من يقول لا للسيد الأبيض جداً؟ - نصري الصايغ

2018-08-16

من يقول لا للسيد الأبيض جداً؟

نصري الصايغ

أركع وأخضع. ارفع يديك استسلاماً. هكذا يريد الاله الاميركي. يقول كن، فيكون. تحسس مواقع ركبتيك. سيكون الألم بوسع الروح، والروح تترنح قبل أن تغمض عينيها من فرط المذلَّة.

العالم، لم يعد يشبه امسه. هو عالم جديد يتألَّف من مركز عاتٍ، وضواحٍ مطيعة، تسمى “دولاً”، مجازاً. هو عالم ألقي على قارعة الغزاة. لن تشرق الشمس بعد اليوم من الشرق. فقط تولد الشمس من جهة الغرب. فلتذهب السيادة إلى النسيان. حقوق الانسان اختصاص رأسمالي يكتظ بالدماء. لا حاجة لهذا العالم لكلمات بصيغة الماضي، او بسياق المستقبل. اللغة مختصرة بفعل الأمر. هي لغة زجر وفرض.

يقول السيد الابيض جداً، وعلى “سواد” الدنيا أن ينفذ. قال لمملكة النفط والمال، هاتِ 700 مليار. حضرت المليارات فوراً. فهمت الامارات الخليجية أن عليها أن تدفع وتقف في الصف. خافت قطر فتبرعت قبل سماع أمر السيد الأبيض جداً. نقل السيد سفارة بلاده إلى القدس، طوَّبها “اسرائيلية”، امتثل العرب وتخففوا من اعباء فلسطين. هلَّلوا سراً لصفقة العصر. لم تنجح. سيتنازلون أكثر.

تشوَّه العالم جداً. السيد الأبيض جداً، يأمر اوروبا، فتحار كيف تتصرف تجارياً.

عليها أن تخضع او تركع. هي في الطريق إلى الصين وروسيا. كفة السيد الأبيض راجحة. العالم رهن اوامره والخوف على من يعصاه.

أنذر الشركات المتعاملة مع إيران. قالت اوروبا كلاما لم تسمعه الشركات العملاقة.

انسحبت من إيران خوفاً من عقوبات السيد الابيض جداً. والسيد لا يفاوض. يملي، والاستجابة فورية. تركيا، حليف أطلسي مزمن. وإن يكن. عليها أن تسمع الكلمة والا… انهارت العملة التركية بين ليلة وقبل ضحى اليوم التالي. إيران مفهوم حصارها. لديها سياسة مستقلة. أذرعها في المنطقة مشتبكة مع وسطاء السيد من العرب وما يشبه الدول. شهر سلاح المقاطعة والعقوبات وأنذر المتعاملين مع إيران النووية. اختل توازن إيران المالي. عليها أن تعود إلى داخل حدودها. عليها أن تكون دولة عادية تتلقى النصائح بصيغة زجرية. لم تفعل ولن … ولكن ما الثمن؟ من يحتمل أن يعيش تحت سطوة القرصان الاميركي… يريد من الصين ما يريده من اوروبا. على الصين أن تخسر تجاريا، أن تخضع للضريبة الأميركية. الرجل الاميركي الابيض هو اولا واخراً وبين بين. ومن تبقى من البشرية، من حظه أن يكون في خدمة اقتصاد السيد الأبيض جداً.

مسكينة الامم المتحدة. مجلس الامن معتقل. الأمين العام للأمم المتحدة مختفٍ. المؤسسات الدولية ملحقة بوزارة الخارجية الاميركية… إن للمال وجهة سير واحدة:

من الضواحي الدولية إلى المركز الدولي. “كلكم ملحقون بالدولار”، ولتذهب العملات الوطنية هباءً. هكذا شاء السيد الأبيض جداً.

علماء الجيوستراتيجيا عميان. لقد تغيرت القارات الخمس. لا شيء يشبه الأمس.

الحروب البديلة اشد فتكاً من الحروب الكلاسيكية. الحروب التجارية تقاد بسلاح الدولار. فتركع الدول او تخضع. لا خيار لها الا أن تقنع بالفتات.

تتصوَّر اوروبا انها امام خيارات أخرى: محور يقوم بين الصين وروسيا وأوروبا، والاعتماد على عملات بديلة. تعمل اوروبا على استعادة المؤسسات الدولية لفعاليتها ودورها كمرجعية. اميركا متغلغلة في كل هذه التكتلات الرخوة، واوروبا عاجزة عن معالجة مشكلاتها الصغيرة. الهجرة نموذجاً. اليمين الاوروبي يجد في ترامب نموذجه. اليمين يكسب في اوروبا، وترامب يغّرد ويتوتر طرباً او غضباً.

أميركا اللاتينية عليها أن تختار بين النموذج الفنزويلي، أي الافلاس والندرة إلى حدود المجاعة، او الالتحاق بدفتر الشروط الاميركية. المكسيك امتثلت. البقية تقدم اوراق التماس، عبر تقدم اليمين النيو ليبرالي الامبراطوري. افريقيا، لا حساب لها.

آسيا، خطوة إلى الوراء، خطوتان باتجاه اميركا. أما العرب البائدة فلا يحسب لها حساب. متروكة لحروب فنائها. اسرائيل نجمة على صدر ترامب، ونجوم على صدود عدد من انظمة العرب.

في هذه الاثناء، لبنان منشغل في تشييع قضاياه الحياتية. همه أن يكون قوياً جداً.

اضحكوا قليلا. لبنان بعكازاته الطائفية، لا وزن له. ولولا المقاومة، لكان مخلَّعاً، ومن صنف الصومال.

تقول المقاومة في لبنان وفلسطين وغزة تحديداً، “لن نرفع ايدينا، حتى ولو كانت ايدينا لا تحمل اسلحة”، فكيف إذا قرنت الشعار بالنار؟ هذا امل يتربى على خرق الطاعة لأميركا. هنا، عند هذه المحطة، يقف السيد الابيض جداً خائباً. إذا هدّد بالفوضى، ارتدت عليه، وعلى اتباعه أن يدفعوا الثمن.

السيد الابيض جداً قدر كبير. المقاومة، بالكلمة والقول والزناد تصنع اقداراً أخرى.

الأنظمة والحكومات هشة. تستسلم بسرعة مقابل قبولها تابعاً. الشعوب لا. انها تكره الإملاء وتقاوم الظلم وترفض الاستبداد وتأبى التبعية. شرط الشعوب أن تتألف من مواطنين احرار، وليس من سكان اقبية الطوائف والمذاهب وثقافة “من يأخذ امي اسميه عمي”.

السيد الابيض جداً يشبه الثور الهائج. مصرعه، في حلبة المنازلة التي تبتكرها الشعوب.
هل عندنا في بلاد العرب شعوب؟

الجواب صعب.

باستثناء المقاومة في لبنان وفلسطين، لا رهان على أحد. شرط نجاح المقاومة أن تكون بيئتها الحاضنة أكثر اتساعاً من الطائفة والمذهب والكيان. هذه المهمة ليست مستحيلة. انها صعبة جداً. ولهذا تأخرت عن توسيع رقعة الانتماء إلى مرماها.

إن هذا العالم يفقد انسانيته. لقد صار أكثر توحشاً وترويضاً..

فلنقل لا، على الأقل، مهما كان الثمن.

المصدر: "على الطريق