إسرائيل والفيسبوك...عصر الجواسيس الجدد - محمد عمارة تقي الدين

2018-05-19

إسرائيل والفيسبوك...عصر الجواسيس الجدد

* محمد عمارة تقي الدين

"اليهود لا يصنعون الأحداث بل يستغلونها عند وقوعها" تلك مقولة ذائعة الصيت حول اليهود وهي دالة جداً فيما يتعلق بعلاقتهم بوسائل الإعلام، فمنذ البدايات الأولى لظهورها أجادوا توظيفها لصالحهم بشكل كبير، إذ عبر تحكُّم الصهاينة في وسائل الإعلام العالمية وفهم استراتيجيات توجيه الرأي العام وآليات صناعته استطاعوا أن يلعبوا دوراً دولياً يفوق قوتهم العددية بشكل كبير. 

لذا فلا غرابة أن نجد المرشحين للرئاسة الأمريكية يتوجهون صوب إسرائيل ومن ثم إعلان دعمهم اللامحدود لها ضمن حملتهم الانتخابية لكسب تأييد اللوبي الصهيوني المسيطر على غالبية الإعلام الأمريكي، وكل من تسول له نفسه الوقوف ضد الكيان الصهيوني سيكون مصيره حملة إعلامية ضخمة تشوهه ومن ثم يجرى اغتياله معنويًا وبدم بارد، ولعلنا نتذكر ما تعرض له المفكر الفرنسي روجيه جارودي من حملة تشويه شرسة من الإعلام الصهيوني فقط لأنه شكك في أرقام ضحايا الهولوكوست مؤكدًا أن رقم ستة مليون ضحية من اليهود هو رقم غير صحيح وتكذبه الدراسات العلمية، فتم شن حملة صهيونية عالمية ضده، وقد قال بهذا الشأن: "إن الدعاية الصهيونية منظمة تنظيماً محكماً في الغرب وهي تمثل أحد العوائق الأساسية أمام تفهُّم العالم الغربي للحقائق حول الإسلام".

وكان الزعيم الصهيوني بن جوريون مدركًا بشكل كبير لدور الإعلام في إقامة إسرائيل فكان يقول: "لقد أقام الإعلام دولتنا على الخارطة واستطاع أن يتحرك للحصول على مشروعيتها الدولية قبل أن تصبح حقيقة قائمة في عالم الواقع" .

تلك هي بعض ملامح الآلة الدعائية الصهيونية ودورها في تضليل الرأي العام العالمي، إذ عبر خطة ممنهجة جعلته يتعاطف مع الجلاد(الصهاينة) في مقابل كراهية الضحية (الفلسطينيين)على ما يقول مالكوم إكس.

ومع ظهور عصر الانترنيت بدأت إسرائيل في تطوير قدراتها في هذا المجال وتسخيره في أعمال الجاسوسة من ناحية، وفي أعمال تحسين صورة إسرائيل وتشويه معارضيها من ناحية أخرى، وفي هذه المقالة سنركز على سبل توظيف الكيان الصهيوني لوسائل التواصل الاجتماعي في التجسس على العرب.

بداية تعتمد إسرائيل في استخباراتها على ثلاثة أجهزة رئيسية تابعة لمكتب رئيس الوزراء وهي: الموساد وهو المتخصص في العمليات الخارجية، وله العديد من المهام لعل أبرزها التجسس على الدول العربية، أمان: وهو جهاز الاستخبارات العسكرية، الشاباك أو (شين بيت) وهو جهاز الأمن الداخلي في إسرائيل وتتحدد أبرز اختصاصاته في وأد وتقويض حركات المقاومة الفلسطينية ومنع عملياتها ضد الكيان الصهيوني. 

والجدير بالذكر أنه تدور صراعات حادة بين هذه الأجهزة نتيجة التنافس على الصلاحيات فيما بينها، كما تلقي التهم على بعضها البعض فيما يتعلق بالمسؤولية عن الفشل المخابراتي الذريع في السنوات الأخيرة،لعل أبرز إخفاقات هذه الأجهزة هو الفشل في توقع ثورات الربيع العربي.

فبعد الاندلاع المفاجئ لثورات الربيع العربي وعدم مقدرة المخابرات الإسرائيلية على التنبؤ بها فتحت إسرائيل تحقيقاً موسعاً للوقوف على أسباب هذا الإخفاق المخابراتي، ومن ثم انتهت وكما تؤكد الباحثة شيماء أبو عميرة إلى حتمية رصد توجهات الشباب العربي على مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة لمعرفة ما إذا كان العالم العربي مقبلًا على ثورات وتقلبات اجتماعية جديدة أم يسير بأي اتجاه؟ومن ثم تم إنشاء وحدات خاصة متخصصة في هذا الشأن داخل هذه الأجهزة مثل الوحدة ( 8200) ووحدة ( حتصاق)، وغيرها من الوحدات التي تتكون من عدد من المجندين المُتقنين للغة العربية تحدثاً وكتابة ليقوموا بإنشاء صفحات بأسماء شخصيات زائفة على صفحات التواصل الاجتماعي للإيقاع بالضحايا من الشباب العربي، كذلك رصد التوجهات المعادية للكيان الصهيوني فعند كتابة كلمات مثل: القدس، مظاهرة، مقاطعة، الانتفاضة، الأقصى، اليهود، الصهاينة، شهيد، تبدأ أجهزة التجسس الالكتروني الصهيونية في اختراق حساباتك، فهي إذن الجاسوسية في ثوبها الجديد.

إذ يرى الصهاينة أن هناك كم معلوماتي ضخم داخل الفضاء الإلكتروني، وأنه إذا ما أجريت عليه دراسات علمية وإحصائية جادة فإن من شأنها الوصول لدوافع وتوجهات وطموح الشباب العربي وتطلعاته المستقبلية، ومن ثم وفي مرحلة تالية يمكن التدخل من أجل إعادة صياغة هذه التوجهات وبلورتها في الاتجاه الذي يخدم أهداف الكيان الصهيوني، فهو وكما يؤكد البعض يُشكل ثروة هائلة من شأنها إذ ما حسن توظيفها إحداث تغيير جذري في توجهات وتطلعات وقناعات شعوب المنطقة العربية، ومن ناحية أخرى أصبح يجرى استغلال هذا التواصل الاجتماعي فيما يُعرف بالتطبيع الإلكتروني بين العرب وقاطني الكيان الصهيوني.

ولعل تجربة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي هي الأكثر دلالة بهذا الشأن، فقد أضحى عبر صفحته العربية على مواقع التواصل الاجتماعي مألوفاً جداً للكثيرين من العرب عبر اشتباكه مع كافة الموضوعات المطروحة وترويجه لمقولات زائفة مثل إعلانه أن إسرائيل عنوان الإنسانية وهو التصريح الذي أثار جدلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي غير أنه وبمرور الوقت ومع تكرار ترديده يصبح كحقيقة ثابتة وغير قابلة للدحض فهي إستراتيجية صهيونية بامتياز.

وبالقطع فهدف الكيان الصهيوني من كل ذلك هو خلق وعي زائف وخادع حول المجتمع الإسرائيلي باعتباره مجتمع إنساني قيمي مُفرط في إنسانيته، والترويج لأكذوبة أن إسرائيل هي واحة الديمقراطية وسط مجتمعات ديكتاتورية، ومن ثم يجب أن تتبعها الدول العربية كنموذج مثالي، فهي إذن محاولة لتجميل الوجه القبيح للكيان الصهيوني.

وبالعودة للسياق فقد أضحت مواقع التواصل الاجتماعي الأداة الإسرائيلية الأكثر فعالية في التجسس على العرب، فلقد تسربت معلومات صحفية بأن الموساد قد أطلق حملة ضخمة لتجنيد العديد من العرب إلي صفوف الموساد عبر الفيسبوك وتويتر، كما أطلقت إسرائيل عدداً من الصفحات الناطقة باللغة العربية علي موقع الفيس بوك, لعل أهمها صفحة "إسرائيل بالعربية", وصفحة "إسرائيل بدون رقابة", وهناك صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية", مهمتها المركزية تجميل صورة إسرائيل في عيون العرب، والتي تحظى عدداً ضخماً من المتابعين العرب، والجدير بالذكر أن مدينة القاهرة هي من أكثر المدن مُتابعة لتلك الصفحة، كذلك لعبت صفحة بنيامين نتنياهو الشخصية علي الفيس بوك والتي تقدم باللغة العربية دوراً كبيراً في التواصل مع الشباب العربي. 

كما أسس المتطرفون اليهود حركة (إسرائيل لي) التي ترفض أي عملية سلمية من شأنها منح الفلسطينيين دولة مستقلة، وتبذل هذه الحركة جهودًا كبيرة على شبكة المعلومات الدولية لتقديم رؤيتها للصهيونية والصراع العربي الإسرائيلي باعتبارها الحقيقة المطلقة ومن أجل ذلك أقامت ما يشبه التحالف مع المسئولين عن موسوعة ويكيبيديا الدولية بل ونظمت مؤتمرًا في إسرائيل لهم ومن ثم نلحظ عبر صفحات تلك الموسوعة الانحياز المطلق لإسرائيل.

لقد أكد أحد الخبراء الصهاينة أن الحرب الإلكترونية هي حرب المستقبل وأن مهمة الجيش الإلكتروني الصهيوني تكمن في محاولة الوصول لعمق معلومات العدو وخطوطه المعلوماتية الأمامية ومن ثم إصابته في مقتل، وعليه شرع جيش الكيان الصهيوني في إنشاء شعبة تكنولوجيا المعلومات، ثم عمد إلى تدريب عدد كبير من الأفراد ليتمكنوا من العمل في مجال الحرب الإلكترونية بهدف التجسس وانتزاع المعلومات من العرب والفلسطينيين. 

لقد اهتم إيهود باراك اهتمامًا بالغًا بالحرب الإلكترونية وعمليات الجاسوسية التي تتم عبرها وقت أن كان وزيرًا للدفاع ومن ثم وجه لها ميزانيات كبيرة جدًا واعتبرها حرب المستقبل، كما أمر بنيامين نتنياهو بتشكيل هيئة خاصة للحرب المعلوماتية والتصدي لعمليات القرصنة الإلكترونية.

وفي إبريل2012م تحدثت مصادر عن أن وكالة الأمن القومي الأمريكية قد أبرمت اتفاقاً سرياً مع شركتين إسرائيليتين هما: يرينت وناروس من أجل التجسس الإلكتروني علي الولايات المتحدة الأمريكية وأكدت تلك المصادر أنهما تابعتين لوحدة التجسس الإلكتروني الإسرائيلية الشهيرة السابق الحديث عنها والمعروفة باسم (الوحدة 8200).

فيما أكدت البي بي سي في عام 2017م أنه تم اعتقال حوالي ثمانمائة شاب فلسطيني بتهمة التخطيط لتنفيذ هجمات ضد الكيان الصهيوني، وقد تم الوصول لهم باستخدام برنامج إلكتروني للتجسس على حساباتهم الشخصية على الفيسبوك، وتتهمهم إسرائيل بأنهم ذئاب منفردة تعمل على التخطيط لشن هجمات إرهابية في العمق الصهيوني.

والجدير بالذكر أنه يوجد في إسرائيل حوالي سبعة وعشرين شركة متخصصة في تصميم البرامج الإلكترونية المستخدمة للتجسس على الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتشير المصادر إلى أن إسرائيل تأتي بعد الولايات المتحدة كثاني أكبر دولة في مجال التجسس الإلكتروني في العالم، بل وفي عام 2011 م بدأت شركة ألوت الإسرائيلية للاتصالات في تصدير تقنيات لمراقبة الإنترنت لأوروبا وبلدان أخرى على نطاق واسع. 

وفي عام 2016 م اضطرت شركة آبل إلى إعادة تطوير أنظمة الحماية الخاصة بأجهزتها بعد اكتشاف برنامج تجسس استطاع اختراق تلك الأجهزة وهو برنامج "بيجاسوس" الذي صممته إحدى الشركات الإسرائيلية الشهيرة في هذا المجال، إذ يستطيع هذا الجهاز اختراق كافة حسابات المستهلكين وكلمات المرور ومن ثم نسخ المعلومات الخاصة بهم بل وتحديد مواقعهم بدقة عالية. 

ولا تكتفي إسرائيل بالتجسس على العرب بل تعمد إلى التضييق على مواقع التواصل الاجتماعي المناصرة للقضية الفلسطينية، فقد ذكرت وكالة رويترز أن إسرائيل دائمًا ما تمارس الضغوط على إدارة الفيسبوك لإغلاق أي صفحة ترى أنها تحرض ضد اليهود أو تدعو من قريب أو بعيد لمعاداة السامية، بل اتهموا حملة "الأقصى في خطر" التي أطلقتها الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر من أجل الدفاع عن المسجد الأقصى ضد محاولات هدمه بأنها حملة تحريضية وطالبوا بغلق صفحاتها على الفيسبوك. 

ففي عام 2017 م قامت إدارة موقع فيسبوك وتحت الضغوط الإسرائيلية بغلق ما يقرب من تسعين بالمائة من المواقع التي طلبت إسرائيل غلقها، وبعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل تزايدت عمليات الغلق تلك بشكل كبير.

وتجدر الإشارة إلى أن إدارة فيسبوك دائمًا ما تواجه بانتقادات حادة بسبب انحيازها لإسرائيل على حساب الفلسطينيين، حيث سبق أن أغلقت إدارة الفيسبوك العديد من الصفحات المتعاطفة مع الفلسطينيين في حين أنه لم يتم اتخاذ أي إجراءات ضد الصفحات الإسرائيلية التي تحرض ضد الفلسطينيين أو العرب.

والسؤال الذي يطل برأسه الآن: هل يمكن أن ينقلب السحر على الساحر ونشن نحن العرب هجومًا إلكترونيا مضادًا على إسرائيل؟

بالفعل هناك جهود عربية لكنها فردية وغير مؤسسية، فقد تم فتح تحقيق داخل الكيان الصهيوني في عملية اختراق كبرى لمعلومات شخصية تحتوي على التفاصيل الخاصة لعدد ضخم من الإسرائيليين قارب النصف مليون، وهو ما اعتبره البعض أكبر تسرب معلوماتي في تاريخ الكيان الصهيوني، وفي فبراير 2013 م قامت مجموعة القراصنة أنيموس بمهاجمة مواقع الكترونية إسرائيلية أهمها موقع رئيس الوزراء ووزارة الدفاع ومواقع أجهزة الاستخبارات وغيرها من المواقع الهامة، ومن ثم اتخذت إسرائيل قرارها بمنع الفلسطينيين من استخدام الجيل الرابع والمتطور من شبكات الإنترنت.

وفي التحليل الأخير يجب أن نُدرك أنه وكما يذهب ويلبور شرام "مثلها مثل الثورات تشارك وسائل الإعلام في كل تغيير اجتماعي"، وذلك بمقدرتها الفائقة على إعادة صياغة وعي المجتمع، تلك هي وسائل الإعلام التقليدية التي عاصرها شرام فما بالنا بالوسائل الحديثة فائقة التطور والتي وظفها الكيان الصهيوني في عمليات التجسس علينا، فهل ندرك حجم التحدي ومن ثم نضع استراتيجيات لمواجهته أم سنظل على ما نحن عليه قابعين في دور المفعول به دائمًا، فالسؤال الآن: إذا كانت هذه هي إستراتيجية إسرائيل الجديدة، فهل من إستراتيجية مضادة للعرب؟ 

من دون شك فالأمة العربية مطالبة بجهود كبري في هذا المضمار الذي تأخرت فيه كثيرًا، إذ يتحتم علينا في ظل التحديات الراهنة توظيف هذا الفضاء الإليكتروني في كشف وجه إسرائيل الحقيقي والقبيح وإعادة إحياء الوعي بالمذابح التي ارتكبتها بحق الفلسطينيين والعرب وظنت أن الأيام قد أخفتها في طي النسيان؟ ومن ثم إعادة تجذيرها في الوعي العام العالمي كجرائم لا تسقط بالتقادم، ومن ناحية أخرى توجيه رسائل لقاطني الكيان الصهيوني بأنهم غير مرغوب فيهم في هذا المحيط العربي الرافض لهم طالما استمروا في تلك السياسات العنصرية ضد الفلسطينيين ورفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة.

* باحث مصري متخصص في الأديان وفي الاجتماع السياسي والصراع العربي الصهيوني.