رئيس تحرير جريدة - الموررننغ ستار- / كوربن ونجاحات اليسار البريطاني وتحديات الاعلام الماركسي

2018-03-21

رئيس تحرير جريدة - الموررننغ ستار- / كوربن ونجاحات اليسار البريطاني وتحديات الاعلام الماركسي

كتب/ رشيد غويلب

نشرت جريدة "يونغه فيلت" الألمانية في ملحقها الاسبوعي الصادر يوم 13 كانون الثاني 2018. حواراً مع رئيس تحرير صحيفة "مورننغ ستار" اليومية الشيوعية الصادرة في لندن "بن تشاكو" تناول فيه نهج زعيم حزب العمال كوربن السياسي، ونجاحات اليسار البريطاني والتحديات التي تواجهها وسائل الاعلام الماركسية.

وفي مايلي عرض لاهم ما جاء في الحوار:

الجريدة ونجاحات اليسار

منذ تولي كوربن زعامة حزب العمال تصاعدت مبيعات الجريدة بشكل واضح، ولكن ليس بالمستوى المطلوب. وانطلاقا من حقيقة انضمام مئات الآلاف الى حزبه، وحملة الاعلام البرجوازية شديدة العداء له، فان بيع 10 آلاف نسخة يوميا، 3 آلاف زائر لموقع الجريدة الألكتروني، حصيلة قليلة جدا. مع ملاحظة ان "المورننغ ستار" بكلمات كوربن "الصوت الاكثر قيمه الذي نملكه في صحافتنا اليومية"، ويعني ب"نحن" الحركة العمالية. وقد كتب فيها بصفته عضوا في البرلمان، طيلة 10 سنوات عمودا اسبوعيا. ومعروف ان الجريدة لا تزال ضمن ما يقرأه يوميا. والكثير من النقابيين يقتنون الجريدة. وتوزع في الكثير من مقرات النقابات. وهذا يعني ان عدد الذين يطلعون عليها يفوق عدد نسخها المباعة. وفي نهاية العام الفائت اعيد اطلاق الجريدة على الانترنيت، ويجري العمل على اخراج نسختها المطبوعة بشكل جديد. وهذه اشياء جيدة، وتؤشر الى ان الجريدة تنمو. وعلى العموم هناك شعور مشجع، كون بريطانيا تتميز في اوربا بصعود يساري ينمو من مواقع الهجوم، ويمثل تحديا حقيقيا للحكومة، في حين تواجه الكثير من البلدان الأوربية صعود اليمين المتطرف، مستفيدا من انهيار الليبراليين والديمقراطيين الاجتماعيين، ويجري هذا التطور في بريطانيا لصالح اليسار.

طبيعة الجريدة

لقد تأسست المورننغ ستار في عام 1930 باعتبارها الجريدة المركزية للحزب الشيوعي البريطاني، ولا تزال وثيقة الصلة بالحزب، على الرغم من تحولها الى جمعية تعاونية يملكها قراؤها، وهناك العديد من الكتاب الذين ينشرون فيها كضيوف، ويثير شكل العمل هذا تساؤلات بشأن حفاظ الجريدة على سياسة يسارية واضحة.
وبهذا الخصوص يقول "بن تشكو"، ان خط الجريدة يستند الى برنامج الحزب الشيوعي البريطاني "طريق بريطانيا الى الإشتراكية"، والقراء يوافقون على ذلك. ان هناك اجتماعا سنويا لمالكي الاسهم، وتناقش فيه اسس العمل، ولحد الان ليس هناك اعتراض على ذلك. والكثير من قراء الجريدة شيوعيون.وفي بعض الأحيان هناك شيء من الصعوبة، عندما يتعلق الأمر بالنقابيين، الذين يجلس 9 منهم في قيادة التعاونية، لان حصة الواحد منهم قرابة 20 الف باوند بريطاني. وفي بعض الاحيان يتخذون مواقف تتباين مع موقف الحزب الشيوعي.

ويحدث احيانا ان يجري حديث، بشان الجريدة، بين النقابيين ورئيس التحرير. ولا يترددون بالاتصال به عندما يتضايقون من شيء ما. و الموضوع الأكثر إثارة للجدل في الآونة الأخيرة هو النقاش حول العلاقة بالاتحاد الأوروبي، وخروج بريطانيا منه. وموقف الحزب الشيوعي بهذا الخصوص واضح جدا، وقد دعا الحزب خلال استفتاء حزيران 2016 الى التصويت لصالح الخروج من الاتحاد، ويدعو الحزب الى مغادرة بريطانيا سوق الاتحاد الأوربي الداخلية، وان لاتخضع للمحكمة الأوربية. وهذ كان ايضا خط الجريدة، ويعود ذلك أساسا إلى القيود التي تفرضها بروكسل على بريطانيا بخصوص الملكية العامة والتخطيط الاقتصادي.

في حين ان معظم النقابات كانت ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وهناك توجه قوي في اتحاد نقابات العمال البريطاني للبقاء في سوق مشترك، ولذا فاظهار مهارة دبلوماسية كبيرة هنا مطلوب جدا وفي حين أن اعضاء هيئة التحرير كتبوا لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي ، نشرت الجريدة مقالات لكوادر نقابية تمثل وجهة النظر المعاكسة. وقبيل اجراء الاستفتاء نشرت الجريدة عددا متقاربا من المقالات تمثل الموقفين.

وقد كانت هذه الامكانية الوحيدة المتاحة.

العمل المشترك بين كوربن والجريدة

خلال سنوات حكم توني بلير (1997 - 2007 ) اطلقت تسمية "الفرقة المتمردة" على اليساريين داخل حزب العمال، الذين رفضوا نهجه السياسي وصوتوا ضده بانتظام في البرلمان. وكان كوربن احد اعضاء هذه المجموعة. وكان ايضا عضوا في مجموعة برلمانية تسمى مجموعة الحملة الاشتراكية. وامضى اعضاء هذه المجموعة وقتا اطول من تواجدهم في البرلمان، في النشاطات العامة. وقد يكون هذا أحد الأسباب التي جعلت حزب العمال، منذ تولي كوربن زعامته، يعطي أهمية أكبر للنضال خارج البرلمان:اضرابات، تظاهرات، تجمعات، واحتجاج اجتماعي. وفي تلك السنوات كان كوربن نشطا جنبا إلى جنب مع أعضاء الحزب الشيوعي، مع التروتسكيين وناشطي اليسار الجذري الآخرين. وكان يعمل دائما مع هؤلاء الناس، ولديه صلات ودية معهم. لذلك كان من الطبيعي أن يرث عمود النائب اليساري المتوفى "توني بين". واستمر خلال سنوات 2005 - 2015 بكتابة عموده الصحفي في الجريدة.

ان دعم المورننغ ستار لحملة كوربن الانتخابية لا تنفي ضرورة وجود سياسة شيوعية، كما يتصور البعض.

لقد دأب الحزب الشيوعي على دعم حزب العمال في الحملات الانتخابية، ولكنه كان دائما يسمي عددا من المرشحين باسمه، وكانت الجريدة تتبنى ذلك باستمرار.وفي انتخابات حزيران 2017 ، دعم الشيوعيون والجريدة كوربن بالكامل، لان هزيمته كانت ستشكل انتكاسة للحركة بأكملها. وكان سيفقد زعامة حزب العمال. ان انتخابه زعيما للحزب اعطى قوى اليسار، ومن ضمنهم الشيوعيين زخما. وفي الانتخابات المقبلة سيتجدد النقاش بشأن قائمة مستقلة، ولكن نشاط الشيوعيين لايركز في المقام الأول على الانتخابات. وميدان نشاط الحزب الشيوعي في الغالب في النقابات، على الصعيد المحلي (في البلديات) وسيستمر العمل على هذه الشاكلة.

مساحة نشر الجوانب النظرية والتاريخية

فريق التحرير والنشر في الجريدة يتشكل من قرابة 30 زميلا جلهم من الشباب. وبين حين وآخر يطالب القراء الأكبر سنا بتناول اوسع للماركسية في الجريدة. وتحاول هيئة التحرير التجاوب مع هذه المطالبة. وبدأت الجريدة بنشر عمود كل اسبوعين يعطي اجوبة ماركسية على المشاكل اليومية. وهذه المساهمات تحظى بشعبية كبيرة فهناك حاجة متسعة الى المزيد من النظرية. ويسير العمل في الجريدة بسلاسة. والمشكلة ان الحزب الشيوعي البريطاني حزب صغير، ولذلك توظف الجريدة اعضاء في حزب العمال، وهو امر مقبول، ولكن في بعض الأحيان يثار جدل، خاصة عندما يتعلق الأمر بالشؤون الدولية المعقدة.

وبقدر تعلق الأمر بالتجربة السوفيتية، فان تناولها لا يؤثر على الناس كثيرا على المستوى العاطفي، لانها اصبحت جزءا من الماضي، ومن جانب آخر هناك اهتمام بهذه القضايا لدى الأوساط الشابة. وبالتأكيد فان رسائل القراء تكون غاضبة عندما تتناول ستالين والحرب الأهلية الإسبانية وما شاكل ذلك، ولكن هذه ليست الخلافات التي تحدث بين الزملاء في قسم الأخبار.

موقف كوربن من الخروج من الاتحاد الأوربي

عندما كان كوربن مجرد عضو في البرلمان، كان باستمرار من المشككين بالمعاهدات الأوربية، وصوت ضد معاهدتي ماستريخت ولشبونة. وكزعيم لحزب العمال واجهه سؤال: إذا ما كان ينبغي لبريطانيا البقاء في الاتحاد الأوروبي أم لا، فاختار البقاء في الاتحاد الأوروبي على الرغم من انتقاده الشديد للاتحاد. وموقفه اليوم هو قبول نتيجة التصويت، الذي شمل البلاد باكملها، ويرفض أيضا اجراء استفتاء جديد. وهو يرى، ان البريطانيين قد قرروا، ومن المهم الآن الاستفادة القصوى من هذا القرار. وعندما يتحدث كوربن عن الاتحاد الأوروبي ، فهو في الغالب يتحدث عن معايير الملكية العامة ، والاستثمار في الفروع الصناعية ودعمها، والتخطيط الاقتصادي، وتدخل الحكومة في النشاط الاقتصادي. وهذه كلها أسئلة أساسية للاشتراكيين، محاصرة في السوق الداخلية من خلال العضوية في الاتحاد الأوربي. والمقابل يجادل كير ستارمر، الناطق باسم حزب العمال في ملف "الخروج من الاتحاد"، بقدر أكبر من التأكيد لصالح العضوية في الاتحاد الأوروبي. ان من المشاكل التي يعاني منها كوربن، كون الكثير من نواب حزب العمال يقفون سياسيا بوضوح على يمنيه، وبالطبع لهذا تأثير على المواقف التي يمكنه اتخاذها بشأن هذه القضايا.

على الرغم من الأعمال العدائية المفتوحة، في بعض الأحيان، ، لا يزال كوربن يرى نفسه على عتبة السلطة.

وبسبب العديد من معارضيه داخل الحزب، هناك خطر ان يتخلى، حال دخوله مقر الحكومة، عن مواقفه مثل موقفه ضد حلف الناتو والحروب الإمبريالية وضرورة تعزيز القطاع العام. ومنذ توليه زعامة الحزب كانت هناك محاولات لدفعه الى القطيعة مع مواقفه السابقة. وهكذا تمت مهاجمة صلته بمبادرة السلام البريطانية المعروفة بـ"تحالف من اجل وقف الحرب"، التي كان رئيسها لعدة سنوات. والشيء نفسه حدث مع "حملة نزع السلاح النووي"، التي شارك فيها، وكتب عنها كثيرا في المورننغ ستار. لقد ظل دائماً مخلصاً لمبادئه ورفض دائماً أن ينأى بنفسه عنها . ولكن سياسته تضمنت مواقف وسطية: وبينما ينادي كوربن شخصيا بنزع السلاح النووي ، يطالب حزب العمال بتحديث "أسلحتنا النووية". وكذلك لم يطالب الحزب، على العكس من كوربن بالانسحاب من الناتو.

وبالنظر للقيود التي تفرضها الحياة البرلمانية، فان كوربن يواجه اختبارا لقدرته في فرض مواقفه بالضد من المعارضة القوية التي تواجهه. وعلى هذا الطريق يتميز بقوة الموقف عندما يتعلق الامر بسياسة تقليص الخدمات الاجتماعية، الملكية العامة، وبخصوص برنامج اقتصادي اجتماعي. لقد تحول مزاج الجمهور بهذا الشأن بوضوح ضد المحافظين، فهناك الآن أغلبية شعبية ضد الخصخصة. وينعكس هذا في النمو الكبير لقواعد حزب العمال، فمنذ تولي كوربن لزعامته ارتفعت عضوية الحزب من 200 الى 600 الف عضو.واكثر الأعضاء الجدد من الشبيبة، ويفتقرون الى الخبرة السياسية ، ويتبنون مواقف يسارية بخصوص إعادة توزيع الثروة، ولكن لديهم في الغالب أفكارغير واضحة عن السياسة الدولية ، ناهيك عن طبيعة الإمبريالية. ولهذا ستحظى حكومة كوربن بدعم اكبر في ملفات السياسة الداخلية، من مثيله بشأن القطيعة مع التحالفات الامبريالية.

كوربن والشبيبة

السياسة البريطانية تميزت ولفترة طويلة بعدم وجود اختلاف في الممارسة العملية بين الأحزاب السياسية الرئيسة. وفي السنوات التي أعقبت الأزمة الاقتصادية – المالية 2008/2009 انخفضت الأجور بشكل مستمر، وارتفعت معدلات البطالة. واجبر الطلاب على مغادرة الجامعات محملين بجبل من الديون، وبدون بديل وضيفي مقبول، والكثير من الشبيبة حينها، شعروا بان فرص اولياء امورهم، لدخول حياة العمل كانت افضل. وكان هناك غضب شديد على هذا النظام. ونظر إلى كوربن على أنه رجل المواقف الأصيلة والمخلصة ، لأنه ثبت على مواقفه لسنوات عديدة. وبالمقابل يرتبط شخص مثل توني بلير بممارسة التلاعب ونشر الأكاذيب. وينظر لكوربن باعتباره رجلا يقول مباشرة ما يفكر فيه.

وتزداد شعبية الحلول الاشتراكية ، حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما اظهرته حملة بيرني ساندرز الانتخابية. وتتسع التحفظات ضد االثراء الفاحش، والبنوك، وهناك فهم بأن النظام لا يؤدي وظيفته.

والبريطانيون محظوظون، لأن كوربن استطاع الفوز بزعامة حزب العمال، وأن أحد الأحزاب الرئيسة في البلاد يقاد اليوم من شخصية اشتراكية معادية للإمبريالية. وبالنسبة لرجال الأعمال البريطانيين، فان كوربن اخطر من اي زعيم تقليدي لحزب العمال. ولهذا يريد المحافظون التشبث بالسلطة باي ثمن. على الرغم من مأزقهم الداخلي الناتج من الصراع بين مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي ورافضيه.

كوربن والنقابات

علاقة النقابات بكوربن على العموم ودية، مع ملاحظة إن ردود فعل النقابات، على شخصه،منقسمة.

وللنقابات تأثير كبير على مايجري داخل حزب العمال، وكذلك على لجانه المهمة، يتجاوز حدود حق طرح الآراء. وبدون دعم النقابات، ما كان باستطاعة كوربن 2016 كسب التصويت على اعادة الثقة به، ولكان بقاؤه في قمة الحزب غير ممكن. وتقليديا تكون القيادات النقابية قريبة من الجناح اليميني في حزب العمال، ولكن بعد ان شهدت هذه القيادات في العقود الأخيرة تجاهلا تاما من المحافظين، وكذلك من حكومة بلير، بسبب الخدمات التي قدمها الطرفان للراس مال الكبير، قررت قيادة النقابات تغيير نهجها. وكان دعم كوربن مؤشرا لهذا التغيير، ويقف اليوم اتحاد النقابات البريطاني، اكبر اتحاد نقابي في البلاد إلى جانبه، وكذلك منظمات نقابية اخرى.

إن كوربن يناضل من اجل رفع الحد الأدنى للاجور. والتزامه بضرورة تدخل الدولة في السياسة الاقتصادية يحظى بشعبية واسعة. ولكن غالبية النقابات ليست متحمسة على وضع قضية السلام في مركز الاهتمام. ويلعب مجمع صناعة السلاح دورا مركزيا، ويشكل ذلك باستمرار محطة للخلاف، فنزع السلاح يكلف في النهاية التضحية بفرص عمل. وبالتأكيد ستكون هناك نقاط مختلفا عليها، ولكن العلاقة بين كوربن والنقابات، على العموم، وثيقة جدا.