شرايين الأرض.. ورود التحرير - سمير دياب

2020-05-25

 شرايين الأرض.. ورود التحرير

سمير دياب

في الخامس والعشرين من شهر أيار – مايو عام 2000، خرجت أم الشهيد من منزلها مسرعة نحو الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة، تحمل في يمناها صورة إبنها المقاوم الشهيد، وفي يسراها باقة من ريحان عطر الجنوب المقاوم.. لتحتفل بالإنتصار على المحتل الصهيوني والتي دفعت أثمانه من كبدها وقلبها ونضالها مع أمهات وزوجات كثيرات في الوطن بانتظار هذه اللحظات التاريخية.

هي لحظات تشبه ولادة شهداء المقاومة من جديد. والولادة حياة. والحياة هي إنتصار على المحتل والموت.

في هذا اليوم المجيد، هاجت الطرقات وماجت الساحات فرحاً. ورقصت الجبال والوديان والمغاور على إنغام ذكرياتها مع موسيقى المقاومين الشهداء منهم والأسرى المحررين قبل يومين من معتقل الخيام.

هي لحظة تحول الوطن كله نحو الجنوب. وكان هذا الجنوب مفخرة لكل الوطن.

كبر الحلم بعد التحرير بالتغيير، لكن مستلزماته بقيت غير متوفرة، بفعل حسابات ومصالح سياسية طبقية للسلطة مغايرة عن مهمة التحرير. فالتغيير، يعني التحرر الاجتماعي والسياسي، وبناء دولة وطنية ديمقراطية علمانية. والعلمانية مكروهة جداً من أرباب تحالف النظام السياسي المغروم بالطائفية والمذهبية، والغارق في التبعية، والعاشق لنظريات مشاركة المحاصصات والصفقات وتعميم الفساد.

بعد عشرين عاماً من إنجاز التحرير الوطني، يجب على من بادر لإمتشاق سلاح المقاومة بفكرة ومشروعه الوطني التحرري وأنجب جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية بمكوناتها السياسية، أن يكمل مهمته الوطنية والطبقية بثقة وعزم وصلابة وتنظيم ومراجعة نقدية مسؤولة وجريئة، تكون مفيدة وفاعلة لخطة مواجهة مشروع الاستعمار الاميركي الجديد - الشرق الاوسط الجديد المباشر، أو مواجهة مشروع تسليم البلد إلى صندوق النقد الدولي الوافد الينا بعد أن أشهر النظام السياسي- الطائفي إفلاسه، ونهب الخيرات والثروات، وقوض الانتصار، وأعدم حقوق صغار المودعين، وسرق قوت العمال والكادحين، وعمم الفساد والزبائنية، ونشر الجوع والفقر البطالة.. وها هم أرباب هذا النظام اليوم يمعنون في تحويل العمال والموظفين وصغار الكسبة إلى متسولين.

لقد ثبت نظرياً وعملياً، أن غايات مشروع التحرر الوطني، هو تلازم التحرير والتغيير الديمقراطي. فلا تحرير من دون مقاومة ضد الاستعمار الامبريالي والمحتل الصهيوني، ولا تغيير ديمقراطي من دون مشروع وطني ديمقراطي ضد نظام سياسي طائفي رجعي لا مصلحة له، ولا منفعة تعود عليه بالتغيير. لذلك، هو ثابت راسخ على مواقفه الرأسمالية، وعلى حماية نظامه بالتبعية للخارج. وهو حريص جداً على حراسة ودعم نظامه الإقتصادي الريعي ولو تفشى الجوع والجرب وطال 99% من أبناء الوطن. وكل ترقيع أو تبرير لهذا الطرف أو ذاك في السلطة السياسية، أو التفريق بينهم في المسائل الاقتصادية والاجتماعية، يعني، المزيد من قتل الوقت، وزيادة جيوش الفقراء، واقتراب موعد رهن الوطن بتضحياته وإنتصاراته إلى العدو الإمبريالي ومؤسساته النقدية التي ستذيق شعبنا المقاوم " الكأس المر" المغمس بفتات الخبز اليابس المتوفرة والباقية لديه .

يراهن الفقراء على نهوض حزب المقاومة والتغيير والشهداء والمشروع الوطني. وعلى هذا الحزب إلى جانب الطبقة العاملة ونقاباتها المستقلة والأحزاب والقوى والهيئات والقطاعات الوطنية الديمقراطية المؤمنة بالتغيير، أن يكون- يكونوا - على مستوى هذا الرهان الوطني.

فالصراع الطبقي، هو صراع من أجل التغيير. والإنتفاضة الشعبية ليست فورة غضب عابرة كما تحاول ثقافة النظام السياسي الطائفي والطغمة المالية تعميمها، أو فرض ثقافة القمع وكم الأفواه وحبس الكلمة، أو تهديد وملاحقة وضرب الشباب من المناضلين والمناضلات.. لذلك، لم يعد تنفع هذا الممارسات الشنيعة لإنها تنم عن عجز وإفلاس. وبالتالي، لم تعد بيانات الاستنكار لوحدها مجدية من دون تنظيم المعركة وتوحيد الصفوف والتقدم بالمشروع الوطني لإنقاذ الوطن وشعبه ومقاومته.

في هذا العيد الوطني العظيم، تحية إلى شرايين الأرض.. ورود التحرير. كل الحب والوفاء لشهداء المقاومة. كل السلام والشوق لجثامين المقاومين في فلسطين المحتلة. وكل التحية والعرفان للأسرى المحررين، والتحية لكل من ساهم وشارك ودعم وصمد وقدم للمقاومة من أجل التحرير.