السيادة على الجولان .. لماذا الآن ؟! - هاني حبيب

2019-03-26

السيادة على الجولان .. لماذا الآن ؟!

هاني حبيب

ناقش مجلس النواب الأمريكي أواخر أيار – مايو الماضي في ظل غالبيته الجمهورية في ذلك الوقت اقتراح مشروع تقدّم به عضو الكونغرس الجمهوري عن ولاية فلوريدا رون ديسانتس يقضي باعتراف أميركي بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة، ولكن تم تعليق المناقشة بعدما تبيّن أن هناك معارضة واسعة لهذا الاقتراح من قبل معظم أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس.

 سبب المعارضة من قبل هؤلاء أن الوقت غير ملائم لمثل هذا القرار، وقد قيل في حينها أن الرئيس ترامب نفسه لا يدعم هذا الاقتراح، حتى أن السفير الأميركي في إسرائيل “ديفيد فريدمان” هاجم الساسة الإسرائيليين الذين طالبوا واشنطن بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، حسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل في 18/6/2018، بعد ذلك بحوالي عامٍ كامل، يعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعبر تغريدته في تويتر قبل أيام ليغرّد “أن الوقت قد حان لتعترف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان” السؤال الذي لا بد منه في هذا السياق ما الذي استجد بعد أن أصبح ما كان مرفوضاً، قراراً جديداً ؟.

قبل شهرين، وقبيل إلقاء الرئيس الأميركي لخطاب “حال الأمة” السنوي، سادت وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية إشارات بأن هذا الخطاب قد يتضمن اعتراف أميركي بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، إلاّ أن الخطاب تجاهل هذه المسألة تماماً وعلل البعض ذلك أن الرئيس الأميركي يؤجل اتخاذ مثل هذا القرار إلى وقتٍ آخر بطلب من نتنياهو الذي دعا ترامب للإعلان عن هذا القرار قبل أسابيع قليلة من عقد الانتخابات البرلمانية المبكرة كي يستثمر في إطار حملته الانتخابية وقبيل وقتٍ قصير من فتح صناديق الاقتراع، كافة وسائل الإعلام الإسرائيلية اعتبرت هذا القرار هدية أمريكية كبيرة لصالح نتنياهو في ظل حمّة المنافسة الانتخابية غير المسبوقة

ومع أن تزامن هذا القرار مع قرب عقد الانتخابات الإسرائيلية كان وراء هذا التوقيت الدقيق، إلاّ أن هناك أسباباً أمريكية واضحة وراء هذا القرار، ذلك أنّ الانتخابات الأخيرة لمجلسي الكونغرس أدّت إلى سيطرة الحزب الديمقراطي على حزب النواب في وقت تزايدت فيه مناورات الكونغرس بما فيه أعضاء كبار من الحزب الجمهوري ضد بعض السياسات التي ينتهجها ترامب لذلك فمن شأن القرار بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان استمالة اللوبي اليهودي الصهيوني لصالح ترامب في العراك بين الرئيس والكونغرس، ولعلّ مزامنة هذا الإعلان مع مؤتمر اللوبي الصهيوني هذا الأسبوع ما يؤكد صحة هذا الافتراض.

كما أنّ هذا القرار يأتي في ظل وقت يبدي فيه بعض النظام العربي الرسمي الحرص على علاقة وطيدة مع البيت الأبيض ، باعتبار أن الحفاظ على بقاء هذا البعض خاصة الخليجية منها بات رهناً برضا إدارة ترامب بما يمنع الصدام معها كرد فعل على مثل هذه القرارات.

وكان من الواضح أن إسرائيل اتخذت موقفاً ناقداً للقرار الأمريكي بانسحاب القوات الأمريكية من سوريا، القرار الأميركي الأخير بمثابة تعويض عن الاعتراض الإسرائيلي بهذا الشأن، وحسب المصادر الإعلامية الإسرائيلية فإن نتنياهو طلب فعلاً بمثل هذا التعويض إضافة إلى الطلب من ترامب “لتعزيز” قرار الإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي “جونثان بولارد”، الذي أدين بتهمة التخابر على الولايات المتحدة لصالح إسرائيل، وتم الإفراج عنه فعلاً بعد أن قضى 30 عاماً في السجن ولكن بشروط مقيدة بما فيها منعه من مغادرة الولايات المتحدة مدة خمسة سنوات ومنعه من استخدام الانترنت، نتنياهو طلب من ترامب السماح لبولارد العودة لإسرائيل وإنهاء الشروط المقيدة للإفراج عنه، كجزء من التعويض عن قرار واشنطن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، ويبدو أن ترامب أكتفي بقرار السيادة الإسرائيلية على الجولان متجاهلاً الطلب المتعلّق بالجاسوس بولارد خاصة أن مثل هذا القرار قد يفتح النار عليه من قبل المؤسسة القضائية ووكالة الاستخبارات الأمريكية وهو ما زال في حالة صراع معهما إزاء العديد من الملفات الشائكة.

كما أن القرار الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان بمثابة الرد على إصرار روسيا على توطيد تحالفها مع إيران مع عدم التزام موسكو بإبعاد القوات الإيرانية وعناصر حزب الله من الحدود مع الجولان، خاصة وأن إحدى المبررات التي ساقتها واشنطن لقرار انسحاب قواتها من الأراضي السورية أن ذلك من شأنه أن يلزم روسيا بالضغط على إيران لسحب قواتها وعناصر حزب الله من تخوم الحدود السورية الإسرائيلية، غير أن ذلك لم يحدث.

وملاحظة لا بد منها بشأن هذا القرار الذي اتخذه الرئيس ترامب دون العودة للكونغرس مع أن هذا القرار يحظي بدعم كبار الأعضاء الجمهوريين مثل “ليندسي غراهام” الذي حاول دفع الكونغرس أكثر من مرة للاعتراف بالسيطرة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، ترامب يعلم أنه ليس بالإمكان موافقة الكونغرس على هذا القرار خاصة إزاء سيطرة الحزب الديمقراطي على مجلس النواب، من هنا يمكن القول أن بإمكان أي رئيس جديد للولايات المتحدة العودة عن هذا القرار، خاصة أن كافة الرئاسات السابقة، جمهورية وديمقراطية لم تقدم على هذه الخطوة واعتبر أن الجولان أراضي محتلة قبل أن يشذ الرئيس الأميركي ترامب عن هذه السياسة، بينما الأمر ليس كذلك فيما يتعلق بالقرار الأميركي الذي اعترف بـ القدس عاصمة لإسرائيل كون هذا القرار جاء بدعم من الكونغرس عام 1995 ولا يمكن العودة عنه إلاّ مع تغيّر حقيقي في ميزان القوى في الكونغرس، وهو أمر بعيد التحقق في ظل التوازنات الأمريكية الداخلية وسطوة اللوبي الصهيوني المهيمن على السياسة الأمريكية.