من تراث فقيدنا الغالي نعيم الأشهب

2018-03-06

من تراث فقيدنا الغالي

نعيم الأشهب

في العطلة الصيفية للجامعة، من العام 1948، عاد فقيدنا الغالي، د. عبد الحفيظ، الى مدينته الخليل، بينما صناعة النكبة الفلسطينية في أوجها، وطوفان التهريج  القاتل الذي أطلقته الأنظمة العربية الضالعة في المؤامرة على الشعب الفلسطيني وقضيته يشل العقول ويعمي الأبصار، الاّ نفر أقل من القليل، طفى رأسه فوق هذا الطوفان الجارف، ووعى هول المؤامرة، وراح يحذر من نتائجها.. كان فقيدنا الغالي، الطالب الجامعي أحد هذه القلة النادرة، التي حذرت من أن الجيوش العربية دخلت فلسطين في الخامس عشر من أيار 1948، ليس لمنع قيام اسرائيل، وانما لمنع الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير، ولو بموجب قرار التقسيم الجائر، ولتتقاسم مع الصهاينة الوطن الفلسطيني، وكان أول مؤشر على ذلك، مصادرة هذه الجيوش للسلاح الدفاعي المتواضع من أيدي الفلسطينيين مقرونا بمنعهم من أي نشاط سياسي، بدعوى أن ذلك يعرقل مهمتهم في تحرير فلسطين!

وبعد أن أنهى فقيدنا دراسته الجامعية للطب، كان عليه واجب الخدمة الالزامية في الجيش الأردني. لكنه دشن هذه الخدمة، بجولة من الاعتقال والتعذيب الجسدي الشديد في زنازين سجن الزرقاء العسكري، بتهمة الشيوعية. وحين دخل معترك الحياة العامة بعد ذلك، كطبيب، في مدينته، الخليل، غدا بسرعة مشهورا كطبيب الفقراء، فقد كان منحازا، وعن وعي ، لمعسكر الفقراء والمحرومين طيلة حياته الصاخبة.

وخلال مشاركته كوزير للاتصالات في أول حكومة فلسطينية، بعد اتفاقات أوسلو، تعرّض لضغوط شديدة ليوقع على اتفاق يمنح شركة اسرائيلية امتياز الاشراف على الاتصالات الفلسطينية على مدى عقود طويلة، لكنه رفض بعناد، وكان هذا سببا في استبعاده في أول تعديل وزاري. وعلى غير العادة التي غدت دارجة،  ترك الوزارة كما دخلها نقيا طاهرا.

هذه مجرد لقطات خاطفة من سيرة فقيدنا الصاخبة، الذي كان يجسد، الى جانب ذلك، مجموعة من الفضائل والقيم الوطنية والتقدمية والإنسانية التي يجب أن لا يطويها النسيان، لتبقى مصدر الهام للأجيال القادمة.