العيسوية.. "لن تمروا"

2019-06-30

العيسوية.. "لن تمروا"

المارون بالعيسوية، وحتى أهلها أنفسهم، يقولون إنهم لم يشهدوا العيسوية بهذا الإصرار والتحدي، ورغم مقارعتها الدائمة للاحتلال ومستوطنيه منذ عام 1958، إلا أنها شهدت الأيام الثلاثة الماضية، هبة حقيقة ردًا على محاولات تركيعها والنيل من صمود أهلها.

شهيد وأكثر من 30 حالة اعتقال و95 إصابة، في المواجهات المتواصلة على مدار الساعة، منذ يوم الخميس المنصرم، بعيد استشهاد الشاب محمد عبيد (21 عامًا)، برصاص الاحتلال، لدى مشاركته إلى جانب عشرات المقدسيين، في وقفة منددة بسياسة العقاب الجماعي التي تمارسها سلطات الاحتلال على اهالي البلدة منذ نحو أسبوعين.

يرد أهالي العيسوية على ما يجري في بلدتهم منذ أربعة أيام، من تصعيد وعقوبات جماعية تفرضها سلطات الاحتلال، بجملة واحدة: "لن يستطيعوا السيطرة على البلدة..".

الوطنية وشراسة التصدي للاحتلال ومستوطنيه، لم تكن صدفة لدى أهالي العيسوية، فمن شاهد الصور ومقاطع الفيديو المنتشرة بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي نشرات الأخبار، يدرك أن هؤلاء، هم أبناء وأحفاد من تصدوا بصدورهم العارية لهجمات الاحتلال ضد البلدة منذ عام 1958، وتفاعلوا مع محيطهم ومع كل ما يجري من اعتداءات بحق أي مكان في فلسطين.

تقع العيسوية على بعد 3 كيلومترات، وسط القدس المحتلة، على ارتفاع 731 مترا فوق سطح البحر، ويبلغ عدد سكانها بحسب الاحصاءات المختلفة ما بين 15-18 ألف نسمة، ومساحة أراضيها بحدود 12 ألف دونم.

هاني العيساوي، أحد وجهاء البلدة، تحدث لـ"وفا" حول تاريخ العيساوية: أنها قدمت أول شهدائها عام 1958، وهو سعد موسى مصطفى، وانضم العديد من ابنائها إلى الثورة الفلسطينية في نهاية الستينيات، وقاتل عدد منهم في لبنان، وشاركت بفعالية خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، وما تزل تقاتل.

وأضاف: عام 1968 استولت سلطات الاحتلال على مساحات شاسعة من أراضي البلدة لتوسيع مستشفى هداسا وإقامة مستوطنة "التلة الفرنسية"، تبعتها استيلاءات أخرى، ما تسبب بمعاناة كبيرة لأهالي العيسوية الذين كانوا يعتاشون على الزراعة والفلاحة، ما دفع الكثيرين منهم إلى التوجه للعمل داخل أراضي الـ1948.

وأوضح ان أهالي وشبان البلدة يتفاعلون مع الهم الوطني والاحداث الجارية، التي كان آخرها ورشة البحرين، التي تعد جزءا من "صفقة القرن" الرامية لتصفية القضية الفلسطينية، كذلك التفاعل مع اقتحامات الأقصى والعدوان على غزة أو أي اعتداء في أي مكان.

وقال: جميع هذه الاحداث، إضافة إلى تدني مستوى المعيشة لدى السكان بسبب الاهمال المقصود من بلدية الاحتلال لجميع الخدمات التي يجب تقديمها بحسب القانون الدولي للمواطنين تحت الاحتلال، وعمليات الهدم المتواصلة وعدم امكانية وجود بناء منظم، تشكل ضغطا يوميا ومتواصلا على الناس، فيتفجر بين الفترة والأخرى.

ولفت إلى أن الاحتلال يعيش نشوة الانتصار بعد قرارات ادارة ترامب واجراءاتها العقابية بحق شعبنا، وينظر للقدس الآن عاصمته وملكا خاصا به، ولا يريد أي احتجاج يشوه الصورة، وبالتالي يأتي قمعه للعيسوية من هذه الناحية، يريد فرض الخنوع على الناس، ولكن "نحن لا يمكن أن نقبل التعايش مع الاحتلال، وسنعيش على مستوى الندية والحصول على حقوقنا المشروعة".

وأضاف: ان العيسوية لا تزال تعيش حالة من الترابط الاجتماعي والعائلي بين المواطنين، وهي منطقة مغلقة وليست شبيهة بالمناطق الاخرى كشعفاط وبيت حنينا والطور وغيرها من المناطق التي يمكن من خلالها العبور الى أي منطقة أخرى، أي أن من يدخل العيسوية يأتي للعيسوية فقط، وهذه تعد مشكلة بالنسبة للاحتلال، خاصة أثناء اقتحاماته للعيسوية، لذا يضع عليها علامة سوداء، ويعتبرها منطقة معادية يجب اخضاعها بأي ثمن.

شهداء العيسوية:

يروي العيساوي أن أول شهيد بالبلدة سقط عام 1958، وهو سعد موسى مصطفى، أثناء التصدي لقوات الاحتلال التي أغلقت شارعها بالحجارة، واستشهد في الموقع. وبعد انطلاق الثورة الفلسطينية انتمى اليها العديد من اهالي العيسوية، واعتقلت أولى مجموعات الثوار في منطقة القدس أواخر 1969 وبدايات 1970، بتهمة القيام بعدة عمليات ضد الاحتلال.

وأضاف: استشهد بعدها عيسى محمد عيسى أبو عويس، وأسامة العيساوي أثناء اشتراكه مع الثورة الفلسطينية في التصدي لاجتياح بيروت عام 1982، ثم فادي العيساوي 1994 أثناء مشاركته في الاحتجاجات على مجزرة الحرم الابراهيمي في الخليل، ثم الشهيد زكي نور الدين عبيد اثناء التصدي لمحاولات الهدم في العيسوية سنة 1998، تلاه الشهيد سمير داري الذي استشهد على مدخل العيسوية خلال التصدي لشرطة ومخابرات الاحتلال على مدخل العيسوية سنة 2011، وأخيرا محمد عبيد 2019.

العيسوية في الانتفاضتين الأولى والثانية والاعتقالات المستمرة:

وبين العيساوي ان للبلدة دورا كبيرا في الانتفاضة الأولى (1987-1994) والمواجهة مع الاحتلال، ويسجل لها أن بيانات الانتفاضة كانت تطبع فيها وتوزع في الضفة وغزة، ثم تعرضت المطبعة للاقتحام والاغلاق، وكان اسمها "مطبعة العيسوية" للشقيقين مصطفى وعلي درويش.

واعتقل خلال الانتفاضة العشرات من أهالي العيسوية، وكانت أولى الاعتقالات الادارية فيها، وفي الانتفاضة الثانية شاركت العيسوية بشكل فعال وحيوي، وشهدت مواجهات عنيفة.

وبين أن عدد المعتقلين يتغير يوميا، وهناك 63 معتقلا من العيسوية في سجون الاحتلال قبل الأحداث الاخيرة، 3 محكومين بالمؤبدات واربعة احكامهم فوق الـ20 عاما، وأضيف اليهم في الأيام الثلاثة الاخيرة أكثر من 30 أسيرا.

الاستيطان في العيسوية:

كانت مساحة العيسوية تقريبا 12 ألف دونم وتمتد حتى الخان الأحمر، وجرى الاستيلاء على حوالي 8 الاف دونم لصالح المستوطنات والمواقع العسكرية، تبدأ من المعسكر المقام قرب الخان الأحمر والمستوطنة المحاذية له، وتمتد الى المعسكر المحاذي للجامعة العبرية، ومعسكر اخر لحرس الحدود شرق البلدة.

أحيطت البلدة بشارع التفافي موصل لمستوطنة معاليه ادوميم، ومن الجهة الغربية والشمالية مستشفى هداسا والتلة الفرنسية، ومن الجهة الجنوبية الجامعة العبرية، وهناك مخططات للسيطرة على المزيد من أراضي العيسوية، أهمها مخطط لإقامة حديقة تلمودية "وطنية" وينوون إقامتها على المنحدرات الشرقية لجبل المشارف بين العيسوية والطور، على مساحة 740 دونما، وبدأ الحديث عنها في عام 2005.. إضافة إلى مشروع استيطاني آخر وهو مكب للنفايات الصلبة بين العيسوية ومخيم شعفاط وعناتا، على مساحة 530 دونما.

المصدر: وكالة "وفا" - يامن نوباني