مظلة اللاسامية لم تعد تؤمن الحماية لإسرائيل - سعيد مضية

2019-03-16

مظلة اللاسامية لم تعد تؤمن الحماية لإسرائيل

سعيد مضية

أثارت إلهان عمر عضو مجلس النواب الأميركي ضجة في الولايات المتحدة إثر انتقادها للدعم المقدم لدولة إسرائيل. لم يحترم الرئيس ترمب حصانتها البرلمانية وطالب بإسقاط عضويتها في الحال. وطالبتها بيلوسي زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب بالاعتذار واعتذرت لكن مجلس النواب رفض اعتذارها بقرار اعتبرها كارهة لليهود. ثم انبرى كتاب كثر يهاجمون "كراهيتها لليهود" وآخرين يدافعون عنها ، معتبرين ان انتقاد ممارسات إسرائيل لا تنم عن كراهية لليهود. 

«معاداة السامية»، بمعنى العداء العنصري لليهود، مستشرية في أوساط أقصى اليمين الغربي، تشكّل مكوّناً تاريخياً رئيسياً من مكوّنات أيديولوجيته. اتهم  ثيودور هيرتزل باللاسامية جميع الشعوب التي يعيش وسطها اليهود، وما من خلاص سوى تجميع اليهود في دولة خاصة بهم.  والصهيونية تضافرت تاريخياً مع معاداة السامية حيث الطرفان يدعوان إلى رحل اليهود عن المجتمعات التي يشكّلون أقلية فيها ليتجمّعوا في دولة خاصة بهم، دولة تبنى على مبدأ عنصري/ديني بوصفها «دولة قومية لليهود» كما أصرّ نوّاب اليمين الصهيوني على تسميتها قانونياً في الكنيست في الصيف الماضي. وتعاونت الصهيونية مع النازية على نقل اليهود من ألمانيا إلى فلسطين. في الزمن الراهن نشأت صداقة حميمة بين نتنياهو وأقطاب موجة أقصى اليمين الراهنة بالرغم من أن أوساطهم ملأى بالعنصريين المعادين لليهود أمثال رئيس الوزراء المجري فكتور أوربان، صداقة دعّمها إلى حدّ بعيد نمط من التضافر غدا مركزياً في السنوات الأخيرة، قوامه توفير اليمين الصهيوني لليمين الغربي سلاحاً أيديولوجياً يتمثّل في اتهام اليسار بمعاداة السامية بسبب مناهضته للصهيونية وتأييده لقضية الشعب الفلسطيني. وهذا يتجلى في الحملة المناهضة لحزب العمال البريطاني وزعيمه جيريمي كوربين.

حيلة ابتدعتها الصهيونية وفضحها خصومها من اليهود. تجلت بالضجة المثارة ضد إلهان عمر، النائب في مجلس النواب الأميركي.

انبرت سارة غيرتلر من مؤسسة أبحاث السياسة للدفاع عن إلهان عمر ، فقالت انها نشات في بيت يهودي وتلقت العلم في مدرسة يهودية، وتشربت تأييد إسرائيل وقامت بزيارتها وابتهجت لمنجزاتها، لكن كل هذا التعاطف تلاشى عندما اطلعت بعد سنوات على اضطهاد الشعب الفلسطيني، وعلمت أن الصهاينة نشطوا اولا في اوروبا الغربية في مرحلة الامبريالية؛ ثم مضت الى القول، انني، أسوة بعدد يتزايد من الشبيبة اليهودية الأميركية، نريد إجراء النقاش حول الدعم الأميركي لإسرائيل. فالحديث عن السياسة الخارجية لا يعتبر لاسامية. وعندما لا يكتفي أعضاء الكونغرس بمواصلة الطعون كذبا في إلهان عمر واعتبارها لاسامية، بل يصدرون قرارا من مجلس النواب تدمغ كلماتها بالكراهية فإنني لا انفعل فقط، بل واصاب بالغثيان. وقالت إن عمر انتقدت دعم حكومة الولايات المتحدة لممارسات إسرائيل التي تنتهك القانون الدولي، وعابت دور المال في السياسة، حيث يجير لمواصلة الدعم الأميركي لإسرائيل.

وأشار سام حسيني، مؤسس الموقع "الإليكتروني فوتباك. أورغ" الى أن النائب عمر ركزت على دور المال في السياسة، ولكن دعم حكومة الولايات المتحدة لإسرائيل ينطلق من اعتبارات الجيوبوليتيك. فمن الواضح أن إسرائيل سحقت عام 1967 القومية العربية ومنعت تطور منطقة الشرق طبقا لخطوط تنسجم مع مصالح شعوبها. لكن يتوجب القول أن إلهان عمر تحولت الى مركز الاهتمام، وجاء فضحها لإجرام إسرائيل بحق الفلسطينيين وتهديدها النووي للبشرية جمعاء يذكرنا بموقف جورج غالاوي ، النائب البريطاني، حين كان مركز هجمات وقلب الطاولة مزدريا السيناتور الأميركي نورم كولمان والطبقة السياسية بأجمعها حين أثبت أن غزو العراق استند الى حزم اكاذيب، وكاد السيناتور كولمان يفقد مقعده بالكونغرس.

وفي 22 فبراير/شباط عالج قضية إلهان عمر البروفيسور أندرو ليفين،أستاذ فلسفة السياسة بجامعة ويسكونسين ماندلسون، وهو يهودي الديانة معارض للصهيونية، فنشر مقالا مطولا حول ارتباط الصهيونية بالامبريالية، ودحض تماهي الصهيونية باليهودية مقدما نفسه مثالا كيهودي الديانة وليس صهيونيا. رد ليفين تهمة اللاسامية لمنتقدي سياسات إسرائيل ومنهم إلهان عمر، عضو البرلمان الأميركي التي باتت موضع هجوم ضار من الصحافة والسياسيين الأميركيين.

قالت إلهان عمر أن بنجامين يشتري أعضاء الكونغرس؛ ويدافع عنها ليفين، فيقول أن بنجامين كناية عن الدولارات الأميركية حيث تحمل ورقة المائة دولار صورة بنجامين فرانكلين، وهو ما قصدته النائب في برلمان أميركا. إلهان عمر تصرفت كالطفل في قصة "الامبراطورعاريا" للكاتب والشاعر الدانيماركي في القرن التاسع عشر هانس كريستيان أندرسون، بخلاف جميع المتملقين الوصوليين عبر الطفل عن حقيقة عري الامبراطور. ومضى ليفين الى القول أن الصهاينة يخشون يوما تكف فيه الولايات المتحدة وغيرها من بلدان الغرب عن التوقيع لهم على بياض كي يتصرفوا كما يشاؤون مع الفلسطينيين.  وفي عالم أكثر عدالة فإن الصهاينة، وليس إلهان عمر، من يتوجب عليه الاعتذار اولا لإلهان وللولايات المتحدة كذلك.

الأكاديمي الإسرائيلي نيفيه غوردون، أستاذ زائر بقسم العلوم السياسية والدراسات الدولية بجامعة ليفرهولم ومشارك في تأليف كتاب "من أجل انتصار حقوق الإنسان"، شبه توجيه تهم اللاسامية لمنتقدي سياسات إسرائيل بصيد الساحرات. استهل مقالته المنشورة بمجلة كاونتر بانش الإليكترونية يوم الثامن من آذار بالحديث عن اتهام عضو بارز في حزب العمال باللاسامية لأنه انتقد سياسات إسرائيل، وقال ان تهمة اللاسامية غدت سلاحا بأيدي اولئك المدافعين عن سياسات إسرائيل. لاحظ ارتفاع موجة العداء للسامية من قبل حركات يمينية في المجر وبولندا واليونان وقال ان المطلوب هو الاتفاق على تعريف للاسامية. إنها، حسب تعريفات المؤرخين وعلماء الاجتماع بث الكراهية لليهود عامة والاعتقاد بمؤامرة يدبرها اليهود ضد العالم وأن اليهود يسيطرون على الرأسمالية، وأنهم ينتمون لعرق أدنى. وتبدأ المشكلة حين يماهي البعض العداء للصهيونية مع انتقاد إسرائيل باللاسامية.

ورغم أن التماهي ليس جديدا غير أنه اكتسب حياة جديدة عندما نشر التحالف الدولي لذكرى المحرقة، وهو هيئة بريطانية، تعريفه الخاص للاسامية مقدما أمثلة على الادعاء بان الصهيونية تتماثل تماما مع اليهودية وأن بالامكان المساواة بين دولة إسرائيل والشعب اليهودي. رد غوردون ان هناك العديد من اليهود ليسوا صهاينة، بينما الصهيونية تمتلك صفات خارجة عن اليهودية، إنما تمد جذورها في إيديولوجيات قومية للقرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين. وبناء عليه فانتقاد إسرائيل لا يشكل بالضرورة عداء تجاه اليهود؛  وبالعكس فان كراهية اليهود لا تستتبع موقفا معارضا للصهيونية.

حقا فلدى النظر في تصريحات أعضاء اليمين المتطرف بالولايات المتحدة وفي أنحاء أوروبا يتضح لنا أن بإمكان المرء أن يكون صهيونيا ولاساميا في آن واحد. وقدم غوردون مثالا ريتشارد سبينسر من الولايات المتحدة يعلن نفسه "صهيونيا أبيض"، ومع ذلك يعتقد أن "اليهود يحظون بتمثيل اكبر مما يستحقون داخل 'الدولة العميقة’". وعلى نفس المنوال فإن أوربان اعترف بإعجابه بالصهيونية ، وكشف في مناسبات أخرى عن ميول لاسامية.

والنقطة الهامة، يضيف غوردون، ان السياسيين اليمينيين يمكن أن يكونوا صهاينة ولاساميين في نفس الوقت وبانسجام فكري. وإذا استطاعت الصهيونية الانسجام مع اللاسامية، يترتب على ذلك طبقا لقانون التناقض، أن العداء للصهيونية والعداء للسامية ليسا نفس الشيء. يمكن للمرء أن يكون اشتراكيا او رأسماليا او ليبراليا ويبقى مع ذلك لاساميا، غير أن حقيقة انسجام اللاسامية مع هذه الإيديولوجيات لا يفيدنا بالكثير عن جوهرها.

وفي التقاليد اليهودية وجه الانبياء عاموس وجيرمياه وإيليشا انتقادات حادة لشعب إسرائيل. والحقيقة المفزعة أن هؤلاء الأنبياء لو عاشوا ببريطانيا في الوقت الراهن، وكرروا العبارات الموجودة بالتوارة على ألسنتهم فإنهم سوف يتهمون باللاسامية.

عدالة القضية الفلسطينية باتت تستقطب ذوي الضمائر الحية من شتى الأجناس والديانات. غدت قضية العدالة لشعب فلسطين أبرز قضايا الضمير في العالم اجمع. صرخات الحرية تصنع مساراتها المؤلمة، بالتفاف الضمائر الحية . بقي ان يعي أصحاب القضية قضيتهم بضمائر حية.