ستون عاما على النكبة -بقلم خالد منصور

2008-05-03


     يحيي الشعب الفلسطيني كل عام  ذكرى نكبته الكبرى .. ذكرى مأساته الإنسانية .. التي حلت عليه في الخامس عشر من شهر أيار عام  1948  .. على أيدي عصابات الإجرام الإرهابية.. التي أسست على أنقاض وجوده  دولة حظيت بالرعاية والدعم الدولي .. هي دولة إسرائيل .. دولة لم تحدد ولغاية اليوم حدودها .. وشنت فيما بعد الإعلان عن وجودها .. العديد من الحروب ، لتحقّق أحلام وأطماع مؤسسيها.. في أن تتسع لتسيطر على كامل الأرض الواقعة ما بين النيل والفرات .. وان تهجّر وتشرد أصحاب وسكان الأرض الأصليين ، لتحافظ على الطابع اليهودي والعبري للدولة … صحيح أنّ المشروع الصهيوني قد تعثّر بفعل التصدي والمقاومة الشديدة للشعوب العربية -- وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني -- لكن هذا المشروع لم ينتهي .. بل انه يتجدد باستمرار ، ويأخذ في كل مرحلة طابعا وشكلا جديدا.. ولكن تجليات المشروع الصهيوني تبدو اليوم أكثر وضوحا وتجليا ، وذلك من خلال مشرع جدار العزل والفصل العنصري ، الذي تريد منه إسرائيل أن يشكل حدودا سياسية وأمنية للكيان الفلسطيني الهزيل -- الذي يخططون من اجل السماح بإقامته -- ليقضي على الطموح الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل الأراضي المحتلة عام  1967 .. كما ويحمل مشروع جدار العزل في طياته نوايا وأهداف مبيتة في تكثيف الضغوط على الشعب الفلسطيني الذي سيسجن داخل الجدار من اجل إجباره على الهجرة والرحيل من جديد خارج وطنه .
    إن الشعب الفلسطيني وهو يحيي هذا العام .. الذكرى الستون لنكبته الكبرى ، يسترجع ما في ذاكرته الوطنية  من حروب ومعارك ، ومشاريع ومؤامرات ، ويسترجع ما في مخزونه النضالي من ملاحم بطولية ، وصمود وإصرار ، أفشلت وما زالت تفشل ، كل مآرب أعداء هذا الشعب ، الذين يوجهون سهامهم القاتلة ، ضد كل طموحات الشعب المشروعة ، وبالأساس منها حقه العادل بالعودة إلى دياره الأولى ، التي تم طرده وتهجيره منها -- ذلك الحق المنصوص عليه بالقرارات الدولية -- وأهمها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم  194 -- والذي تجري اليوم محاولات مشبوهة للقفز عنه ، وتفسيره بشكل يحرم ثلثي الشعب – وهم اللاجئين – من حقهم المقدس بالعودة إلى وطنهم الأصلي ، ويأتي ذلك منسجم أيضا مع المواقف الأمريكية ، التي عبر عنها الرئيس الأمريكي جورج بوش برسالة الضمانات ، التي أعطاها للإرهابي شارون  .

    إنّ ذكرى النكبة تحمل في طياتها هذا العام -- وفي كل عام -- معان ودروس كثيرة أهمها أنها :

  • ذكرى اقتلاع وتشريد أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني ، خارج وطنهم الأصلي وبعيدا عن ديارهم التي ولد وعاش ومات فيها آباؤهم وأجدادهم .
  • ذكرى قيام العصابات الصهيونية الحاقدة المجرمة بارتكاب ابشع الجرائم والمجازر ضد شعب اعزل مسالم لتجبره على الرحيل والهجرة من أرضه  ، لتؤسس عليها  دولة .. أطلقت عليها اسم إسرائيل ..
  • ذكرى حصول هذه الدولة المغتصبة .. إسرائيل .. ظلما وبسابقة نادرة في التاريخ ، على اعتراف دولي بها ، لتكرس وجودها اللاشرعي على الأرض العربية ، التي اغتصبتها من أصحابها الشرعيين .        
  • ذكرى تشهد على العجز الدولي أمام الغطرسة والقوة وعلى التهاون الدولي والتسامح مع الغاصب المعتدي … فرغم أنّ الاعتراف الدولي الذي حصلت عليه إسرائيل بقرار  194  كان مشروطا بسماحها بعودة اللاجئين إلى ديارهم إلا أنّ هذه الدولة رفضت تنفيذ هذا الشرط ووضعت كل العراقيل للتنصل من مسؤولياتها ، ووقف المجتمع الدولي وكافة هيئاته ومؤسساته عاجزا عن إلزام إسرائيل بتنفيذ هذا الشرط .
  • ذكرى الألم الذي ما بعده ألم ، والمعاناة التي فاقت وتفوق كل الحدود .. شعب يقتلع من أرضه ، ويلقى به في غياهب التيه ليواجه مصيره .. خيام ومخيمات ووكالات المساعدة الأجنبية.. فقر وألم وجوع ومرض .. حروب تصفية وقيود وملاحقات .. غربة قاسية وفقدان للجنسية .
  • ذكرى كارثة مضت منذ  60  عاما ، لكنها ما زالت حية راسخة في عقول وقلوب أصحابها ، لم يطويها النسيان ولم تنهيها المؤامرات والمشاريع التصفوية  .. ذكرى تكذّب مقولات قادة بني صهيون ، الذين ظنوا أنّ الزمن كفيل بإنهاء القضية وقالوا – الكبار يموتون والصغار ينسون -- .  
  • ذكرى تشهد على تمسّك أصحاب الحقوق بحقوقهم ، وإصرارهم على نيلها ، وتقديمهم أغلى ما يملكون من دمائهم وأرواحهم ، ليتركوا لأجيالهم القادمة ما يمكنهم من الافتخار به  بتطهير أرضهم من دنس المحتلين الغاصبين  ، ويرسموا لهم آفاق المستقبل الواعد الخالي  من الألم والمعاناة .


خالد منصور
14/5/2004