رابعاً: الانقسام السياسي وسبل معالجة الازمة

2009-02-11

رابعاً: الانقسام السياسي وسبل معالجة الازمة

ايتها الرفيقات، ايها الرفاق
يعقد مؤتمرنا هذا، في ظل اخطر حالة انقسام سياسي على الساحة الفلسطينية، فقد تعدى هذا الانقسام نطاق الانقسام الايديولوجي، والسياسي ، والتنظيمي، الى نطاق انقسام الوحدة الجغرافية، وانقسام النظام السياسي نفسه، في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
ومنذ نشوء حركة حماس، وبالاختلاف عن حركة الجهاد الاسلامي، فقد طرحت نفسها بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتبنت شعارات ومواقف وتكتيكات مختلفة الى هذا الحد او ذاك، وعملت في الانتفاضة الاولى بقيادة موازية للقيادة الموحدة، ثم اكملت مشوارها هذا كمعارضة سياسية نشطة للسلطة الوطنية ولاتفاق اوسلو، وكذلك لمنظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها السياسي والمجتمعي.
وبرغم المظاهر المتنوعة للصراعات التي تعمقت مع نشأة السلطة والصدام المباشر مع حركة حماس، وخاصة في قطاع غزة، فقد ادت الانتفاضة الثانية، الى تبلور اطارات من العمل المشترك، في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، والى تنسيق مجموعة نشاطات سياسية وجماهيرية بصورة مشتركة، رغم ما كان يعتريها من تنافس ولكن مع ذلك فقد ظل هناك تباين واضح في البرنامج السياسي، وفي تحديد اهداف الانتفاضة، ثم في اشكال النضال، التي انفردت حماس بممارستها والنشاط فيها، بعيداً عن مواقف غالبية القوى الفلسطينية.
ومع تعقد وضع الانتفاضة، وازدياد المخاطر السياسية والعدوانية المباشرة، تمت الدعوة اكثر من مرة، لحوار فلسطيني، يرمي الى الاتفاق على اشكال النضال، وبالتحديد وقف العمليات التفجيرية، في اطار ما تم تسميته بالتهدئة او الهدنة، بالاضافة الى السعي من اجل الاتفاق على برنامج او خطة سياسية موحدة، وكذلك في تأمين دعم سياسي لأية عملية تفاوضية يمكن استئنافها ، فضلاً عن بعض الموضوعات الأخرى.
وقد كانت القاهرة، مسرحاً لهذه الحوارات، برعاية مصرية مثابرة، الى ان انتجت عام 2005، اتفاقاً، مثل تقدماً هاماً عما سبقه من مواقف وحوارات ، وتضمن التهدئة او وقف العمليات التفجيرية، وكذلك حق المشاركة في السلطة من خلال المشاركة في الانتخابات، بالاضافة الى العمل على تفعيل م.ت.ف ومشاركة حماس والجهاد فيها.
وقد كان الأمر الأبرز في هذا الاتفاق، فضلاً عن التصويب الهام في قضية العمليات الاستشهادية، هو الاستعداد لاندماج حركتي حماس، والجهاد الاسلامي، في منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك في النظام السياسي للسلطة الفلسطينية، وقد عكس موقف اسرائيل والولايات المتحدة اللاحق بالسماح باجراء الانتخابات التشريعية والمراقبة الدولية الواسعة  عليها، موافقة ضمنية على هذا التوجه.
هذا الموقف وغيره من المواقف تغيرت بعد نتائج الانتخابات التي اعطت حركة حماس اغلبية في المجلس التشريعي، فهذه الحركة من جهة بالغت في تحميل فوزها في الانتخابات فوق ما يستحق بتجاهل محدودية واقع السلطة الفلسطينية، ومن الجهة الأخرى تغير  الموقف الاسرائيلي والاميركي باتجاه رفض استمرار اندماج حماس في النظام السياسي، الا عبر قواعد محددة، ظهرت في شروط تبنتها اللجنة الرباعية، وباتت هي المدخل الاسرائيلي – الاميركي ، ثم الدولي، لفرض حصار على الشعب الفلسطيني وعلى حكومة حماس، الامر الذي ادى كما هو معروف الى تردي الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للسلطة الفلسطينية عموماً، كما ادى ايضاً الى تزايد الصراع على السلطة ومؤسساتها الأمنية وعلى الوظائف العليا فيها . بعد كل هذا الوضع جاء اتفاق مكة، الذي سبقته جملة من المبادرات الشعبية والسياسية المختلفة، والتي لعب حزبنا الى جانب القوى الأخرى، دوراً واضحاً فيها،  سواء عبر  الحوار الوطني، الذي اسفر عن وثيقة الوفاق الوطني، او في مبادرة "نداء فلسطين" او غير ذلك من الفعاليات والأنشطة.
غير ان اتفاق مكة، الذي ايده حزبنا، لمنع استمرار التدهور الذي تبدا على شكل صدامات وتحشدات مسلحة في قطاع غزة، ودعا الى تعزيزه بمعالجة جوهر القضايا المسببة للصدامات السياسية والتنظيمية والقانونية، لم يكتب له النجاح، كما لم تنجح في ذلك حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت على اساسه، ووفقاً لبرنامج يسمح بالتعاطي مع استحقاقات المجتمع الدولي من جهة، وبمعالجة القضايا الداخلية من الجهة الأخرى.
ان انهيار حكومة الوحدة الوطنية، جاء كمحصلة لمجموعة عوامل فمن جهة استمر الموقف الاسرائيلي – الاميركي ، في رفض التعامل مع الحكومة او فك الحصار عنها، واستمرت الضغوط على الاطراف المختلفة من اجل عدم دعم حكومة الوحدة الوطنية، بما في ذلك الاطراف العربية، بحيث استمر بهذا الشكل او ذاك الحصار على حكومة الوحدة الوطنية، رغم بعض الخطوات المحدودة التي تمت من قبل الاتحاد الاوروبي وبعض الدول الأخرى، للتعامل مع جزء من الحكومة وفي بعض الموضوعات المحددة.
وبدل ان يشجع المجتمع الدولي، الاتجاه الذي ظهر من برنامج الحكومة واتفاق مكة، تجاه القضايا السياسية والذي مثل تقدماً واضحاً يسمح بذلك ، استمرت الضغوط الاسرائيلية – الاميركية على اساس شروط اللجنة الرباعية بل وتمادت الى التلويح باتخاذ مواقف من الرئيس عباس نفسه، بسبب موافقته على ابرام الاتفاق، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية.
ان عدم منح الحضانة الدولية، وفتور الدعم العربي لحكومة الوحدة الوطنية، تجاوب مع مصالح اكثر الاوساط تطرفاً وانانية، في حركة حماس  وفي السلطة الفلسطينية وحركة فتح ، والذين تغذوا جميعاً على  حالة الانقسام، حيث  ما لبث ان دخلوا في سجالات ، وصراعات متنوعة، شحنت الاجواء وعقدت فرص تطبيق الحلول التي تم التوصل اليها، سواء من خلال الرئيس ابو مازن ، او من خلال قرارات حكومة الوحدة الوطنية ذاتها.
وقد ساعد على ذلك بوضوح، واقع عدم قدرة حكومة الوحدة، على معالجة مسائل الأمن، ووضع المجموعات المسلحة  والاجهزة التي كان الصدام قد تفاقم بينها الى درجات غير عادية، قبل تشكيل الحكومة خاصة بعد ان شكلت حركة حماس القوة التنفيذية التي صارت عنواناً لهذه الصدامات والتي استمرت بعد قيام حكومة الوحدة الوطنية.
لقد قدر حزبنا، ان حكومة الوحدة الوطنية، وتطور اداءها، وبرنامجها، هو المخرج الافضل للحالة التي نشأت بعد الانتخابات التشريعية، خاصة في ظل رفض تشكيل حكومة من الشخصيات المستقلة المتوافق عليها، كما قدر ان السعي من اجل افشال هذه الحكومة، هو سعي محموم متواصل، خارجياً واداخلياً، من كل اصحاب المصالح في استمرار حالة الانقسام، وكذلك من الفئات الاكثر انغلاقاً وتطرفاً وميلاً للاستئثار والهيمنة، والحسم الدموي للصراع السياسي، ولاستحقاقات الحالة التي نشأت بعد ان لم يعد بمقدور حماس ان تحكم كما تريد، وكذلك بعد ان بات من غير الممكن ايضاً، استمرار الحكم من قبل عناصر السلطة السابقة من حركة فتح، كما تريد.
لقد عكس مظهر انهيار حكومة الوحدة الوطنية ، تطوراً اكثر خطورة، عن كل ما سبقه، فهذا الانهيار، جاء نتيجة عملية صدام دموي، بقرار مدروس ومحكم من قبل حركة حماس وهي طرف اساسي في الحكومة وبمعرفة من رئيسها، ومن بعض وزرائها، استهدف بصورة مباشرة مؤسسات رسمية، تخضع قانونياً للحكومة ذاتها، بمن فيها من الافراد دون تمييز، وانتهى بالسيطرة الكاملة، على كامل مؤسسات السلطة في قطاع غزة، بما فيها المقار الرئاسية السيادية لرئيس السلطة الوطنية نفسه، كما ان هذه الحالة ترافقت مع عنف وانتقام دمويين،غير مسبوقين في تاريخ الشعب الفلسطيني.
لقد مثل هذا السلوك عموماً، انقلاباً على حكومة الوحدة الوطنية ذاتها وعلى اتفاق مكة، وعلى  كافة المؤسسات الرسمية للسلطة الفلسطينية، ولرئيسها الشرعي المنتخب، وعلى قراراته القانونية اللاحقة، وفي مقدمتها حقه في اقالة الحكومة، كما ينص على ذلك القانون الأساسي.
ان تفاقم الحالة التي نشأت في قطاع غزة، كان يمكن تصنيفها في اطار حالة غير استثنائية من حالات الصراع في التجارب الديمقراطية، تجاه التطبيق الحقيقي لمبدأ تداول السلطة، فيما لو تم التخلي السريع عن المؤسسات التي تم الاستيلاء عليها وفتح الحوار الفوري لمنع استمرار اسباب نشوئها، ولكن الامر تجاوز ذلك وبات يحمل مخاطر اكبر بكثير بسب النطاق الجغرافي الذي يمثله، في ظل خطر حقيقي بتبديد الوحدة السياسية للاراضي الفلسطينية المحتلة، والذي تسعى اسرائيل لتعزيزه قانونياً ايضاً، منذ انسحابها من داخل قطاع غزة، ثم بعد ذلك في اغلاق القطاع، واعتباره "كياناً" معادياً، وغير ذلك من الخطوات التي تكرس القطاع ككيان مستقل.
وتساعد سلسلة الخطوات التي تتخذها حماس في قطاع غزة، على تكريس هذا الانفصال، والتأقلم مع التعامل مع قطاع غزة ككيان مستقل، حيث تم تعميم الانقسام على مختلف المؤسسات ، بحيث بات المجلس التشريعي يعمل منفصلاً في غزة، بشكل غير قانوني، كما تم اضافة وزراء الى وزراء حماس في الحكومة المقالة في غزة، دون اية اجراءات قانونية، كما تم تشكيل جهاز قضائي مستقل وتتواصل يومياً، مختلف الخطوات لتعزيز نظام سياسي منفصل في القطاع ، على كافة الاصعدة .
لقد شجع استمرار هذا الوضع، وعدم تراجع حماس والذي طالبت به كافة القوى الفلسطينية على تعمق الخطر على وحدة الشعب الفلسطيني ونظامه السياسي، وعلى قضيته الوطنية، اذ انه يجري في ظل المسعى الذي تدعمه الادارة الاميركية واسرائيل، لتكريس هذه الحالة الى الحد الاقصى  من قبل اسرائيل، والادارة الاميركية ، التي اعلن رئيسها عن سعيه لتشكيل اصطفاف جديد في الساحة الفلسطينية ، وفقاً لتقسيماته المدمرة، على اساس مكافحة "الارهاب"، بالاضافة طبعاً الى حقيقة نشوء مجموعات مستفيدة من استمرار حالة الانقسام، في غزة والضفة، بحيث تلعب دوراً سلبياً في مواجهة أي مسعى جدي لانهاء هذا الانقسام ، وبحيث تتعمق العملية الجارية بحيث تصبح عملية غير ارتجالية.
ان حزبنا ، وهو يدرك ان هذا الصراع، له وجهه المجتمعي والفكري الى جانب وجهه السياسي، يرى ان المصلحة الوطنية والديمقراطية تتطلب انهاء حالة الانقسام فوراً، وفقاً للاعتبارات التالية:
1 -ان حزبنا يرى أن استمرار حالة الانقسام الداخلي، تضرب المشروع الوطني والديمقراطي للشعب الفلسطيني وللمجتمع الفلسطيني وآفاق تطوره الديمقراطي والتقدمي.
ولذلك فان حزبنا يرى أن انهاء حالة الانقسام لن يتأتى فقط من خلال انتظار تحقيق مصالحة بين حركتي حماس وفتح، أو التجاوب مع المبادرات التي تطلق من هنا، أو هناك، وانما هو في الاساس من خلال ممارسة ضغط شعبي فلسطيني حقيقي وواسع، وحشد الرأي العام الفلسطيني من أجل  تحقيق الاتفاق على آلية ملائمة لمعالجة حالة الانقسام.
ان حزبنا يرى ان هذه الآلية تقوم على الاتفاق على موعد للانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتشكيل حكومة متوافق عليها، للتحضير لهذه الانتخابات.
2-ان الذهاب الى انتخابات جديدة ، ولمنع تكرار ما ترتب عليها، يتطلب في ذات الوقت انجاز وثيقة تفاهم وقواعد سلوك، سياسي ومجتمعي، كما يتطلب انهاء الانقسام السياسي في اطار الانسجام مع الشرعية العربية والدولية لقطع الطريق على استمرار ممارسة العزل والحصار ضد شعبنا، وتكرار تجربة ما بعد الانتخابات السابقة.
3-تتولى  الرئاسة الفلسطينية في هذه الاثناء استعادة مقرات السلطة الفلسطينية وبحيث تتم ادارتها من خلال الحكومة الجديدة، كما يجري معالجة وضع الاجهزة الامنية على أساس عدم الحزبية والحيادية.
4-ان الانتخابات الجديدة هي في نفس الوقت انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، في الاراضي الفلسطينية، يصبح أعضاء المجلس التشريعي فيها، هم أعضاء في المجلس الوطني الجديد، على أن يتم استكمال تمثيل الخارج من المجلس الوطني، على نفس القاعدة لنتائج الانتخابات التشريعية، بالاضافة الى صيغة متفق عليها تمثل كافة الفصائل بما يضمن الطابع الائتلافي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
5-ان نضال الحزب ضد مختلف أشكال انتهاك الحريات والقوانين في القطاع والضفة، لا ينطلق من مساواة الوضع القانوني لسلطة الامر الواقع في قطاع غزة غير الشرعية، وبين حكومة تسير الاعمال التي تشكلت وفقا لاعلان حالة الطوارئ القانونية، ولكنها تبقى كحكومة تسيير اعمال ولا تمتلك مقومات وصلاحيات الحكومة العادية.
6-يسعى حزبنا للعمل في هذا الاتجاه مع كافة القوى والمنظمات والمؤسسات، بما فيها الحقوقية والقانونية، وكذلك بالتعاون مع الاطراف العربية ذات العلاقة .
7-يدرك حزبنا ان شروط حل الازمة ليست هي شروط الحوار من اجل تحقيقها، وهو يدعم حوار مباشر او غير مباشر، من اجل تحقيق شروط حل الازمة بعد توفير صيغة ملائمة لذلك بوقف التحريض والانتهاكات، ومعالجة وضع المعابر والتهدئة، واعادة تسليم مقرات السلطة.