عالم جديد وأكثر جمالًا بعد الـ"كورونا" - صلاح دباجة

2020-04-03

عالم جديد وأكثر جمالًا بعد الـ"كورونا"

صلاح دباجة

جميع النظم الاجتماعية التي عرفتها البشرية، على مر التاريخ، كانت تحمل في طياتها عناصر زوالها والنظام الرأسمالي اليوم لا يختلف عن تلك الانظمة التي اندثرت الى غير رجعة. فالفظائع الرهيبة التي اقترفتها الرأسمالية، على مدار القرنين الماضي والحالي، من أجل مواصلة سيطرتها على شعوب العالم وثروات هذه الشعوب وما تحملته البشرية بسبب ذلك من ويلات ومآسٍ، لا يمكن ان تستمر الى ما لا نهاية.

واليوم تواجه شعوب العالم بصبر جميل وبجلادة منقطعة النظير جائحة الكورونا التي اقتنصت ارواح أكثر من 47 ألف انسان حول العالم وما زالت تتهدد ارواح مئات ألوف بني البشر في حين ان النظام الرأسمالي يظهر مزيدًا من العجز في مواجهة هذا الوباء العالمي وان كل ما كان يتغنى به طوال عشرات السنين حول الدولة الديمقراطية ودولة الرفاه الاجتماعي مجرد شعار زائف لا يمِتُّ للواقع بصلة.

ودول أوروبا الرأسمالية هي اليوم الأكثر تضررا بالوباء، اذ  تجاوزت الوفيات فيها، حتى أمس الأول الخميس، الماضي 30 ألف شخص. وسجلت إيطاليا أكبر عدد من الوفيات 13155 حالة، تليها إسبانيا بـ9053 حالة وفاة، ثم فرنسا التي تجاوزت 4 آلاف وفاة. وفي ألمانيا بلغ عدد الوفيات 732. وتجاوز عدد الوفيات، فجر أمس الاول الخميس، في الولايات المتحدة الخمسة آلاف. ويقدر الرئيس الامريكي انه في حالة وفاة 100 ألف او مئتي الف امريكي فان ذلك يعتبر نجاحًا.  هذا عدا عن ان هذه الجائحة ستترك تأثيرات خطيرة جدًا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتبادل والتعاون الدولي لمعظم دول العالم .

نعم هكذا يكون الحال من التشاؤم عندما يكون في مركز اهتمام هذه الدول تخصص الميزانيات الضخمة للشؤون العسكرية. فالميزانية العسكرية الامريكية لهذا العام بلغت 738 مليار دولار 17,5 مليار منها مخصص للتدخل العسكري في شؤون الدول في الخارج وجزء آخر من الميزانية مخصص لإنشاء "قوة فضائية" قوامها 16 ألف شخص، ستكون القوة السادسة في الجيش الامريكي، بعد قوات البر والبحر والجو ومشاة البحرية وخفر السواحل. هذا في الوقت الذي تسعى هذه الدول الى تقليص ميزانيات الصحة والتعليم والرفاه الاجتماعي للحد من العجز في ميزان مدفوعاتها !!

كما انها تتجنب القيام بالأبحاث المتخصصة وفي اتخاذ الاجراءات الاحترازية والكشف عن مصدر الفيروس، انما على العكس تتعمد تسييس قضية الصحة العامة ومواصلة التحريض على الصين من خلال استغلال سفيق لهذا الوباء بدل من المؤازرة والتكاتف بين الشعوب والسعي الى تعزيز الوعي بالمصير المشترك للبشرية كون ان انتشار هذه الوباء لا يعرف الحدود الجغرافية ولا يميز بين شعب وآخر. وهذا القلق من سرعة وتيرة تفشي هذا الوباء على مستوى العالم عبر عنه مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس يوم الأربعاء اذ وصل حتى الآن إلى 205 دولة ومنطقة.

فالدول الرأسمالية التي في مقدمة اهتمامها جني الارباح لا يهمها رفاهية الشعب ودعم تنمية الدولة وحماية السلام والاستقرار العالميين وفي مثل هذه الاوضاع هي غير مؤهلة وغير مستعدة لمواجهة محنٍ كالكورونا وغيرها من الاوبئة لذلك فان شعوب هذه الدول هم ضحايا هذه السياسة الإجرامية.

هذا في حين ان الصين حكومة وشعبا حققت انجازًا هما  في مواجهة الوباء وتمكنت، بتفاني الشعب الصيني، الذي يتحلى بالمسؤولية الاجتماعية، وتضحيات الاطقم الطبية المأثورة  وسرعة حركة القيادة الصينية، اعتمادًا على ما احرزته من تقدم في المجال الصحي والتطور التكنولوجي من السيطرة على انتشار الفيروس، وكانت رائدة في ذلك مقدمة تجربتها بكل شفافة للعالم لمواجهة هذا الوباء، بعد ان حصد ارواح3316 ألف انسان. كما ان الصين لم تتوان على أرسال أطقمها الطبية صاحبة التجربة الرائدة وادويتها واجهزتها التكنولوجية المتطورة والناجعة في مواجهة هذه الجائحة الى العديد من دول اوروبا واسيا للمساعدة الاممية في القضاء على هذا العدو للبشرية. كذلك فعلت دول اشتراكية اخرى مثل كوبا وفنزويلا وفيتنام.

هذا في حين ان الولايات المتحدة، التي يستجدي رئيسها الآن المساعدة من كل دول العالم لمواجهة انتشار الوباء، وقفت متفرجة وشامتة بتفشي الوباء في الصين. بل حرضت على الصين بهدف تعميق الهلع الشعبي هناك وكأن الصين هي مصدر الوباء!!

واليوم وفي الوقت الذي يشدد فيه الرئيس الصيني، شي جين بينغ، على تنسيق جهود السيطرة على مرض فيروس كورونا والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والسعي بقوة لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية هذا العام، يقف الرئيس الامريكي المستهتر ترامب منزوع الحيل أمام هذه المحنة. وهذا ما يؤكده استطلاع نشرته صحيفة "يو.اس. ديللي" الامريكية ويظهر ان 61% من الناخبين الامريكيين يعتقدون بان ترامب لم يكن مستعدًا لمواجهة هذا الوباء.

ما نتمناه اليوم هو تعميق وتعزيز التعاون بين جميع الدول وجميع الشعوب للقضاء على هذا الوباء بأسرع ما يمكن لتجنيب البشرية المزيد من الضحايا والمزيد من الخسائر الاقتصادية المؤرقة ونحن على ثقة بان مثل هذا التعاون الصادق سيقود سريعا الى وضع حدٍ لانتشار هذا الوباء الخبيث.

والدرس الذي ينبغي تعلمه من هذه المحنة هو أن الاقتصاد الاشتراكي الجماعي يتفوق على الاقتصاد الرأسمالي الذي يسعى الى المزيد من الارباح حتى لو اعتمد على انتاج وسائل القتل والتدمير. فالاقتصاد الاشتراكي يوفر ما يحتاجه المجتمع من ضروريات لحياة إنسانية كريمة وهذا ما ينسف كل محاولات الامبريالية، على مدار عشرات بل مئات السنين، ترسيخ قيما زائفة لا اساسا اجتماعيا لها بين الدول والشعوب في هذا العالم وهذه القيم لم تتجاوز امتحان الكورونا.

اننا على ثقة بان نصحو ذات يوم وقربيًا جدًا، على عالم جميل وأكثر انسانية ويختلف عن عالم ما سبق الكورونا.