الضغط المتصاعد والانفجار القادم عمار الدويك

2020-05-07

الضغط المتصاعد والانفجار القادم

عمار الدويك

بالأمس اتصل بي عدد من الاسرى من داخل سجون الاحتلال يطلبون التدخل في موضوع قيام أحد البنوك العاملة في فلسطين بتجميد حساباتهم البنكية التي يعتمدون عليها وعائلاتهم في تحقيق احتياجاتهم الأساسية. البنك الذي قام بالتجميد استجاب كما يبدو لرسالة نشرها محام يعمل في منظمة إسرائيلية غير حكومية مهمتها الأساسية شيطنة الفلسطينيين ووصمهم بالإرهاب، خاصة الاسرى وأي جهة تقدم الدعم المالي لهم، ومنظمات المجتمع المدني الفلسطيني التي توثق انتهاكات الاحتلال وتقدم ملفات إلى الجنائية الدولية.

قد يبدو خوف البنك مبررا للبعض خاصة انه يواجه قضايا مرفوعة عليه في الولايات المتحدة بمئات ملايين الدولارات، وهو يخشى ان يتم استغلال موضوع حسابات الاسرى ضده أمام القضاء الأمريكي المعروف بانحيازه لإسرائيل.

بنك اخر من البنوك المهمة في فلسطين يواجه قضايا بعشرين مليار شيكل في إسرائيل تحت حجة دعم الإرهاب. حتى وإن لم تنته هذه القضايا بأية ادانة للبنك، سوف تتضرر سمعته طوال مدة التقاضي وقد يلجأ العديد من المودعين الى سحب ودائعهم خوفا من صدور احكام قضائية ضد البنك. لذا نجد أن هذا البنك يمارس رقابة ذاتية شديدة أكثر من تلك التي تتطلبها الأوامر العسكرية الإسرائيلية أو قوانين محاربة الإرهاب الدولية، ويبادر الى اغلاق حسابات بشكل احادي، ويرفض إجراء حوالات مالية لغزة او للجان الزكاة. ويخشى من الأوامر العسكرية الإسرائيلية أكثر من خشيته القانون الفلسطيني وتعليمات سلطة النقد.

وبالأمس ايضا نشرت صحيفة "الجيروزالم بوست" اليمينية الاسرائيلية تقريرا تحريضيا يتهم بعض مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني بأن لها صلات بالإرهاب، ويذكر الزميل شعوان جبارين مدير مؤسسة الحق بالاسم، ويتهم الاتحاد الأوروبي بانه يمول الإرهاب كونه يمول بعض هذه المؤسسات ويحرض على ممثل الاتحاد الأوربي في القدس. سبق ذلك ان أضاف الاتحاد الأوروبي شرطا جديدا في اتفاقيات التمويل يطلب من أي مؤسسة ترغب في تلقي تمويلا أوروبيا ان تلتزم بعدم تقديم أي دعم لاي منظمة يظهر اسمها في قائمة العقوبات الأوربية، وهذه القائمة تعتبر حماس والجهاد والجبهة الشعبية منظمات ارهابية.

العديد من مؤسسات المجتمع الفلسطيني تواجه خطر الإفلاس لأنها ترفض توقيع هذا البند، في المقابل الاتحاد الأوروبي يريد ان يبعد عن نفسه وصمة دعم الإرهاب ويصر عليه. لكن ممثل الاتحاد الأوربي في القدس وجه رسالة توضيحية لبعض مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني يشير فيها ان البند الوارد في عقود الاتحاد الأوربي لا يحول دون استفادة أي شخص طبيعي فلسطيني منها حتى لو كان هذا الشخص متعاطف او منتم لفصيل فلسطيني. هذا التوضيح اعتبرته إسرائيل تواطؤاً من الاتحاد الأوروبي مع "الإرهاب الفلسطيني" وشنت حملة تحريض على ممثل الاتحاد الأوربي في القدس، والأغلب ان ينتج عن هذه الحملة مزيد من التشدد الأوروبي في تقديم الدعم للمؤسسات الفلسطينية.

تأتي هذه الضغوط في ظل عجز في الموازنة العامة الفلسطينية سيصل هذا العام مليار و400 مليون دولار، وهو عجز ناتج عن ضعف التحصيل بسبب جائحة كورونا وأيضا عن حسم إسرائيل أكثر من 500 مليون دولار استنادا الى قانون إسرائيلي يعاقب السلطة الفلسطينية على تقديم مساعدة اجتماعية للأسرى وعائلات الشهداء، بالإضافة الى تراجع الدعم العربي والدولي للسلطة الفلسطينية. الحكومة قد لا تستطيع دفع رواتب موظفيها قريبا فضلا عن تلبية الاحتياجات الأساسية للمجتمع من تقديم خدمات ودعم الفئات المهمشة التي ازدادت بسبب الجائحة.

الحلقة تضيق على مكونات المجتمع الفلسطيني من سلطة وطنية الى قطاع خاص وقطاع مصرفي الى مؤسسات مجتمع مدني، مرورا بالأسرى وعائلاتهم، في ظل وباء استنزف الاقتصاد. ويتصاعد الضغط المالي والتحريض بشكل غير مسبوق قبيل أشهر من الموعد المعلن لقيام اسرائيل بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، مستغلة الغطاء الأمريكي وانشغال العالم بمواجهة كورونا. وقد اعجبني عنوان لتقرير صادر عن أحد مراكز البحث الإسرائيلية "الضم برعاية كورونا".

في مواجهة هذه المخاطر الخارجية نعيش حالة من الانكفاء على الذات والانشغال بأنفسنا، وكأن الاحتلال غير موجود، فأصبحت الشيطنة المتبادلة لغة شائعة خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، في حين وصل الاحتقان الداخلي درجات غير مسبوقة تنذر بانفجار مجتمعي، مع غياب الثقة بالمؤسسات، والوصول إلى مرحلة التأزيم الخطير أمام اية مشكلة او خطأ يحدث هنا أو هناك.  وحتى لا يتحول هذا الاحتقان الى انفجار داخلي، يجب المسارعة الى اتخاذ خطوات جدية وسريعة باتجاه ترتيب البيت وتحصين الجبهة الداخلية.

قد تكون مواجهة واحباط المخططات الإسرائيلية في الوقت الحالي أمراً خارج القدرة الفلسطينية، لكن هناك أمورا كثيرة ضمن قدرتنا وعلى راسها ترتيب صفنا الداخلي في مواجهة المحتل من خلال إنهاء الانقسام، والإصلاح الحقيقي للمؤسسات، وتوزيع أعباء المرحلة بشكل عادل، والدعوة للانتخابات. وبقدر ما تبدو الصورة قاتمة وشديدة الحلكة نتيجة الخطر الخارجي المتعاظم، والوضع الداخلي المتشرذم، لكني على ثقة ان الشعب الفلسطيني العظيم قادر دائما على اجتراح المعجزات، وكما عودنا على المفاجآت سوف ينفجر في اللحظة المناسبة، المهم أن يتوجه الانفجار في الاتجاه الصحيح وهو الاحتلال، واذا لم يتم تدارك الوضع الداخلي قد يتحول الانفجار إلى انتحار.