من الذاكرة (8) - طلعت الصفدي

2019-01-22

من الذاكرة (8)

من الذاكرة.. سلسلة مقالات هامة، يتناول فيها الكاتب الرفيق طلعت الصفدي، محطات من التجربة السياسية والكفاحية للانتفاضة الشعبية الكبرى التي انطلقت نهاية العام 1987، ينشرها موقع (حشف) على حلقات - المحرر.

* طلعت الصفدي

الانسان الفلسطيني مبدع .. مبتكر... مفكر... كيف يمكن له في الواقع، التعامل مع الاحتلال الارهابي وتنفيذ المهمات الصعبة والخطيرة التي قد تؤدي أما الى الاستشهاد او الاعتقال او التعذيب في المعتقلات..  

في نهاية ديسمبر عام 1987، كلف الرفيق زياد عاشور ايصال الاعلام الفلسطينية وعلب البوية لاستخدامها في كتابة الشعارات الوطنية على جدران المنازل والمدارس والكاسيتات نداء.. نداء..نداء.. وبيانات باسم (القوى الوطنية بقطاع غزة) التي كان حزب الشعب الفلسطيني - الشيوعي سابقاَ - يطبعها في مطبعة الحزب. وكان مسؤول الجهاز الفني الرفيق طلعت الصفدي ولا زال حتى الان يحتفظ بالآلة الكاتبة التي كان يستخدمها لطباعة نسخة البيان على ماكنة الاستانسل، حتى البيان الاول للقيادة الوطنية الموحدة.

نسق الرفيقان زياد عاشور وعلاء السقا الجهود بينهما، وكان الأخير يملك سيارة ويسخرها لخدمة العمل الوطني، بوضعها طوعا تحت تصرف الحزب حتى وان كانت المهمة خطيرة، خصوصا ان الاثنين سيحملان الاعلام والبيانات وعلب البوية وهم يعلمون ان الطرق ومداخل المخيمات محاطة بالعشرات من جنود الاحتلال الاسرائيلي.

مع استمرار انتفاضة الجماهير الغاضبة ضد الاحتلال الاسرائيلي الهمجي وخاصة جراء ارتفاع وزيادة عدد الشهداء والجرحى، وما رافقها من سياسة تكسير العظام طبقا لقرار وزير الحرب الاسرائيلي آنذاك "اسحق رابين"،  فكر الرفيقان ووصلا الى خطة تمويه تمثلت بإحضار كاسيت يحتوي على اغاني فرنسية وآخر انجليزية واختيار موسيقى صاخبة مصحوبة بالديسكو ومجموعة من زجاجات البيرة، وجهزوا انفسهم كممثلين حقيقيين. وعند وصولهم الى مخيم البريج على الطريق الرئيسي لشارع صلاح الدين، فتحوا المسجل على الديسكو باللغة الانجليزية بأعلى صوت وامسك كل واحد منهم زجاجة البيرة ووضع علاء السقا نظارته على رأسه. اوقفهم جنود الاحتلال وهم مدججون بالسلاح وأصابعهم على الزناد، وعندما شاهدهم الجنود اصيبوا بالدهشة الكبيرة والاستغراب وسألهم الضابط الاسرائيلي الى اين انتم ذاهبون ؟؟، فأجابه الرفيق زياد وهو يلوح بزجاجة البيرة، نحن ذاهبان لنحتفل بسماع الموسيقى عند احد الاصدقاء. فلم يرتب بهما، وأمرهم بالمرور ودخلوا مخيم البريج من بوابته الرئيسية وعيون الاحتلال تلاحقهم وفي عيونهم رغبة في تناول البيرة معهما.

تمكن الرفيقان من ايصال حصة مخيم البريج من المواد التحريضية والتعبوية، واستمروا في مهمتهم حتى وزعوا كل الأدوات والمنشورات لكل مخيمات اللاجئين في المنطقة الوسطى. عاد الرفيقان من مهمتهما بسلام وهما يضحكان من سخريتهما مما جرى معما مع جنود الاحتلال. كان هذا قبل تشكيل القيادة الوطنية الموحدة وإصدار بيانها الاول .

(يتبع.. الحلقة التاسعة)

* عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني