الشرق الأوسط يشهد تفاوتًا صارخًا بين الأغنياء والفقراء

2018-11-26

الشرق الأوسط يشهد تفاوتًا صارخًا بين الأغنياء والفقراء

قال موقع "لوريان 21" الفرنسي إن منطقة الشرق الأوسط، خلافا للأرقام التي جمعتها المنظمات الدولية، تحطم جميع الأرقام القياسية في اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، مشيرا إلى أن ذلك ربما يساعد بشكل أفضل - ولو جزئيا- في فهم الأسباب العميقة للثورات العربية.

وفي دراسة للباحثة في معهد الاقتصاد بباريس "ليديا أسود"، يقول الموقع إن الشعار المرفوع في ميدان التحرير الشهير عام 2011 وسط القاهرة "عيش وحرية وعدالة اجتماعية" يضع العدالة الاجتماعية في قلب مطالب الحركات الشعبية المصرية.

ومع ذلك، تقول الكاتبة إن الأرقام الرسمية في مصر ما قبل الرئيس المخلوع حسني مبارك كانت تقدم هذا البلد على أنه مشابه في العدالة الاجتماعية للدول الإسكندنافية في ثمانينيات القرن العشرين.

وفي مقالها، توضح أن جميع الدراسات الموجودة توثق مستويات متدنية من عدم التفاوت في توزيع الثروة تاريخيًا ودوليًا، وبالتالي سيكون مصدر استياء الناس أمرا آخر، كما تستنتج الباحثة.

وهذه الملاحظة المدهشة سميت "لغز التفاوت في الشرق الأوسط" من قبل منظمات التنمية الدولية، إذ كيف يمكن أن نفسر مستويات التفاوت المتدنية وظهور مثل هذه الحركة الاحتجاجية الضخمة المطالبة من بين أمور أخرى بإعادة توزيع الدخل على نحو أفضل؟

ومن أجل فهم هذا الإشكال جمعت الباحثة كل البيانات الموجودة حول الدخل والثروة، مثل الحسابات القومية واستبيانات الأسر وقائمة المليارديرات المنشورة في مجلتي فوربس وأريبيان بزنس والبيانات الضريبية المتوفرة حديثًا.

وبطرق جديدة في الدراسة وقياس التفاوت في جميع أنحاء الشرق الأوسط، من مصر إلى إيران، ومن دول الخليج إلى تركيا، باستثناء فلسطين المحتلة؛ تقول الباحثة إنها وصلت إلى استنتاجات مختلفة جذريا، تظهر أن الشرق الأوسط هو أكثر المناطق في العالم تفاوتًا في توزيع الثروة.
واختارت الباحثة جمع المعلومات على المستوى الإقليمي عموما، لعدم وجود بيانات تتعلق بالتفاوت في كل بلد، مؤكدة أن دمج هذه البلدان يبرره أيضا أن التفاوت في توزيع الثروة لا يحدده فقط التفاوت داخل البلد الواحد، بل هناك سوء توزيع بين الدول أيضا.

وتعترف الباحثة بأن تحديد هذا المستوى المتطرف من تفاوت الدخل ليس هو التفسير الوحيد للحريق الذي يجتاح الشرق الأوسط، مؤكدة أن جذور الصراعات التي تهز هذه المنطقة معقدة، وتختلط فيها العداوات الاجتماعية والاقتصادية بعوامل دينية وسياسية.

ومع ذلك -تقول ليديا- فإن التفاوت ينتمي إلى مجموعة من الآليات التي تسهم في توليد هذه الأزمات السياسية العديدة، ضاربة المثال بمحاولة ضم العراق للكويت عام 1990، الذي تعتبره مثالًا ساطعًا على الآثار المترتبة على التوزيع غير العادل للموارد.

تباينات هائلة بين الدول

وبينت الباحثة أن عدد السكان في الشرق الأوسط ارتفع بين عامي 1990 و2016 من 240 مليونا إلى 410 ملايين، أي بزيادة إجمالية قدرها 70%، في حين لم يرتفع معدل الدخل إلا بنسبة 15%. .

وترى الدراسة أن ضعف نمو الدخل هذا يعكس حقائق مختلفة حسب مجموعات الدول، مشيرة إلى أن إيران وتركيا والدول العربية -عدا الخليجية- لديها دخل ثابت أقل من المتوسط، لا يبلغ ربع الدخل المتوسط في أوروبا، في حين تتمتع دول الخليج بدخل مرتفع يساوي ثلاثة أضعاف الدخل المتوسط في أوروبا، وبالتالي هناك فجوة كبيرة في الدخل بين دول الخليج وباقي دول المنطقة، لكن هذه الفجوة قد تضاءلت خلال الفترة بين 1990 و2016.

وفي جميع الحالات، وعلى الرغم من هذا الانخفاض في التفاوت في الدخل بين البلدان، فإن الفجوة ما تزال هائلة؛ ففي عام 2016، تمثل دول الخليج 15% من سكان المنطقة، ولكنها تحصل على ما يقرب من 50% من الإيرادات.
وبالتالي، فإن الشرق الأوسط هو أكثر المناطق غير المتكافئة في العالم، إذ إن أغنى 10% يملكون 64% من الثروة الإقليمية، مقابل 37% في أوروبا الغربية و38% في أوروبا ككل، و47% في الولايات المتحدة و55% في البرازيل و62% في جنوب أفريقيا.

أما حصة الدخل الإجمالي التي يملكها أغنى 1% فهي 27% في الشرق الأدنى مقارنة بـ12% في أوروبا الغربية و20% في الولايات المتحدة و28% في البرازيل و18% في جنوب أفريقيا و14% في الصين و21% في الهند. وبالتالي فإن أفقر 50% يحصلون على 9% من الدخل الإقليمي في الشرق الأدنى، مقارنة بـ18% في أوروبا.

المهاجرون

وتقول الدراسة إن المشكلة خطيرة بشكل خاص في دول الخليج، حيث ترتفع نسبة العمال الأجانب بين السكان، إذ تمثل ما يقرب من 60% من مجموع السكان البالغين في عام 2016، مقابل 50% في عام 1990، وهم يشكلون نحو 90% في الإمارات والكويت وقطر، على عكس المملكة العربية السعودية وعمان والبحرين، حيث يمثلون 40% فقط.

وبما أن بيانات المسح في الخليج لا تغطي سوى ما بين 20 و30% من إجمالي الدخل القومي، وبما أن المواطنين يستفيدون أكثر من الأجانب، فإن الباحثة ترى أن مستوى التفاوت كبير، "ونحن نقدم سيناريوهات تفاوت اعتمادا على ما إذا كانت 50% أو 70% أو 100% من الدخل المفقود تخصص للمواطنين فقط.

أما في البلدان الأخرى في المنطقة -باستثناء لبنان- فلا تسمح البيانات بتحديد اتجاهات دقيقة للتفاوت، ومع ذلك يمكن القول إنه انخفض في تركيا، كما انخفض في مصر بين عامي 1990 و2010، ثم زاد بين عامي 2010 و2015.

إعادة التوزيع والمساءلة الديمقراطية

تبرز هذه المستويات العالية من عدم المساواة الحاجة إلى التفكير وتطوير الأشكال الإقليمية للتكامل السياسي وإعادة التوزيع في الشرق الأوسط، خاصة أن هناك آليات لإعادة التوزيع بين البلدان، مثل القروض والدخل المكتسب من العمال في دول الخليج.

وقالت الدراسة إنه من الضروري أن تتم التحويلات المالية الحالية في إطار أكثر ديمقراطية وأقل فوضوية، وتوفر هذه التحويلات الدائمة من أغنى البلدان إلى أفقر البلدان حسب ترتيب نسب عديدة من ناتجها المحلي الإجمالي.
وخلصت الدراسة إلى أنه لا يمكن معالجة هذه المستويات من التفاوت إلا بإصلاحات ضريبية بعيدة المدى في المنطقة، إذ يعتمد معظم البلدان على الضرائب غير المباشرة مثل "ضريبة القيمة المضافة"، بدل الضرائب المباشرة على الدخل ورأس المال التي هي في تناقص.

ودعت الدراسة أخيرا إلى زيادة الوصول إلى بيانات الدخل والثروة في المنطقة، واعتبرت أنه شرط أساسي لإجراء مناقشة عامة مفتوحة وبناء حكم القانون.