أنا مش كافر بس الجوع كافر - عبد الرزاق دحنون

2018-11-14

أنا مش كافر بس الجوع كافر

 عبد الرزاق دحنون

 (قيل لفقير جائع: كم اثنين في اثنين؟ قال أربعة أرغفة)

1

لا بد أن يعمل الحُكَّام بحميَّة وحماس على قتل الجوع, لأن الجوع كافر وأزعم - وعساه يكون زعماً مقبولاً- لا عيب في أن تقوم العلاقة بين الحاكم والمحكوم على إطعام الجياع والمساكين وأهل السبيل, وأظنها بادرة طيبة أن يكون للحُكَّام مطاعم شعبية مجانية منتشرة في أرجاء البلاد يدخلها من شاء ليأكل ما شاء دون حسيب أو رقيب. وعلى الأحزاب الشيوعية خاصة-إن أرادت أن تعود إلى الشارع- أن تتبنى هذه الفكرة في كفاحها اليومي وأن تعمل عليها من أجل الجياع المتعبين.

وقد ألتفت الموسيقي اللبناني الشيوعي زياد الرحباني في ثمانينيات القرن العشرين لهذه المأساة البشرية, فصرخ صرخته المشهورة المدوية في أغنية "أنا مش كافر بس الجوع كافر" وفي القرآن (ويطعمون الطّعام على حُبّهِ مسكيناً ويتيماً وأسيراً. إنما نُطعمِكُم لوجه الله لا نُريد منكم جزاءً ولا شكوراً) وكان الإمام علي بن أبي طالب-كرَّم الله وجهه- صادقاً في قوله لو كان الفقر رجلاً لقتلته.وقد أوجعت مشاهد الفقر والجوع على امتداد كوكب الأرض قلب الراحل البغدادي هادي العلوي, فكرّس مشروعه البحثي والعملي لنصرة الخَلق المتعبين. 

2

مع بداية الثورة الصناعية في منتصف القرن الثامن عشر نجح معظم البشر في انتشال أنفسهم من ذل الفقر والجوع. إلا أن نحو مليار نسمة من سكان العالم اليوم هم معدمون كلياً في عالم من الوفرة. ويعتقد البعض أن سبب مشكلة الجوع هو نقص الإنتاج, ولكن العالم زاخر بالطعام, كما هو متخم بأناس متخمين من كثرة ما يأكلون. إن وجود هؤلاء الجياع في الأرض هو بحد ذاته توبيخ من الله لأغنياء المترفين الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله. وما تزال الدنيا تدور بعيدة عن ملك الجياع. والحقيقة أن الطعام ينتج اليوم بكميات تكفي لسد حاجة كل إنسان يعيش على هذا الكوكب.والسبب الأساسي للجوع هو الفقر, فملايين الأسر في أنحاء العالم اليوم ليس لديها المال لتشتري الطعام, ولا تستطيع شراء أدوات الزراعة لتقوم بنفسها على إنتاج غذائها. هؤلاء التعساء الذين يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم لا يحصلون على كفايتهم من الطعام والمياه الصالحة للشرب والسكن الآمن والرعاية الصحية, إضافة إلى الصرف الصحي وخدمات التعليم. 

3

الجوع وسوء التغذية على العموم يؤثران في مجموعتين هشتين من الناس بدرجات متفاوتة, المجموعة الأولى هم أطفال ما قبل المدرسة, حيث يوجد ملايين الأطفال الذين يعانون نقص الوزن بسبب الجوع الحاد أو المزمن وغالباً ما يكون جوع أولئك الأطفال ميراثاً من أمهات يعانين سوء التغذية.

ويؤثر نقص التغذية في أولئك الصغار, فيجعلهم أقل حماساً للعب والدراسة؛ وكثير منهم يخفق في الحصول حتى على تعليم المرحلة الابتدائية. كما أن الملايين من أولئك الأطفال يتركون المدارس قبل إتمام دراستهم. كذلك يؤثر الجوع المزمن في النمو العقلي, وتبلغ المأساة ذروتها حين يتعرض هؤلاء الأطفال إلى أمراض معدية, إذ تقتلهم بسهولة أكبر مما لو أصابت أطفالاً يحصلون على غذاء جيد. أما المجموعة الثانية من الناس الذين يمكن أن يكونوا ضحايا الجوع أكثر من غيرهم, فهي مجموعة النساء والبنات, فبعض الدراسات البحثية تقر أن أكثر من ستين في المائة من جياع العالم من الإناث. ومع أن النساء المنتج الرئيسي للطعام في معظم أنحاء العالم, فإن البنية الاجتماعية والأعراف السائدة غالباً ما تؤدي إلى حصول النساء على طعام أقل مما يحصل عليه الرجال.

4

يبدو أن الأساس لأي خطوة عملية للقضاء على الجوع وسوء التغذية هو تحقيق نمو اقتصادي سريع للناس الفقراء؛ وخاصة في الريف, لأن الاستبيانات تؤكد أن خمسة وسبعين في المائة من فقراء العالم يعيشون في المناطق الريفية, فلا غرابة أن تكون تنمية الريف وتطوير الزراعة فيه هما العاملين الحاسمين في القضاء على مشكلة الفقر وبالتالي الجوع. على الرغم من أن أقوى آليات محاربة الفقر المدقع والجوع تتمثل في تشجيع مستويات النمو الاقتصادي العام, فإن المد المرتفع لا يكفي بالضرورة لدفع جميع القوارب. من الممكن أن يرتفع متوسط الدخل, لكن إذا كان توزيع الدخل غير عادل فإن استفادة الفقراء ستكون قليلة,ومن ثم تستمر جيوب الفقر.