من الذاكرة (6)
من الذاكرة.. سلسلة مقالات هامة، يتناول فيها الكاتب الرفيق طلعت الصفدي، محطات من التجربة السياسية والكفاحية للانتفاضة الشعبية الكبرى التي انطلقت نهاية العام 1987، ينشرها موقع (حشف) على حلقات - المحرر.
* طلعت الصفدي
في الايام الاولى من الانتفاضة الشعبية الكبرى "انتفاضة الحجارة" في ديسمبر 1987، تحرك الرفيق بسام الصالحي ( الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني - الحالي) كونه مسئول قطاع غزة تنظيميا في الحزب، توجه الى القطاع ومعه الرفيقان عبد الله ابو العطا وعايش عبيد عضوي اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني – في حينه، وبعض القياديين، وبدأوا بالاتصال بالقوى الوطنية والفعاليات، لتشكيل وتوحيد الجهود لتفعيل وتوسيع الانتفاضة وتنظيمها...
أسفرت تلك الجهود عن تشكيل القيادة السياسية للانتفاضة من قوى منظمة التحرير الفلسطينية يرأسها الدكتور حيدر عبد الشافي و د. زكريا الاغا ممثلا عن حركة فتح وعبد الهادي ابو خوصة ممثلا عن الحزب الشيوعي الفلسطيني – الشعب - حالياَ، ويونس الجرو ممثلا عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأصدرت بيانها الاول.
كلف الرفيق عبد الهادي ابو خوصة بإيصاله الى وسائل الاعلام، وللمصادفة التي تحمل في ثناياها الضرورة، وصل الرفيق زاهي كركبي عضو مجلس بلدية حيفا ووفد من القوى والشخصيات الوطنية والتقدمية من الداخل الفلسطيني عام 48، حيث التقاه الرفيق عبد الهادي أبو خوصة وأبلغه بالبيان وبضرورة ايصاله الى صحيفة الاتحاد الحيفاوية. رحب الرفيق زاهر وابدى استعدادع لتوصيله حتى لو كان..... وفي اليوم التالي كان البيان قد تصدر صفحات صحيفة الاتحاد الحيفاوية، وكان رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الشهيد ابو عمار أول من قرأ البيان وهو في تونس، وقال: هذا البيان قد صاغه الشيوعيون.. اتصل بالأخ المناضل د. زكريا الاغا الذي طلب عقد اجتماع طارئ للقيادة السياسية العليا، وناقشوا البيان فكان رد الجميع ان البيان قد حاز على موافقة الجميع.
هذا وقد تشكلت قيادة ميدانية للانتفاضة تمثل كافة القوى، لها علاقة سرية بالقيادة السياسية العليا من الاخوة والرفاق توفيق المبحوح ممثلا عن الحزب الشيوعي الفلسطيني، ومروان الكفارنة عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وتوفيق ابو خوصة وايهاب الاشقر ممثلين عن حركة فتح، وجمال زقوت ممثلا عن الجبهة الديمقراطية، وغازي ابو جياب وكان الرفيق عبد الفتاح حميد يحضر بعض اجتماعاتها، وكانت تهدف تلك الاجتماعات لتنفيذ قرارات اللجنة السياسية العليا.
الرفيق الصحفي مصطفى البربار نشط اعلاميا في لجنة الاعلام الحزبية التي كان يرأسها الرفيق فضل البورنو عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، ومعه الرفيق هاشم ابو سيدو وكان يلتقي يوميا بالرفيق ابو خوصة، ويضعه في صورة الأوضاع والتطورات الميدانية وما تتناقله وسائل الاعلام المختلفة، خصوصا صحيفتي الاتحاد الحيفاوية والطليعة المقدسية المحظورتان من التوزيع في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وكان يسافر الى مدينة القدس اسبوعيا، ويجلب معه مئات من أعداد الطليعة والعشرات من صحيفة الاتحاد وبعض مجلات وإصدارات الحزب الشيوعي مثل مجلة الغد والجديد وكذلك مجلة الكاتب المقدسية، ويتناوب في احضارها بعض الرفاق منهم الرفيق جعفر السويركي وطلعت الصفدي وزياد عاشور وآخرين، ورغم المخاطر الاسبوعية التي يتعرضون لها، كان يجري توزيعها في قطاع غزة، وأحيانا توضع عند بعض المراكز والمحلات الموثوق بها.. وكان هناك اصرار على احضارها من القدس رغم حظر توزيعها في غزة، باعتبارها منبرا تعبر عن موقف الحزب، ومرشدا سياسيا ونضاليا واجتماعيا، وشمولها على المقال الاسبوعي للرفيق بشير البرغوتي الذين كان في حينه يشغل موقع الامين العام للحزب الشيوعي الفلسطيني .
لقد نال شعبنا الفلسطيني مساندة حقيقية لانتفاضته من القوى الديمقراطية والتقدمية داخل اراضي 48، وعلى رأسها الحزب الشيوعي الاسرائيلي والجبهة التقدمية للسلام والمساواة التي سارعت بتقديم كل اشكال الدعم والإسناد السياسي والإعلامي، وفضح ممارسات الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية والقطاع، وتعريته من خلال اعتصامات جماهيرية وتنظيم مظاهرات ضد الاحتلال، ومن خلال تسيير سيارات محملة بالمواد التموينية والاغاثية، حيث كانت توضع في مخازن الاغاثة الزراعية، ويتم توزيعها لاحقا لضمان وصولها الى كل بيت وحارة دون تمييز. كما كانت الاغاثة الطبية تتلقى مساعدات من ادوية وأجهزة طبية مختلفة، تقدم الى المستشفيات والمستوصفات، وباشرت بتشكيل نقاط طبية في الحارات والمناطق وأمدتها بالإسعافات الاولية والأجهزة الطبية المختلفة بل وحاولت عمل دورات اسعاف للشباب والفتيات ..
لقد لعبت القيادات الميدانية في كل المحافظات، دورا هاما في قيادتها للمظاهرات والمسيرات، والتصدي لجنود الاحتلال في كل مكان وفي تنظيم العمل الميداني، وفي تشكيل اللجان الشعبية المختلفة خصوصا في حماية الاضرابات والمتاريس ورفع الاعلام واليافطات، وتنظيم الحركة في الشوارع وتوزيع بيانات القيادة الوطنية الموحدة.
ويروي الرفيق عبد الهادي ابو خوصة، انه التقى في بيته الرفيق بسام الصالحي، وبعد اجتماعهم توجه بسام الى بيت الرفيق سليمان ابو شرخ، وفي الطريق التقتهم دورية اسرائيلية وأمرتهم بالخروج من السيارة، وكانوا يتوقعون طلب هوياتهم مما يعرض الرفيق بسام للاعتقال كونه من سكان الضفة الغربية وكان أصلاَ مطلوباَ للاحتلال، إلا ان جنود الاحتلال بعد نزولهما من السيارة، طلبوا منهما رفع الحجارة من الطريق، وبعد الانتهاء سمحوا لهما بالسير. فما كان من الرفيق بسام إلا ان قال لرفيقه مازحاَ: "هكذا تعاملون الضيف يا ابو اكرم ابو خوصة". ؟؟
(يتبع.. الحلقة السابعة)
* عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني