الاحتلال الإسرائيلي وسماسرة التصاريح - جهاد عقل

2019-10-05

الاحتلال الإسرائيلي وسماسرة التصاريح

جهاد عقل

ضائقة تشغيلية وتجارة مزدهرة

منذ سنوات عدة ونحن نقوم ضمن نشاطاتنا النقابية في الحزب الشيوعي والجبهة بطرح ونشر موضوع تجارة التصاريح وظاهرة السماسرة  بموضوع العمال الفلسطينيين، ضمن جهودنا هذه وجهود العديد من المؤسسات والباحثين والإعلاميين وتجنيد جهات نقابية دولية ومعها منظمة العمل الدولية وبالتعاون مع جهات نقابية فلسطينية طبعا، بقي هذا الموضوع في مركز أجندة الضغط على الحكومة الاسرائيلية وإخطبوطها الامني الاحتلالي المتمثل بما يسمى "الإدارة المدنية" والذي يدير سياستها الاحتلالية في الأراضي الفلسطينية امنياً واقتصاديا.

نعم ضمن هذه الجهود المشتركة جرى الكشف وبوضوح عن بشاعة ظاهرة تجارة التصاريح ومن يقوم بها من السماسرة، ومعظمهم ممن يحظى بدعم الاحتلال الإسرائيلي، حيث يتمثل هذا الدعم بفتح الباب لهم للحصول على تصاريح عمل من جهة وغض النظر عن مخالفتهم للقانون والإتجار بهذه التصاريح من جهة أخرى. مستغلين الضائقة التشغيلية التي يعيش بها العمال تحت الاحتلال وتنامي البطالة وفقدان فرص عمل بدخل لائق في سوق العمل الفلسطيني.

 بحث "بنك إسرائيل" يكشف مجددا عمق المأساة

ضمن هذا الموضوع أصدر البنك المركزي "بنك إسرائيل" يوم الأربعاء 25 أيلول/سبتمبر 2019 بحث هام تناول فيه قضية تجارة تصاريح العمل غير القانونية، اعتمد فيه الباحثان على مسح ميداني (إجراء مقابلات مباشرة مع عمال حصلوا على تصاريح من سماسرة) وإحصائي من مختلف الجهات ومنها دائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية وغيرها من المصادر الداعمة والأبحاث بهذا الخصوص.

قام بالكد على إعداد هذا البحث الشامل الباحثان: حجاي أَطقس من بنك إسرائيل ووفاق عدنان من قبل فرع جامعة نيويورك في أبو ظبي، ومن المتوقع نشر البحث الكامل قريباً في إصدار مجموعة أبحاث للبنك ، وجاء هذا البحث تحت عنوان: "تجارة غير قانونية بتصاريح العمل للعمال الفلسطينيين في إسرائيل، الوضع القائم والإصلاح المخطط له".

ظاهرة تشمل 30% من العمل بتصاريح

لن ندخل في التفاصيل المهنية الأكاديمية الكاملة وتشخيص كيفية إجراء البحث وصيغة الاستمارة التي أجاب العمال ممن قاموا بشراء تصاريح عمل، على الأسئلة التي طرحها عليهم الباحثان،  لمقتضيات البحث الاكاديمي .

لكننا نود أن نستعرض للقارئ بعض المعطيات الاحصائية التي يكشف عنها البحث، وتظهر لنا عمق الاستغلال الذي يتعرض له العمال الفلسطينيين ضمن هذا المسار أو ضمن طريق الآلام للحصول على لقمة العيش الكريم لعائلاتهم ، والذي يلقى الدعم المباشر أو غير المباشر من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

بداية يؤكد الباحثان أن ظاهرة الاتجار بالتصاريح غير القانونية تجري بعدة وسائل وهي، إما الاتصال المباشر مع السمسار أو عبر إعلانات في الفيسبوك أو من خلال سماسرة ثانويين ، ولا نستبعد أن يجري استغلال العمال - ضحايا فقدان فرص العمل- ليس فقط ماليا.. خاصة وأن هذه التصاريح تعطى من جيل 25 سنة وما فوق ، وكما هو معروف لا تمنح لمن كان لهم نشاط وطني في مقاومة الاحتلال.

المسح الذي يشمله البحث لا يشمل عمال منطقة القدس المحتلة والعاملين في المستوطنات الاحتلالية، هناك معطيات مختلفة بالنسبة لعدد العمال الحاصلين على تصاريح عمل ويعملون في سوق العمل الإسرائيلي وأكثريتهم الساحقة يعملون في فرع البناء، لكن قضية تجارة التصاريح والحاصلين عليها من السماسرة تُشكّل 30% من العمال الفلسطينيين العاملين بتصاريح في سوق العمال الإسرائيلي ويصل عددهم الى أكثر من 20 الف عامل، منهم 15054 و 5112 يعملون في الفروع الأخرى،  ووفق المعطيات التي حصل عليها الباحثان وبشكل مباشر من العمال فإن تكاليف التصريح في الشهر في فرع البناء تصل ما بين 2000-2500 شيكل في الشهر تدفع للسمسار، وفي الفروع الأخرى تصل تكلفة التصريح او أصح ثمن التصريح ما بين 1500 - 1650 شيكل للتصريح في الشهر.

دخل السماسرة سنويا نحو نصف مليار شيكل

يظهر الجدول الحسابي في البحث بأن ظاهرة تجارة التصاريح هذه تُدر دخلا سنويا على السماسرة يصل حوالي نصف مليار شيكل (481 مليون شيكل)  أو ما يعادل 137 مليون دولار أمريكي والربح الصافي لهؤلاء السماسرة يصل الى 122 مليون شيكل في السنة. اي حوالي 34 مليون دولار.

كما يكشف الباحثان على أن توزيع الدخل من التجارة غير القانونية للتصاريح  وفق الفروع التشغيلية هو كالتالي: 380 مليون شيكل من تجارة التصاريح في فرع البناء والانشاءات، و 101 مليون شيكل من الفروع التشغيلية الأخرى، والربح الصافي لجيوب السماسرة موزع كالتالي: 106 ملايين شيكل من تصاريح فرع البناء و16 مليون شيكل من الفروع التشغيلية الاخرى.

القرار الحكومي لإصلاح الوضع لم ينفذ

يشير الباحثان الى ان ظاهرة تجارة التصاريح غير القانونية تزدهر من سنة لأخرى، بل من شهر لآخر، على ضوء حالة البطالة المرتفعة التي تسود بين المواطنين الفلسطينيين بالمناطق الفلسطينية المحتلة، من جانب، ومن جانب آخر النمط الإداري القائم بعملية منح التصاريح لشركات ومشَغّلين إسرائيليين ، القائم على أساس عدم منح العامل إمكانية الانتقال من مُشَغّل لآخر، مما يعني تحول العامل الى رهينة لدى هذا المُشَغّل صاحب التصريح، وفي حال وقع خلاف أو طلب العامل زيادة في الأجر او قام بأي حراك لا يُرضي صاحب العمل ، يقوم الأخير بإعلام دائرة التصاريح إلغاء تصريح عمله وفصله من العمل دون فتح فرصة امامه للانتقال الى مكان آخر، هذا النظام شبيه بنظام "الكفيل" في دول الخليج العربي مع العمال الوافدين للعمل هناك.

يعتقد الباحثان أن أحد الأسباب الاضافية  لتوجه العمال الى التعامل مع سماسرة وتجار التصاريح يعود الى تمكنهم بعدم الالتزام للعمل لدى مُشَغّل معين، مما يمنحهم إمكانية المساومة على الأجر والحصول على أجر أعلى يساعدهم على دفع تكاليف التصريح للسمسار.

في ظل هذا الوضع الاستغلالي يوجه الباحثان الانتقاد الشديد للحكومة الاسرائيلية لعدم تنفيذها القرار الحكومي رقم 2174 الذي اتخذته بتاريخ 18 كانون الاول 2016 ، بخصوص إدخال مرونة ما على الانماط القائمة اليوم في منح تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين ومنها حق العامل بالانتقال من مكان عمل لآخر، وعدم تقييده بالعمل لدى صاحب التصريح الجماعي، وينص القرار الحكومي الذي يصفه الباحثان بأنه "إصلاح" في موضوع اصدار تصاريح عمل، على بناء مخزن معلومات محوسب يجري فيه تصنيف العمال وفق مهنهم واتمام إصدار التصاريح وحق الانتقال من مكان عمل لآخر دون أي قيد. يعتقد الباحثان ان هذه الخطوة قد تؤدي الى تحرير العمال من ظاهرة الاستغلال لدى السماسرة ووقف الاتجار بالتصاريح بشكل غير قانوني. كما يكشف البحث أنه يجري تنفيذ قرار الحكومي بشكل تجريبي منذ شهر آذار 2019 في المنطقة الصناعية "عطروت" بالقدس المحتلة.

لماذا لا يُحاكم سماسرة تصارح العمل؟

بالرغم من قيام مراقب الدولة بتوجيه انتقاد لاذع للحكومة بخصوص ظاهرة الاتجار بتصاريح العمل، الامر الذي يخالف القانون وعدم نجاعة الأسلوب القائم، وبالرغم من أن ظاهرة السماسرة هذه تجري تحت بصر وأنف السلطة الحاكمة، فهناك سماسرة تصاريح يستعملون الشبكة العنكبوتية ويعلنون عن بيع تصاريح بواسطة "الفيسبوك"، إلا أن الجهات المختصة المسؤولة عن تنفيذ القانون لا تحرك ساكناً ضد المخالفين له، ولا تقوم بملاحقة هؤلاء التجار، وكيف تقوم بذلك وهي المانح للتصاريح وتعي مسبقاً بأنها تمنح هذه التصاريح لسماسرة يخالفون القانون علناً؟

سمسار واحد فقط قُدم للمحكمة

هناك بعض المخالفات جرى تحريرها بشكل كما يقول مثلنا "على عينك يا تاجر"، ويكفي أن نذكر ما قام به أحد هؤلاء السماسرة من مخالفته جرى تقديمه للمحاكمة على خلفية قيامه بتقديم رشى لموظفين في دائرة إصدار التصاريح، وخلال المحاكمة اتضح أن هذا السمسار/التاجر بتصاريح وبشكل مخالف للقانون، حصل على 1341 تصريح عمل وقام بتجنيد أربعة سماسرة فلسطينيين ليقوموا ببيع تصاريح العمل في الفترة ما بين 2007 - 2010 كان دخله 4 ملايين شيكل، فكم بالحري لو قامت الجهات المختصة بمحاكمة هؤلاء التجار الذين يستغلون ضائقة العمال الفلسطينيين وتبحث في فرض أساليب منافية للمواثيق الدولية، وفتحت المجال لمنح تصريح العمل للعامل نفسه، ووقف حالة الاستنزاف هذه التي يتعرض لها العامل الفلسطيني في مسار البحث عن لقمة العيش الكريم، ففي النهاية لا بد لنا من التذكير أن مسؤولية الاحتلال أي احتلال توفير فرص عمل للعاملين في المناطق التي تحتلها، فهل سيحرك بحث بنك إسرائيل حكومة اليمين، التي تحمي قوى رأس المال وتجار التصاريح من خلال منحها لهم تصاريح عمل للتجارة بها بشكل مخالف للقانون ويكون العامل الفلسطيني ضحية هذه الظاهرة بدفع مبالغ طائلة من كده للسماسرة وربما لا يقف الأمر عند حد دفع هذه التكاليف فقط!