تحية إلى نضال الشعب السوداني: بشير الذل وبشائر الكرامة - سمير دياب

2019-01-07

تحية إلى نضال الشعب السوداني: بشير الذل وبشائر الكرامة

* سمير دياب

لم يكن 19 كانون الأول 2018، يوماً عادياً روتينياً في السودان. هناك من قرر، أنه لم يعد من الممكن أن يمر يوماً واحداً دون أن ُيسمع صوته، وجعه، المه المكبوت، جوعه، سعيه اليومي لتأمين لقمة الخبز والعيش.. بعد أن تسبب الانهيار الاقتصادي وفساد النظام "البشيري" في نقص الخبز من المحال، ونقص العمل في البلاد، ونقص الحرية، وفقدان الاوكسجين من قمع ديكتاتورية الطغاة

نهض شعب السودان يسعى إلى خبزة  وعدالته وكرامته وعيشه الكريم تحت يافطات "الشعب يريد اسقاط النظام"، ضد طبقة نظام عسكري غليظ، وطغمة استبدادية حاقدة، تحكم البلد بقبضة من حديد وسجون وتعذيب وقتل وتبعية إمبريالية ورجعية مهينة. فاحت منها روائح الفساد والصفقات، وفضائح العهر السياسي والأمني، داخل بلاط القيصر وخارجه في انحاء السودان العربي الغني بموارده وخيراته وعماله وفلاحيه ومثقفيه واحزابه الوطنية والتقدمية ونضالاتهم الحية، منذ أيام  الرفاق عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ .. مروراً بكل الوجوه السمراء السودانية العربية المناضلة من أجل سودان حر ديمقراطي علماني ومستقل. 

نقطة التحول حصلت في 25 كانون الأول 2018، حيث إمتلأت شوارع المدن والأرياف بالجماهير المناضلة الغاضبة ، تلبية لدعوة تحالف القوى الوطنية المعارضة، حيث عبر المشاركون في التظاهرات الشعبية عن احتجاجهم ضد السياسة الاقتصادية والانهيار والفساد والنهب وشح السيولة وارتفاع التضخم والأسعار والانخفاض المستمر لقيمة الجنية السوداني، وتضخم ميزانية الدفاع والأمن وضعف ميزانية التعليم والصحة والتنمية الغائبة..

الحركة في السودان في حالة غليان، والشعب السوداني يسير في الشوارع يتصدى بلحمه الحي لإرهاب النظام، وتسلطه وعنفه المفرط، وحملة اعتقالاته التي طالت رموزاً سياسية من الحزب الشيوعي السوداني ومن أحزاب المعارضة ومن مثقفين وأطباء ومحامين.. حمل هذا الشعب دمه على كفه، دون خوف أو تردد، ويكمل  طريقه حتى اللحظة بعناد وثبات، تلبية لنداء الوطن والفقراء، والحاجة إلى التغيير الجذري

ثم جاءت تظاهرات ليلة رأس السنة المفصلية، بتوقيت الشعب السوداني (31 كانون الأول)، حيث شهدت الخرطوم وكافة المدن السودانية يوماً احتجاجياً كبيراً رفع المتظاهرون بدعوة من" تنسيقية دعم الثورة السودانية" شعارات اسقاط النظام، معلنة في صوت واحد عن إفشال محاولات "البشير" ونظامه اللعب على ضرب وحدة حركة المعارضة الوطنية، وشق صفوفها، ومحاولاته البائسة لفبركة وتوزيع بيانات وخطابات كاذبة تحرض على الاسلام، واتهام بعض القوى الوطنية المعارضة، ولا سيما الشيوعيين بالتخريب، كمحاولة من النظام لسرقة الإنتفاضة، والإيحاء، بأن ما يتعرض له السودان هو مؤامرة مدبرة ضده، وضد الحكم. خصوصاً، بعد أن نجحت الإنتفاضة في تخطي الآعيب النظام العنصرية ضد أبناء دارفور، وضد أعماله الوحشية الإرهابية بحق ابناء شعبه. وبالتالي، أصبح اليوم عارياً إلا من أدواته العسكرية القمعية، وميليشياته الاسلاموية (التي لا تمت للإسلام بصلة)، وجهاز أمنه.. حيث تكشر هذه الأدوات عن حقدها الطبقي، وكرهها للشعب السوداني، واستمرارها في قمع واعتقال وقتل المتظاهرين السلميين المطالبين بحق الوجود والحياة

تدخل انتفاضة الشعب السوداني العام الجديد، بتصميم على مواصلة المعركة الطبقية- الشعبية حتى اسقاط النظام، كما عبرت بيانات الحزب الشيوعي السوداني، وبيانات القوى السياسية والمهنية والشعبية.. وذلك بكافة الاشكال الديمقراطية لاحداث التغيير الجذري، وإطلاق سراح المعتقلين ومحاسبة القتلة الذين أطلقوا النار على المتظاهرين الشهداء والجرحى.. من أجل دولة وطنية ديمقراطية علمانية.

كل ثوار وأحرار العالم يتضامنون مع نضال الشعب السوداني، ويتابعون تطورات حركة الانتفاضة الشعبية. ونحن على ثقة بأن رفاق الشهيد عبد الخالق محجوب الذي قال (إن الرجل الشريف يصارع الفكرة السياسية بالفكرة السياسية ويعارض فكرة معينة بالحجة والمنطق. إن محاولة تزييف أفكار أعدائكم - أو من تتوهمون إنهم أعداؤكم - بهذه الطريقة الصغيرة لا تليق، فوق أنها عيب فاضح. أما أساليب الدس فهي من شيم الصغار جداً حتى ولو كبرت أجسامهم وتوهموا في أنفسهم علو المقام).

والشهيد الشفيع أحمد الشيخ (الذي هتف قبل اعدامه "عاش الشعب السودانى ..عاشت الطبقة العاملة"). سيواصلون الى جانب قوى المعارضة والعمال والفلاحين والمهنيين وسائر الفئات السودانية الكادحة السير قدماً نحو فتح آفاق جديدة ملهمة للشعب السوداني، لكتابة الفصل الاخير من نهاية الحكم الديكتاتوري وتحقيق التغيير الجذري والبرهان للعالم بأن ما جرى هو فعل نضال ثوري سياسي – والجماهير المقهورة والمقموعة والجائعة تجسد ثورتها بأجسادها، وتقوم بفعلها الثوري حتى تحقيق امانيها وآمالها في العيش بكرامة والعدالة الاجتماعية والتقدم الديمقراطي

تحية إلى نضال الشعب السوداني.

  * كاتب لبناني يساري