فضيحة تلفيق وقائع لتجريم الرئيس البرازيلي لولا بالفساد - سعيد مضية

2019-06-30

فضيحة تلفيق وقائع لتجريم الرئيس البرازيلي لولا بالفساد

سعيد مضية

تشير الأدلة التي تم الكشف عنها مؤخرا في فضيحة الفساد البرازيلية المعروفة بقضية حملت اسم ”غسيل السيارات” أن هناك دوافع سياسية وراء العديد من التحقيقات ومطالعة القضاء بالقضية. جرى تسخير القضاء بشقيه الادعاء العام والمحاكمة لتمرير مؤامرة سياسية، أبعدت حزب العمال البرازيلي عن الحكم وقدمته لليمين الفاشي برئاسة بولسونارو في الانتخابات الرئاسية في العام الماضي ،2018.

المؤامرة شارك فيها برازيليون وغير برازيليين ؛ فالبرازيل مجاورة لدولة فينزويلا، وعندما جرى التهديد بغزو فنزويلا في عهد تشافيز كان تصريح من جانب الرئيس الأسبق، لولا، كافيا لوقف الاستفزازات.كما ان البرازيل في عهد لولا من المؤسسين لمجموعة بر يكس الناهضة لليبرالية الجديدة المكرسة لهيمنة أميركا الاقتصادية و السياسية. ويعرف أنإدارة لولا خلال فترتين رفعت ملايين البرازيليين عن خط الفقر.

يوم الأحد 9 حزيران، نشر موقع انترسيبت بالبرازيل مقتطفات من وثائق سرية فاضحة تتضمن اعترافات خاصة بشكوك هيئة الادعاء العام بصدد وجود بينات كافية تثبت ان لولا مجرم بقبول رشوة من شركة إنشاءات وتبييض اموال، ادانته بموجبها محكمة يرأسها القاضي مورو وقضت بسجنه عشر سنوات، وحرمته بذلك من الترشح لانتخابات الرئاسة، ما مهد الطريق ام وصول بولسونارو الذي عين مورو وزيرا للعدلية.

مواد سرية تتضمن محادثات وتسجيلات وفيديوهات وصورا وإجراءات قضائية زودها مصدر لم يكشف عن نفسه، فجرت فضيحة شملت عددا من الشخصيات القيادية، والأوليغارشيات والرئيس السابق لبورسونارو وشخصيات أجنبية شاركت في متابعة قضايا الفساد في البرازيل

يجب إطلاق سراح الرئيس البرازيلي الأسبق لويز إيناسيو لولا دا سيلفا من السجن وإلغاء قرار إدانته. هذا ما قاله السيناتور الأميركي بيرني ساندرز يوم الثلاثاء 11حزيران 2019. واردف القول ان "لولا مسجون بقضية مسيسة لم يحظ بمحاكمة عادلة وإجراءات لائقة".

وطالب عضو مجلس النواب الأميركي خنّا دي كاليف إدارة ترمب التحقيق في القضية التي سجن فيها الرئيس الأسبق بتهم الفساد وذلك في أعقاب كشف موقع إنترسيبت تواطؤ القاضي سيرجيو مورو مع هيئة التحقيق لإدانة لولا ومنع حزب العمال من البقاء في السلطة بالبرازيل. تؤكد التسريبات ما نعرفه من قبل – أن مورو ممثل سيئ وجزء من مؤامرة كبرى لإرسال لولا الى السجن. ابلغ خنّا في رسالة الى موقع انترسيبت "بينما لا يتوجب على اميركا إصدار قرار قضائي بصدد براءة لولا، فهذه المعلومات تظهر مورو متحيزا ونسق الجهود مع الادعاء العام. وهذا يعتبر انتهاكا لجميع قيم القضاء وأخلاقياته. آمل أن تدعم إدارة ترمب إجراء تحقيق شامل في القضية في ضوء بقاء لولا داخل السجن ومورو وزير عدل في إدارة بولسونارو." 
للمرة الأولى سيعرف الجمهور أن هؤلاء القضاة وهيئات الادعاء كانوا يقولون ويفعلون وهم يعتقدون ان لا احد يصغي اليهم. الوثائق تنطوي على أمور شخصية خاصة للمشاركين في المؤامرة قام الموقع بفرزها والحفاظ على سريتها؛ بينما نشر ما يتعلق بالقضايا العامة. ولدى النشر اتبع موقع انترسيبت معايير يلتزم بها الصحفيون في الأنظمة الديمقراطية في أنحاء العالم: يتوجب نشر المواد الكاشفة لأخطاء اهل السلطة أو خداعهم. فالديمقراطية بخير عندما تكشف للجمهور عن ممارسات هامة اقدم عليها شخصيات الحكم. ويقول موقع انترسيبت استرشدنا بالقضية حين امتدح اكثرية المجتمع البرازيلي وعدد آخر من المعلقين والصحفيين ونشطاء سياسيين ما أقدم عليه مورو ومنافذ إعلامية عام 2016 عن مكالمة هاتفية خاصة بين الرئيسة ديلما روسيف ولولا، بحثا خلالها تسلم لولا منصبا وزاريا في حكومة روسيف. كان الكشف عن الاتصال الخاص حاسما في تحويل الرأي العام ضد حزب العمال البرازيلي، والقاعدة التي انطلقت منها عملية الإطاحة بديلما روسيف عام 2016، وإقامة الدعوى ضد لولا.

غدا القاضي مورو بعد سنوات من تقصي قضايا الفساد في البرازيل بطلا قوميا وعالميا، مكانة لم تتعزز إلا بعد أن أطاح بالرئيس لولا. منع لولا من الترشح للرئاسة، وكان متقدما في استطلاعات الرأي، وتهيأت الفرصة لنجاح اليميني الفاشي بولسونارو، الذي عين القاضي مورو وزيرا للعدلية ومشرفا عاماعلى شئون العدالة ويحفظ له كرسي عضو المحكمة العليا حال شغوره

لم يدحض فريق غسيل السيارات في بيان اصدره مساء الأحد 9حزيران في مصداقية المعلومات المقدمة من انترسيبت. تبين الوثائق أن مورو زود هيئة التحقيق والادعاء بنصائح استراتيجية وتجاوز عن ثغرات في التحقيق، منتهكا بذلك الخطوط الأخلاقية المحددة لدور القاضي . في البرازيل والولايات المتحدة يطلب من القضاة البقاء على الحياد، ويحظر عليهم التعاون السري مع احد اطراف القضية . لكن القاضي مورو استعمل لغة الجمع "نحن" حين سأل، ردا على انتقاد حزب العمال البرازيلي لتحقيقات غسيل السيارات في التهمة الموجهة للولا، تصور نفسه وهيئة تحقيق غسيل السيارات، التي أطاحت بمئات الأشخاص، متحدين في نفس القضية. بموجب القانون يتوجب على القاضي تحليل ادعاءات طرفي الادعاء والدفاع بحيادية تامة وبدون أن يكون له مصلحة في الأمر. غير أن الاتصالات التي جرت بين مورو وديلتان دالاّغنول، المدعي العام، ان القاضي تدخل بصورة غير لائقة في إجراءات فريق عمل غسيل السيارات. وبالسر ساعد في توليف قضية جرمية سوف ينظر فيها "بحيادية". ثارت منذ بداية التحقيقات في قضية غسيل السيارات شكوك بصدد تعاون مورو سرا مع دالاغنول، غير أن تلك الشكوك لم تدعم ببينات ملموسة.

ومثال آخر على اختراق مورو الخط الفاصل بين الادعاء والقاضي تقدمه المحادثة مع دالاغنول يوم السابع من كانون اول /ديسمبر 2015، حين مرر بصورة غير رسمية لمحة للادعاء العام. بعد تلك المحادثة كتب مورو" وهكذا أبلغني المصدر ان رجل الاتصال تضايق حين طلب منه إصدار صك تحويل ملكية لأحد أبناء الرئيس الأسبق. واضح أن المصدر يرغب تقديم المعلومة، وأنا الآن أدرجها، والمصدر جاد " .

اجابه دالاغنول: أشكرك،سوف نتصل، اضاف مورو:" وستكون دزينات من العقارات". فيما بعد أشار دالاغنول على مورو انه استدعى المصدر، لكنها رفضت الإدلاء بشهادة. أفكر في إلزامها بأمر قضائي بناء على معلوما ت ابوقريفية (مشكوك في صحتها)". واضح ما يعنيه ذلك، يبدو أن دالاغنول يروج لفكرة اختراع شكوى من مجهول تستخدم لإجبار المصدر على تقديم شهادته. وبدلا من تأنيب المدعي أو الحفاظ على الصمت أيد المقترح، إذ أجاب:" من المفضل المضي إذن".

وفي حوارات جماعية بين أعضاء هيئة التحقيق قبل أيام من توجيه قرار الاتهام عبّر دالاغنول ، المدعي العام عن شكوك متزايدة بصدد عنصرين في الاتهام: هل الفيلا ملك لولا في الحقيقة؟ وهل هناك علاقة مع امتياز شركة بيتروبراس(التي منحها لولا امتياز العمل أثناء توليه الرئاسة)؟ عبّر دالاغنول عن القلق فيما يتعلق بأهم نقطتين لتجريم لولا.

السؤالان ينطويان على أهمية في إدانة لولا. فبدون إثبات الصلة مع قضية بيتروبراس فلا أساس قانونيا لشروع فريق العمل عملية تحقيق "غسيل السيارات"، حيث بزغت قضية لولا. والأخطر من ذلك بدون إثبات ملكية لولا للفيلا فإن القضية تسقط ، نظرا لأن إثبات تسلم لولا المزعوم للفيلا يعتبر العنصر المفتاحي للبرهنة على أنه تورط بالفساد. لم يجر الحديث خلال الفترة 2009-2010 عن فضيحة تتعلق بصفقة بيتروبراس. وفي العام 2005، عندما شرع لولا ونائبته روسيف نظريا يقيمان مرتكزات للملكية، لم تصدر إشارة الى "فضيحة نفط". تكشف الأحاديث الخاصة بين فريق عمل غسيل السيارات ان قضيتهم انطوت على خدعة –لم يكونوا حقا متاكدين من علاقة بيتروبراس التي لعبت دور المفتاح في إقامة الدعوى القضائية.

كتب دالاغنول اثناء المداولات مع أعضاء هيئة التحقيق، يوم 9أيلول 2016 "بعد أن أبلغوني بأنني قلق بصدد حكاية الفيلا، فهذه نقاط يتوجب علينا تقديم ادلة متينة وتكون جاهزة على طرف اللسان"، وذلك قبل أربعة أيام من تقديم قرار الاتهام ضد لولا .

وفي نقاش واضح الدلالة اقترح مورو ربما من المفضل "إعادة النظر في أولويات [فترتين] ضمن الخطة".

مرارا تجاوز مورو حدوده كقاض، وهو يحكم في قضايا غسيل السيارات. وعبر عامين اقترح مورو على المدعي العام أن يغير فريقه اولويات من سيخضعون للتحقيق؛ أصر على تضييق الفسحة بين قضية واخرى؛ قدم مشورات استراتيجية؛ زود الادعاء بمعلومات مسبقة عن قراراته القضاائية؛ قدم انتقادات بناءة لتقارير الادعاء؛ لدرجة انه وبخ المدعي العام دالاغنول، كما لو انه يعمل لصالح القاضي. مثل هذا التصرف غير أخلاقي من جانب قاض، وهو المسئول عن التصرف الحيادي لضمان محاكمة نزيهة، وانتهك بذلك ميثاق الشرف في البرازيل.

عملية غسيل السيارات كانت إحدى أكثر القوى السياسية لتقصي السلوك الإجرامي في تاريخ الديمقراطية البرازيلية؛ هي أيضا اكثر القوى السياسية التي ثار حولها اللغط. اطاحت بشخصيات قوية كان يعتقد انها منيعة وكشفت عن فساد ضخم امتص بلايين الدولارات من خزينة الدولة، واعتب لولا رئيس شبكة الفساد في البرازيل.

وعلى كل حال بيّن التقصي وجود تحيز سياسي، وانتهاكات متكررة للضمانات الدستورية وتسريب معلومات للصحافة مخالف للقانون. (وفي مقالة نشرها موقع إنترسيبت هذا اليوم [11/6] ظهر أن هيئة الادعاء في قضايا تنظيف السيارات الذين طالما أصروا على أنهم بعيدون عن السياسة ومهتمون فقط بمكافحة الفساد، كانوا في حقيقتهم يتآمرون في الداخل لمنع حزب العمال البرازيلي وزعيمه لولا من العودة الى الحكم).

وتكشف الوثائق التي حصل عليها موقع انترسيبت في البرازيل ان هيئة الادعاء العام، وهي تتباهى بقوة البينة المقدمة ضد لولا، كانوا فيما بينهم يبدون الشكوك. كما علموا أن بيناتهم القانونية لإدانة لولا مهزوزة في أفضل الحالات ، إن لم تكن بلا أساس. في حالات كثيرة اخرى يتكشف ان مورو، القاضي سابقا وحاليا وزير العدل، تعاون بنشاط مع هيئة الادعاء العام لتقوية التهمة ضد لولا . وبعد شهر من الصمت في قضايا غسيل السيارات سأل مورو: "الم يمر وقت طويل بدون قضية؟" ومرة أخرى قال:" لا يمكنكم الوقوع في خطأ من هذا القبيل"، وهو يرجع الى ما اعتبره غلطة من البوليس الفيدرالي. وأشار بعد أن أبلغه دالاغنول بحركة يود أن يفتح لها ملفا ،"لكن فكر جيدا هل هي فكرة جيدة... الحقائق ينبغي أن تكون خطيرة. ماذا تقول في تلك التصريحات الغبية الصادرة عن الهيئة القومية لحزب العمال؟.

بعد يوم من إفصاحه عن شكوكه الأولية، الحادية عشرة الا الربع من مساء يوم السبت، بعث دالاغنول رسالة الى المجموعة ورد فيها:" انا متشدد فيما يتعلق بهذه المقالة حول او غلوبو منذ العام 2010؛ وأنوي تقبيل أي فرد منكم يعثر عليها" .

غير أن دفاع لولا شكك في ملكيته للفيلا، وادعى ان لولا اشترى شقة أرضية صغيرة، وان مقالة أوغلوبو لم تقدم ما يثبت خلاف ذلك.

وظفت هيئة الادعاء في غسيل السيارات بينة أثبتت من خلالها ان الفيلا تعود لأسرة الرئيس، لكنها أدانت لولا وحكمت عليه بالسجن في قضية تتعلق بفيلا أخرى