اختتام أعمال مؤتمر الأحزاب الشيوعية العربية ... حزب الشعب: من الضروري تكثيف الجهود بين أحزابنا لقطع الطريق على مساعي تكريس الاحتلال والهيمنة الأميركية- الإسرائيلية على المنطقة

2019-06-23

اختتام أعمال مؤتمر الأحزاب الشيوعية العربية

حزب الشعب: من الضروري تكثيف الجهود بين أحزابنا لقطع الطريق على مساعي تكريس الاحتلال والهيمنة الأميركية- الإسرائيلية على المنطقة

بيروت – خاص بـ حشف: اختتمت في العاصمة اللبنانية بيروت، مساء أمس الأول الجمعة، أعمال مؤتمر لقاء الأحزاب الشيوعية العربية  والذي انعقد تحت عنوان "دور الأحزاب الشيوعية في تجديد حركة التحرر الوطنية العربية"، حيث اشتمل المؤتمر على عقد ثلاث جلسات، تناول على التوالي: الأولى:القضية الفلسطينية والمشروع الأميركي والصهيوني– حركة التحرر الوطني العربية – سبل المواجهة. الثانية: انتفاضات الشعوب العربية والحراك الشعبي – دور الحركة الشيوعية وآفاق المواجهة. الثالثة: الفعاليات والخطوات المقترحة.

وكان حزب الشعب الفلسطيني قد شارك في اللقاء الذي عقد على مدار يومي الخميس والجمعة 20 و21/6/2019، عبر وفد قيادي ضم الرفيقين المهندس مصطفى الهرش عضو المكتب السياسي وأيوب الغراب "أبو فراس" عضو اللجنة المركزية للحزب، حيث انتهت أعمال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر في يومه الأول، متضمنة كلمات لكل من الحزب الشيوعي اللبناني – الأحزاب الشيوعية العربية – السفارة الكوبية – السفارة الفنزويلية. وشارك في المؤتمر عشرة أحزاب، هي: حزب الشعب الفلسطيني، الحزب الشيوعي الاردني، الحزب الشيوعي السوداني، الحزب الشيوعي السوري الموحد، الحزب الشيوعي المصري، الحزب الشيوعي اللبناني، حركة التحرر التقدم والاشتراكية المغربي، الحركة التقدمية الكويتية، الحزب الشيوعي العراقي، المنبر التقدمي البحريني.  

وفيما يلي نص كلمة حزب الشعب الفلسطيني التي القاها الرفيق مصطفى الهرش عضو المكتب السياسي للحزب في جلسة العمل الأولى يوم الخميس20/6/2019 بعنوان: "القضية الفلسطينية والمشروع الأميركي الصهيوني - حركة التحرر الوطني العربية - سبل المواجهة" .

الرفاق والرفيقات الأعزاء،

اسمحوا لي بداية أن أنقل لكم تحيات قيادة حزب الشعب الفلسطيني وتمنياتها لكم بنجاح هذا اللقاء، الذي نشكر رفاقنا في الحزب الشيوعي اللبناني الشقيق على استضافته، كما نود الإعراب عن تضامننا الكامل مع رفاقنا في الحزب الشيوعي السوداني في نضالهم من أجل تصفية كل مخلفات نظام البشير البائد وإقامة دولة مدنية ديمقراطية.

الرفاق الأعزاء،

تتعرض قضية شعبنا الفلسطيني اليوم لمخاطر جمة، بعد أن هيمنت على الساحة السياسية في إسرائيل،  منذ مطلع الألفية الثالثة، "صهيونية جديدة"، اتسمت بطابع قومي وديني، وأشاعت أن الصراع مع الفلسطينيين هو صراع وجودي لا حل له، إلا بفرض الاستسلام الكامل على الشعب الفلسطيني.  وفي ظل هذه "الصهيونية الجديدة"، قام حكام إسرائيل، بفرض حصار شامل على قطاع غزة  حوّله إلى سجن كبير، كما شنوا، ما بين 2002 و 2014، أربع حروب كبرى على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، بغية فرض الاستسلام عليه ومنعه من الاستمرار في نضاله من أجل حقوقه الوطنية. وقد ترافق ظهور هذه "الصهيونية الجديدة" مع تكريس الطابع اليهودي للدولة وتهميش مكانة العرب الفلسطينيين في مناطق 1948، وشرعنة العنصرية الممارسة إزاءهم، كما يدل على ذلك إقرار "قانون أساس: إسرائيل- الدولة القومية للشــعب اليهودي".  

وقد وجدت هذه "الصهيونية الجديدة" فرصتها الذهبية لتحقيق مشروعها هذا بعد وصول  دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وقيامه بتغيير نهج الإدارات الأميركية السابقة ،في تعاملها مع الصراع العربي-الإسرائيلي من نهج "إدارة الأزمة"، إلى نهج تصفية أهم مكوّنات قضية شعبنا الوطنية، كقضية القدس وقضية اللاجئين وقضية التحرر من الاحتلال. فخلال الأشهر القليلة الماضية، اعترفت تلك الإدارة بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل واتخذت قراراً بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، كما قررت إلغاء المساهمة المالية التي تقدمها إلى منظمة "الأونروا"، وصارت تتساوق مع الدعوات الإسرائيلية إلى تصفية هذه المنظمة الدولية، تمهيداً لاستبعاد قضية اللاجئين الفلسطينيين نهائياً من أية مفاوضات مستقبلية، كما أوقفت مساهمتها في تمويل ميزانية السلطة الفلسطينية، وأغلقت مكتب منظمة التحريرالفلسطينية في واشنطن، وسعت إلى نفي صفة الاحتلال عن إسرائيل، عندما لم تعد تنظر إلى المناطق الفلسطينية بوصفها "مناطق محتلة"، بل وتضفي شرعية على عملية ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل، كما أضفت الشرعية مؤخراً على عملية تكريس احتلال إسرائيل للجولان السوري. 

وقد استغل الحليفان الإسرائيلي والأميركي لتحقيق مشروعهما الرامي إلى تصفية القضية الفلسطينية، والترويج لحل "إقليمي" للصراع يتنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية، حالة الشلل التي يعيشها النظام الرسمي العربي وحقيقة أنه  لم يعد هناك اليوم إجماع عربي على أن إسرائيل، وسياسات حكامها العدوانية والاحتلالية، هي التي تمثّل التهديد الأكبر للأمن القومي العربي، وخصوصاً بعد أن  صار بعض الأنظمة العربية، وتحديداً في منطقة  الخليج، يرى في النفوذ الإيراني "الخطر الأكبر" الذي يتهدده، وبات لديه بالتالي استعداد للتحالف مع إسرائيل في مواجهة هذا النفوذ والسير على طريق تطبيع العلاقات معها.

وينبغي علينا الاعتراف كذلك أن الحليفين الإسرائيلي والأميركي، يستغلان الأزمة التي تواجهها الحركة الوطنية الفلسطينية، نتيجة استمرار الانقسام بين حركتي "فتح" و"حماس"، الذي تسبب في انقسام جغرافي وسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، صار يهدد وحدة الشعب الفلسطيني ويضعف نضاله الوطني التحرري، ويمكّن إسرائيل من تكريس احتلالها.

الرفاق الأعزاء،

لقد ثبت اليوم بما لا يدع مجالاً للشك أن إسرائيل، على مستوى المؤسسة الحاكمة وعلى مستوى الرأي العام، غير مستعدة للتوصل إلى سلام مع الشعب الفلسطيني. وهذا الواقع، بات  يفرض على الحركة  الوطنية  الفلسطينية السعي إلى بلورة استراتيجية كفاحية جديدة، تنطلق من حقيقة أنها لا تمتلك اليوم، ولن تمتلك على الأغلب في المدى المنظور، شريكاً تصنع معه السلام، وتتمحور حول أهداف دفاعية الطابع، يأتي في مقدمها توفير مقومات بقاء الفلسطينيين وصمودهم فوق أرضهم، وهو هدف يتطلب تحقيقه  تغيير النهج الاقتصادي الذي اعتمد  بعد قيام السلطة الوطنية، والعودة إلى نهج اقتصاد الصمود، وتوسيع نشاط حركة "المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات"، والسعي الدؤوب من أجل استعادة وحدة مكوّنات الشعب الفلسطيني، في الشتات وفي المناطق التي احتلت سنة  1948 وفي المناطق التي احتلت سنة  1967، التي أضعفها اتفاق أوسلو" عندما همشّ قضية اللاجئين الفلسطينيين واستبعد المواطنين الفلسطينيين في مناطق 1948، والعمل على نفخ روح جديدة في منظمة التحرير الفلسطينية وتوسيع طابعها التمثيلي، والشروع في تغيير وظائف السلطة الوطنية الفلسطينية، بحيث تتحلل من التزاماتها، وخصوصاً الأمنية والاقتصادية، وتحصر مهماتها في توفير الخدمات الاجتماعية للمواطنين  وتدعيم صمودهم، وتوسيع نطاق المقاومة الشعبية وضمان تحوّلها إلى نهج كفاحي  منظّم ينخرط فيه عشرات الآلاف من الفلسطينيين والفلسطينيات، وتقوده جبهة موحدة، ليس في قطاع غزة فحسب بل في الضفة الغربية كذلك.

الرفاق الأعزاء،

بعد أقل من أسبوع من الآن، ستنعقد "ورشة المنامة"، التي سيطرح فيها الجانب الأميركي الشق الاقتصادي من خطته المعروفة بـ "صفقة القرن"، وهي خطة تهدف، تحت غطاء الحديث عن "السلام الاقتصادي" وعن تحسين مستوى حياة الفلسطينيين في مرحلة أولى، إلى تكريس الاحتلال الإسرائيلي، وتوسيع نطاق التطبيع العربي - الإسرائيلي وتصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين، عبر تقديم مغريات مادية للدول العربية التي تستضيفهم كي تقوم بتوطينهم وتجنيسهم. واستناداً إلى موقف قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وإلى موقف جميع الفصائل الوطنية والإسلامية التي عبرت عن رفضها الحازم لهذه الخطة ولـ "ورشة المنامة"، دعا حزبنا إلى عقد مؤتمر شعبي عام يشارك فيه الجميع ويكون فرصة للقفز على الانقسام.

ومن ناحية أخرى، يرى حزبنا أن الهدف النهائي لـ "صفقة القرن" هذه هو إقامة حلف أميركي- إسرائيلي- عربي يكون قاعدة لنشوء نظام شرق أوسطي، وهو خطر يهدد الشعوب العربية كافة، ويفرض تعزيز التنسيق والتعاون بين جميع مكوّنات حركة التحرر الوطني في نضالها الهادف إلى الحيلولة دون فرض الهيمنة الأميركية- الإسرائيلية الكاملة على المنطقة. وفي هذا الصدد، كان حزبنا قد تقدم بمبادرة لتعزيز التنسيق بين كل من فلسطين وسوريا ولبنان والقيام سوياً بتحرك سياسي مشترك، يحظى بتغطية دولية من جانب روسيا والصين ودول أخرى، لعقد مؤتمر دولي يضمن تنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بانسحاب اسرائيل من الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة واحقاق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ويقطع الطريق على مساعي استغلال الوضع العربي البائس وحالة الإقليم لصالح تكريس الاحتلال والهيمنة الأميركية- الإسرائيلية على المنطقة.

الرفاق الأعزاء،

على الرغم من إدراكنا لعظم المخاطر التي تواجه قضيتنا الوطنية، فإننا على ثقة أكيدة بأن شعبنا الفلسطيني سينجح في التصدي لهذه المخاطر ،وفي إحباط أهداف هذا المشروع الأميركي الجديد ،كما أحبط أهداف غيره من المشاريع التي استهدفت قضيته الوطنية على مر العقود الفائتة.

وفي اليوم التالي الجمعة 21/6/2019 بعنوان: انتفاضات الشعوب العربية والحراك الشعبي – دور الحركة الشيوعية وآفاق المواجهة، قدم الرفيق لهرش مداخلة حزب الشعب حول هذا المحور، فيما يلي نصها:

الرفاق الأعزاء،

لم تكن الحراكات الشعبية التي شهدها عدد من بلداننا العربية متجانسة من حيث طبيعتها ودور القوى المنخرطة فيها وأشكال التدخل الخارجي في مساراتها، إذ بينما هيمنت عليها سريعاً حركات "إسلامية" تكفيرية، فاقمت الانقسامات الطائفية، ومزقت النسيج الاجتماعي لشعوبها وهددت وحدة كياناتها الدولتية، واستجرت التدخل العسكري الإقليمي والدولي في أحداثها، انتهت حراكات أخرى إلى إعادة إنتاج النظام القديم بلبوس جديد، في حين تصدرت القوى اليسارية والديمقراطية وقوى المجتمع المدني بعض هذه الحراكات، كما هو الحال في السودان، هذه القوى التي تقف اليوم في وجه استمرار النظام البائد بأشكال جديدة، وتواصل نضالها، على الرغم من حملات القمع التي تستهدفها، من أجل قيام دولة مدنية ديمقراطية.

وبغض النظر عن هذا التباين الذي طبع مجرى هذه الحراكات الشعبية، فقد حاولنا في حزب الشعب الفلسطيني، وبعد مرور أكثر من ثمانية أعوام على اندلاعها، أن نستخلص جملة من الاستخلاصات العامة، التي نرى ضرورة مراعاتها في نضالاتنا المستقبلية، ومن أهمها:

أولاً: إذا كانت هذه الحراكات الشعبية قد أبرزت الحاجة الملحة إلى التغيير، فإنها بيّنت، في الوقت نفسه، أن الأزمة العامة التي تواجهها بلداننا العربية ليست أزمة نظام سياسي فحسب بل هي أزمة مجتمع كذلك؛ فما أن انطلقت هذه الحراكات في بعض البلدان حتى طغت البني التقليدية للمجتمع، الدينية والطائفية، على السطح، وارتد المجتمع إلى ما دون السياسة بمعناها الحديث. ويعود ذلك، في المقام الأول، إلى أن التحديث الذي شهدته المجتمعات العربية على مدى قرنين، ظل تحديثاً برّانيا لم يطاول الميدان الفكري-الثقافي بمفهومه الواسع، الأمر الذي حال دون تحوّله إلى حداثة جوانية، مجتمعية.

وهذا الواقع يفرض على أحزابنا أن تضع على جدول أعمالها النضال من أجل تحقيق إصلاحات عميقة، تطاول نظام التعليم، وتعيد النظر في مناهج التربية، وخصوصاً الدينية، وتوجه اهتماماً خاصاً لفئات الشباب، الذين يشكلون أكبر نسبة من المجتمعات العربية، والذين يعانون من الاغتراب الاجتماعي في قلب أوطانهم، وتعمل على القضاء كل أشكال الفساد واستغلال النفوذ، وتوسع دوائر المشاركة السياسية.

ثانياً: لقد كان العامل الاجتماعي، المتجسد في ظواهر الفقر والتهميش والبطالة، من أبرز العوامل التي مهدت الطريق أمام اندلاع هذه الحراكات الشعبية، ودفعت الآلاف من الفقراء والمهمشين والعاطلين عن العمل إلى السير وراء الشبان المتعلمين، من الفئات الوسطى، الذين تصدروها في مراحلها الأولى. وقد نجمت هذه الظواهر عن نموذج تنمية قاصر، استند إلى سياسات التحرير الاقتصادي والخصخصة والخضوع لوصفات صندوق النقد الدولي، وشكل أرضية خصبة لانتشار الفساد والكسب غير المشروع.

وبات يتوجب على أحزابنا بالتالي أن تتصدي بحزم لهذا النموذج، وأن تساهم في بلورة وتعميم تصوّر لمشروع تنمية بديل يحاول الحد من ظواهر الفقر والبطالة، ويستجيب لمتطلبات الفئات الفقيرة والشعبية ويضمن تجسيد شعار "خبز وكرامة وعدالة اجتماعية" الذي كان من شعارات هذه الحراكات عند اندلاعها.

ثالثاً: لقد بيّنت هذه الحراكات أن الديمقراطية لا يمكن اختزالها إلى بعدها السياسي، فهي لا تنحصر في دوائر الحكم وميادين السياسة ولا في التنافس على انتخابات تمثيلية، بل هي نمط من التفكير والسلوك الذي يتخلل نسيج حياة المجتمع بكاملها.

ومن واجب أحزابنا أن تشدد على هذا الفهم الشامل للديمقراطية وعلى تعدد أبعادها، بما يشمل بعديها الاقتصادي والاجتماعي، من منطلق أن الديمقراطية السياسية ستظل منقوصة ما لم ترتبط بالتقدم الاجتماعي.

رابعا: لقد بلغت محاولات توظيف المقدس الديني في السياسة العربية جداً لا سابق له في اغلب المجتمعات العربية، ونجحت القوى السياسية التي تلبست لبوس الدين في الوصول عن طريق الانتخابات إلى السلطة، بصفتها القوى الأكثر تنظيماً والأكثر قدرة على التعبئة، لكنها لم تصمد في الحكم طويلا، بل تبيّن سريعاً أن تجربتها فيه غير قابلة للنجاح. ويؤكد هذا الفشل عدم واقعية الدعوة إلى إقامة دولة دينية تستند إلى الشريعة.

وكان الشيوعيون في البلدان العربية قد عبّروا، على مر تاريخهم، عن احترامهم للمعتقدات الدينية، ولم يقفوا أبداً في وجه معتنقيها، لكن الظروف الراهنة، التي تتميّز بمحاولات توظيف الدين في السياسة والخلط بين المجالين الديني والدنيوي، باتت تفرض عليهم الوقوف أمام الظاهرة الدينية، كظاهرة اجتماعية، وإبراز الطابع العلماني للدولة الحديثة التي ينشدونها، القائمة على فصل الدين عن الدولة، وإحلال مفهوم المواطن محل مفهوم الرعية، وإباحة حرية الاعتقاد والضمير لكل مواطن في المجتمع، والدعوة إلى الابتعاد عن التكفير، وضمان حرية التفكير والبحث في كل المسائل، وبضمنها المسائل الدينية

خامساً: ما زالت المسألة الوطنية والقومية تحتل مكانة مهمة في مشروع النهضة العربية. وينبغي على أحزابنا أن تضع هذه المسألة على رأس جدول أعمالها، وأن تدرك أن النضال ضد الإمبرياليةوالصهيونية لن يحقق النجاح ما لم يرتبط ارتباطاً عضوياً، بالنضال من أجل التغيير الديمقراطي وتجاوز التخلف وضمان المشاركة الشعبية، وذلك من منطلق أن ضعف المجتعات العربية داخلياً هو الذي يستجر، ويسهل، التدخل الخارجي في شؤونها والعدوان عليها، وعلى اعتبار أن الأوطان الحرة السيدة تحتاج إلى المواطن الحر الذي يشعر أنه سيد نفسه في وطنه. ولا تقتصر المسألة الوطنية والقومية على النضال من أجل حل عادل للقضية الفلسطينية ومن أجل تحرير الأراضي العربية المحتلة، بل تشمل أيضاً النضال من أجل تصفية الوجود العسكري الأجنبي في البلدان العربية، ومن أجل أن تتحكم الشعوب العربية بثرواتها الطبيعية، ومن أجل أن يقوم اتحاد ديمقراطي بين دولها.

وكي تنجح أحزابنا في الاضطلاع بهذه المهام ينبغي عليها أن تعمل على التخلص من التشوش الفكري الذي لحق بها، وأن تسعى إلى تعزيز العلاقات الديمقراطية بين صفوفها، وأن تتبنّى طرائق عمل جديدة تفضي إلى زيادة اهتمام الشباب بالعمل السياسي، وإلى توسيع نطاق هذا العمل في الأرياف، بحيث لا يظل متركزاً في المدن، وتزيد إسهام المرأة وتنهي احتكار الرجل للفضاء السياسي، وتعيد وصل العلاقات مع المثقفين، الذين كانوا تاريخياً حملة النشاط السياسي، وخصوصاً اليساري، في البلدان العربية. كما عليها أن تسعى من أجل تشكيل جبهات واسعة تضم كل القوى اليسارية والديموقراطية والعلمانية، على قاعدة برنامج مشترك، بما يعزز قوتها على الصعيدين التنظيمي والسياسي ويوسع مساحة تأثيرها الجماهيري.