هل استأثرت بها فتح؟! لجان طوارئ "كورونا".. جدلية المرجعية والصلاحيات

2020-05-01

                     هل استأثرت بها فتح؟!

لجان طوارئ"كورونا".. جدلية المرجعية والصلاحيات

في ضوء إعلان حالة الطوارئ يوم الخامس من آذار/مارس الماضي، لمواجهة تفشي فيروس كورونا "كوفيد-19"، أصدرت وزارة الحكم المحلي في الثاني عشر من الشهر ذاته، إيعازًا للمجالس المحلية، بتشكيل لجانٍ تطوعية من الأفراد والمؤسسات والقوى المجتمعية والوطنية، لتقديم الدعم المجتمعي، وفق تعليمات وتوجيهات وزارة الصحة ولجنة الطوارئ في كل محافظة.

بعد مرور أكثر من (40) يومًا على إنشاء تلك اللجان التي بلغ عددها نحو (400) لجنة في الضفة الغربية، لا تزال تُطرح الكثير من التساؤلات حول أهليتها القانونية، وصلاحياتها، والدور المنوط بها، بعدما تخلل عملها العديد من الإشكاليات، وأبرزها كما جاء في ورقة موقف صدرت عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم": "سيطرة عناصر "حركة فتح" عليها، لا سيما في البلدات والقرى البعيدة عن مراكز المدن، وممارستهم أعمالًا تمس بالحقوق والحريات الأساسية للمواطنين.

لجانٌ مؤقتة

منسق عام الحملة التطوعية في وزارة الحكم المحلي باسم حدايدة، قال: "إن لجان الطوارئ ذات طبيعة عمل مؤقتة، ففي اللحظة التي تنتهي فيها حالة الطوارئ، يتوقف فيها عمل اللجان مباشرة".

وجاء تشكيل اللجان -تبعًا لحدايدة- في إطارٍ مجتمعيٍ جامع، وبإشراف الهيئات المحلية، بحيث يكون رئيس كل هيئة محلية رئيسًا أيضًا للجنة الطوارئ المستحدثة، بينما يكون أحد أعضاء الهيئة المحلية، هو المنسق التنفيذي لأعمالها، بالتعاون مع المجتمع المحلي والقوى الوطنية، والشخصيات الاعتبارية، والمؤسسات الرسمية في كل بلدة، مؤكدًا أن دورها الأساسي هو "إسناد الجهات الرسمية التي تطلب المساعدة، كوزارة الصحة أو أية وزارات أخرى".

وأوضح أن "الحكم المحلي" هي الجهة الناظمة لعمل اللجان، غير أنها تتبع من الناحية العملية للجنة الطوارئ المركزية في كل محافظة، التي يقع على عاتقها إعطاء الأوامر والقرارات للّجان لتنفيذها والعمل عليها.

تساؤلات عديدة

وسط ذلك، نشرت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" في الثالث والعشرين من نيسان/ إبريل المنصرم، ورقة موقف، قالت إنها استندت في مضمونها إلى مشاهداتها وملاحظاتٍ خاصة، أظهرت أن اللجان تشكلت إمّا من خلال مبادراتٍ اجتماعيةٍ من الأهالي أنفسهم، أو من خلال قراراتٍ تنظيميةٍ منسوبةٍ لحركة "فتح" في كل منطقة، وكذلك من قبل المجالس المحلية في القرى والبلدات، التي تنفرد "فتح" بكلمتها العليا، كما المدن، حيث تولت الحركة مسؤولية تشكيل لجان الطوارئ في أحياء معظمها.

ولفتت الهيئة إلى أن بعض تلك اللجان مارست صلاحيات عامة بنصبها للحواجز، وإغلاق المحال التجارية والمقاهي، وتنظيم عملية دخول البضائع وخروجها، وجمع التبرعات النقدية والعينية من السكان، وتقديمها كمساعدات اجتماعية للفئات المتأثرة من الأزمة، وتنفيذ ومراقبة الحجر الصحي المنزلي، وفي بعض الحالات استجواب المواطنين عن وجهات وغايات تحركاتهم.

وهو دورٌ عدّته الهيئة "مفتقرًا للمرجعية القانونية، ومسًا بالحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، كالحق في الحرية الشخصية، وحرية التنقل والخصوصية"، عوضًا عن الصبغة السياسية الظاهرة في تشكيلات اللجان.

وأضافت ورقة الهيئة: "تشكيل لجان الطوارئ المحلية لم يستند إلى قواعد وإجراءات موحدة بإطارٍ أو تفويضٍ قانونيٍ يضفي عليها نوعًا من الشرعية القانونية في ظل حالة الطوارئ؛ بل يظهر من خلال تتبع تشكيل عدد من هذه اللجان، وجود اختلافٍ في آلية تشكيلها من منطقةٍ إلى أخرى".

"مليئة بالمغالطات"

لم ترُق ورقة الموقف تلك لوزارة الحكم المحلي، إذ أكد حدايدة أن الهيئة لم تتوجه إلى الجهة التي أنشأت اللجان وهي "الحكم المحلي"، ولم تطّلع على الإجراءات الخاصة بها، مشيرًا إلى أن الورقة "احتوت على الكثير من المغالطات" على حد قوله.

وشدد على أن تشكيل اللجان له ضوابط ومعايير واضحة، نافيًا وجود "تغوُّل من أية قوة أو حركة وطنية عليها (...) لم يكن هناك أي اعتراض على مشاركة أحد إذ تشارك القوى الوطنية في (90%) من اللجان التي لم تُفَصَّل على خلفية سياسية".

وأضاف: "من لديه الطاقة والرغبة بالعمل فليتفضل، لا نضع فيتو أو شروط على أحد (...) الإشكاليات التي وردت في ورقة الموقف "عارية عن الصحة، فلم تقع اللجان في أي إشكاليات، باستثناء حدث صغير في قرية أم سلمونة قضاء بيت لحم، وتم تجاوزه".

ونفى حدايدة ممارسة لجان الطوارئ أي عمل غير مهني، "فهناك تفاهمات مع الأجهزة الأمنية بإسنادها من قبل لجنة الطوارئ في حال طلبت ذلك، خاصةً على حواجز المحبة، كتسجيل العمال والمساعدة في عملية توزيع المنشورات التوعوية، ونقل العمال إلى مراكز الفحص، والقيام بعمليات التعقيم".

ولفت إلى أن الأجهزة الأمنية كانت تعمل بلباسٍ مدني في المناطق المصنفة (ج)، ولم يتم الاعتداء على حرية وحقوق المواطنين، بل جرى تنفيذ تعليمات لجنة الطوارئ العليا في مجلس الوزراء، ولجنة الطوارئ في كل محافظة.

واتهم حدايدة الهيئة، بعدم إعداد الورقة وفقًا للأصول "إذ وقعت في خطأ حين أشارت إلى قانون وزير الداخلية، المتعلق بتنظيم عمل المتطوعين في الدفاع المدني، كمرجعيةٍ لعمل لجان طوارئ كورونا، وكذلك أخطأت في التفريق بين لجان الطوارئ التي شُكِّلت من قِبَل الهيئات المحلية، وبين اللجان التي شُكِّلت من قبل الفصائل والقوى الوطنية".

وذهب إلى القول: "اللجان تعمل بطريقة غير مركزية، وهي من تقرر فعالياتها وطبيعة عملها،  بشرط التنسيق مع الجهات الرسمية كلجنة طوارئ المحافظة، ووزارة الصحة، ووزارة التنمية الاجتماعية، والأجهزة الأمنية".

"تجاهل سياسي"

عضو المكتب السياسي لحزب الشعب فهمي شاهين، قال: "كان واضحًا وجود إرادة سياسية وعلى كل المستويات، للحيلولة دون مشاركة أي قوى مجتمعية أو سياسية في لجان الطوارئ، والحفاظ على طابعها الفئوي لصالح حركة فتح، وقد حذّرنا من ذلك".

وقال: "هذا أمرٌ لا يخدم جهود مكافحة "كورونا"، ولا الشراكة الوطنية والمسؤولية السياسية والاجتماعية بمواجهة الجائحة (...) توجد عشرات الأمثلة التي تدلل على طابع اللجان الفئوي وسوء أداء بعضها من جانب العمل، أو في التعامل مع المواطنين، أو الإحلال مكان الجهات الأمنية والصحية".

وردّ شاهين على ادّعاء عدم مبادرة الفصائل للانخراط في تلك اللجان، بالنفي المطلق، قائلًا: "معظم اللجان تشكلت من قبل الهيئات الحكومية والمحافظين، وتم تحديد أسماء أعضائها دون الرجوع للآخرين أو إعلامهم، وقد صدر قرار بذلك، وحين راجعنا الأمر تم تجاهل ملاحظاتنا، وفي بعض الأماكن تدخلت أجهزة أمنية وحركة فتح، ورفضت دخول أو مشاركة عناصر من خارج التنظيم".

وكان رواد مواقع التواصل الاجتماعي، تداولوا تعميمًا صدر عن جهاز الأمن الوقائي يقضي بمنع من لا ينتمي لحركة فتح أو الأجهزة الأمنية، من الانخراط في لجان الطوارئ والإغاثة، كما سُجّل وقوع عدة شجارات بين لجان الطوارئ ومواطنين على خلفيات مختلفة في عدة مناطق.

"الفصائل لم تبادر"

وينفي الناطق باسم حركة "فتح" حسين حمايل أن تكون الحركة هي من شكلت "لجان الطوارئ" أو سيطرت عليها، موضحًا أن الهيئات المحلية، هي من أشرفت على التشكيل، بقرارٍ من وزارة الحكم المحلي، شرط أن تشمل جميع المؤسسات والفعاليات في كل تجمع.

وأضاف: "لم يتقدم أحدٌ غير فتح للانضمام إلى لجان الطوارئ، ونسبة الالتزام والعمل من قبل شباب فتح هي الأعلى"، متسائلًا بصيغة النفي: "هل جاء أحد من فصيلٍ آخر كحماس أو الجهاد أو الجبهة الشعبية، وطلب أن يشارك ورُفض طلبه؟!".

ولفت حمايل إلى أن بعض اللجان ضمّت في عضويتها عناصر شبابية من فصائل أخرى، انخرطوا في العمل بشكلٍ شخصي، وليس بشكلٍ رسمي فصائلي.

وحول غياب المسوِّغ القانوني الذي يُخوِّل لجان الطوارئ، بممارسة الصلاحيات والأعمال التي تنفذها، ردَّ حمايل: "تعمل اللجان بمسوّغ وقرار الهيئات المحلية والبلدية، وكل لجنة طوارئ يرتبط عملها بالمواطنين، فمثلًا اللجنة التي تقف على الحواجز، يشرف عليها ضابط أمن ويتابعها، وبالتالي ما المانع القانوني لعمل هؤلاء الشبان؟ وبماذا خالفوا النظام؟!".

طرف في خلاف

ورغم التصريحات الرسمية التي تشيد بـ"حواجز المحبة" التي أنشأتها بعض لجان الطوارئ وبنشاطها خاصة في القرى، إلا أن هذه المحطات شكلت سببًا لعدد من الشجارات والخلافات في مناطق عدة.

وكانت قرية "أم سلمونة" قرب بيت لحم، شهدت في الخامس من نيسان/إبريل الماضي، شجارًا كبيرًا بسبب الحاجز المقام على مدخلها، بعد أن منعت لجنة الطوارئ أحد شبان قرية جورة الشمعة القريبة، من الدخول بمركبته لزيارة أقربائه، وتطوَّرَ الأمر إلى شجارٍ عنيفٍ بين أهالي القريتين ما تسبب بوقوع إصابات.

كما شهدت بلدة "بيت لقيا" جنوب غرب رام الله في الثالث من نيسان/إبريل الماضي، شجارًا بين الأجهزة الأمنية، وأعضاء في بلدية "بيت لقيا" ولجنة الطوارئ فيها، ما أحدث حالةً من الفوضى والهلع في البلدة، حيث اقتحمت عناصر من الأجهزة الأمنية البلدة بشكل عنيف، وسط إطلاق النار في الهواء، بعدما تعرض أحد زملائهم للضرب المبرح.

في حين كانت لجان الطوارئ ذاتها مستهدفةً ممن يُعرَفون بـ"مهربي العمال"، كما حدث في الثالث عشر من نيسان/إبريل الماضي، في قرية النبي صالح غرب رام الله، حيث أصيب عنصران من لجنة الإسناد والطوارئ، وهما أيضًا عناصرٌ في قوات الأمن الوطني، جرّاء طعنهما من قبل من يُعتَقدُ أنهم عمال ومهربون.

المصدر: موقع "وطن للانباء" نقلاَ عن (شبكة نوى)