ذهب ترامب وبقيت جرائمه | جميل السلحوت

2021-01-20

ذهب ترامب وبقيت جرائمه

| جميل السلحوت

يغادر الرّئيس الأمريكي الخاسر رونالد ترامب البيت الأبيض في الثانية عشرة من ظهر هذا اليوم 20 يناير 2021 حسب توقيت واشنطن، لكن جرائمه ومخلفاتها ستبقى لسنوات طويلة، فالرّجل الذي فاخر في تغريدة له بأنّه "لم يشنّ حربا في فترة رئاسته"! يبدو أنّه لا يفهم معنى الحرب إلا من خلال حروب الأسلحة التدميريّة الهائلة، ويتناسى بأنّه قد أشعل حروبا مفتوحة في العالم ستبقى نتائجها الكارثيّة إلى عقود قادمة، فمصّاص الدّماء هذا بدأ حروبه في بلاده عندما كرّس الحرب العنصريّة بين البيض من جانب وبين السّود والملوّنين من جانب آخر.

واصل حربه المفتوحة على الشّعب الفلسطينيّ بشكل خاصّ وعلى العرب بشكل عامّ، من خلال استيلائه على منابع النّفط السّوريّ بقوّة السّلاح، وأشعل حربا طويلة المدى عليهم عندما اعترف في 6 ديسمبر 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل، وعندما أعلن ما يسمّى "صفقة القرن" في 28 يناير 2020، والتي بموجبها منح الأراضي الفلسطينيّة المحتلة عام 1967 لإسرائيل، لينهي حقّ الشّعب الفلسطينيّ في حقّه بتقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف، وحاول شطب جميع قرارات الأمم المتّحدة بخصوص الصّراع الشّرق أوسطي، بما في ذلك مشكلة اللاجئين، من خلال محاولته إنهاء منظّمة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين"الأنروا" بقطع المساعدات الماليّة عنها، وأتبع ذلك بمنحه هضبة الجولان السّوريّة المحتلة لإسرائيل. وتمادى أكثر في ضلاله عندما ضغط على "كنوز أمريكا وإسرائيل الإستراتيجيّة في المنطقة" لتطبيع العلاقات مع اسرائيل في ظلّ استمرارها في احتلال الأراضي العربيّة، وتجنيدهم للتّحالف الأمني والعسكري مع إسرائيل لمحاربة إيران بالإنابة عن أمريكا. كما فرض قيودا اقتصاديّة على لبنان فدمّر الإقتصاد اللبنانيّ في محاولة منه لجعل لبنان دولة فاشلة من أجل القضاء على المقاومة فيه المتمثّلة بحزب الله اللبناني وحلفائه. وعندما اعترف بالصحراء الغربية كجزء من المغرب فإنّه سعى من وراء ذلك إلى زرع فتنة طويلة المجى بين المغرب والجزائر.

وفي حروبه على العالم  فرض ترامب حصارا محكما على دول مثل إيران بعد أن ألغى الاتّفاق النّوويّ معها، كما فرض حصارا على سوريا، كوريا الشّماليّة، وألغى اتّفاقات تجاريّة مع الصّين وروسيا وغيرهما. عدا عن حصاره لدول في أمريكا الجنوبيّة مثل فنزويلا.

ووصل جنون القوّة بترامب بأنّه اعتبر كلّ من يخالفه الرّأي أو يعادي إسرائيل إرهابيّا، يجب معاقبته، فكلّ حركات التّحرّر في العالم إرهابيّة، وحتّى أنّه اعتبر دولا ارهابيّة مثل إيران، سوريا، كوريا الشّماليّة، فنزويلا!

وحصول ترامب الذي خسر انتخابات الرّئاسة على أصوات 75 مليون ناخب أمريكيّ تعطي دلالات كبيرة على مدى الإنشقاق الذي غذّاه ترامب نفسه داخل الشّعب الأمريكيّ، وإلى مدى نموّ اليمين المحافظ المتطرّف والمتصهين داخل أمريكا نفسها.

إنّ وصول متطرّف عنصريّ مثل ترامب إلى الرّئاسة الأمريكيّة وما تمثّله أمريكا كأغنى وأقوى امبراطوريّة تتحكّم بمصير العالم، تشير إلى أزمة النّظام الرّأسمالي، وتضع علامات استفهام كبيرة حول الدّيموقراكيّة الأمريكيّة، ولنتذكّر بأن هتلر وصل إلى سدّة الحكم  في ألمانيا من خلال الإنتخابات أيضا، وشنّ حربه على العالم، وقتل أكثر من 70 مليون إنسان، ودمّر أوروبا.

كما أنّ وصول ترامب للرّئاسة الأمريكيّة عام 2016، والسّياسات التي مارسها تضع علامات سؤال حول أمريكا كدولة مؤسّسات تحكمها القوانين، فهل كانت المؤسّسات الأمريكيّة تدعم سياساته الجنونيّة التي ألحقت الأضرار بأمريكا نفسها وبالعالم أجمع؟ فإن كان الأمر كذلك فإنّ العالم يقف على كفّ عفريت الصّراعات التي ستُدخل العالم في حرب كونيّة ثالثة ستدمّر الكرة الأرضيّة ومن وما عليها. وإن لم تكن داعمة له فلِمَ لَمْ تردعه؟

ويبقى السّؤال حول الحصانة التي يتمتّع بها الرّؤساء الأمريكيّون حتّى بعد انتهاء فترة رئاستهم، فهل سيجرؤ الكونغرس الأمريكي على سحب الحصانة منه ومحاكمته على جرائمه، والتي أقلّها مسؤوليّته عن اقتحام مبنى "الكابيتول" مقرّ الكونغرس يوم 6 يناير الحالي وما تمخّض عنه مقتل أربعة أشخاص؟ وفي تقديري فإنّ الكونغرس لن يفعل ذلك خوفا من عشرات الملايين الذين انتخبوا ترامب، ولو فعل ذلك فإنّ أمريكا ستدخل في حرب أهليّة، خصوصا وأنّ الأمريكيّين في غالبيّتهم يملكون أسلحة ناريّة. فالدّستور الأمريكيّ ينصّ على حقّ كل مواطن أمريكيّ في امتلاك السّلاح "للدّفاع عن النّفس"، والمدن الأمريكيّة تعجّ بمحلّات بيع الأسلحة.