعة بين الأطراف المختلفة سواء فلسطينية داخلية أو عربية ، ومنح مساحات واسعة منها للتهجم ، وكيل الاتهامات  لمن يجرى الاختلاف معهم ، فالموضوعية ،والنقد البناء ضروريان  ليفسحا المجال للمواطن الفلسطيني والعربي لفهم ما يجرى على الساحة الفلسطينية والعربية ، فالإعلام الحقيقي هو الإعلام الصادق والموضوعي والذي يجرى نقل المعلومة الصحيحة ويسلط الضوء على كافة القضايا والظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية للمواطن بأسلوب تحليلي  علمي بعيدا عن التهريج والفهلوة.

8)  ولا يجب أن نستهتر بالبعد الدولي ،فلا بد من التوجه للرأي العام العالمي بطريقة حضارية بعيدا عن الشعارات غير المفهومة من المواطن الاوربى وحتى الامريكى ، ومحاولة استقطاب قادة الرأي الدولي ، فان قطاعات واسعة من الجمهور الاوربى غير راض عن العدوان الاسرائيلى وتتهمه بالإرهاب وبالتواطؤ مع  الولايات المتحدة الأمريكية معها  ،وألا لماذا اعتبر الأوربيون أن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية هما المعاديتان للسلم في العالم وتشكلان خطرا عليه؟؟.

9)  وليس صحيحا أن ما يجرى في قطاع غزة  يمكن أن يحقق مكسبا لهذا الفريق أو ذاك ، أو أن يوافق شعبنا على قدوم البعض على الدبابات الإسرائيلية كما حدث في العراق ، فمنظمة التحرير الفلسطينية بالرغم من ضعفها وعدم تفعيل مؤسساتها المختلفة لن توافق على ما  يروج له الإعلام الإسرائيلي  والأمريكي ، وشعبنا الفلسطيني لن يتساوق مع هذه الأطروحات الخبيثة ولهذا فعليه أن ينهى حالة الانقسام فورا ،ويستعيد الوحدة الوطنية لمواجهة العدوان ، فالخاسر مع استمرار هذه الحالة هو الشعب الفلسطيني والرابح بالتأكيد هو الاحتلال الاسرائيلى.

10)  والخطأ الفاحش الذي يمكن أن يرتكبه البعض في الترويج لدويلة إسلامية أو حاكميه  في غزة ، وفصلها عن شعبنا الفلسطيني والأرض الفلسطينية في الضفة الغربية ،فهذه  تساهم في الانقسام وتعزز الفصل ، فوحدة الشعب الفلسطيني سياسيا وجغرافيا هوالاساس الموضوعي لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ، ومحاولة الإيحاء عبر بعض التشريعات بإمارة غزة الإسلامية لن يخلق جوا مريحا بل يعزز الرؤية الأحادية ، وخصوصا أننا في مرحلة تحرر وطني ، وعلينا جميعا  تجنب الدخول في تنافس، وصراع  داخلي على الاراضى الفلسطينية التي لا زالت تئن  تحت سطوة  الاحتلال الاسرائيلى ، والعمل على توحيد الجهود ورص  الصفوف لمواجهة العدوان ، واستعادة الوحدة الوطنية ،  والتوجه للحوار الوطني الشامل دون شروط مسبقة ، وحل كافة الإشكالات والتعارض على طاولة الحوار .
12/1/2009