قفزة نوعية نحو الاقتلاع والتهجير سعيد مضية

2018-02-04

قفزة نوعية نحو الاقتلاع والتهجير

سعيد مضية

في ظروف السيطرة المطلقة للمحافظين الجدد على السياسات الأميركية بات التحالف الإسرائيلي – الأميركي يتجه لإنجاز مشروعه القرصني، مستغلا تعطيل النوابض الرافعة للمقاومة الفلسطينية وتراكم الرماد حول جمرتها الحارقة، ومستثمرا بالأسلوب الرأسمالي تردي الأوضاع العربية، اجتماعيا وسياسيا وثقافيا، حيث العجز يتوكأ على "الخيار السلمي"، بينما يؤجج خيار الحرب تارة في سوريا وأخرى في ليبيا واليمن وأية بقعة مستهدفة. في هذه الأثناء تهيأ للقيادة الفاشية في إسرائيل فرصة لسد الثغرة الجزئية مع الإدارة الأميركية وطوعتها لإصدار قرار بشأن القدس وطرح "صفقة" تعتبر الخطوة قبل الأخيرة للترانسفير، صفقة تضيق الخناق حول معازل للفلسطينيين مموهة بدولة مؤقتة غير قابلة للحياة. ستكون الحياة صعبة في الكانتونات المتناثرة بالضفة الغربية.

تجاسرت إسرائيل على الجهر بمطالب التهجير والاقتلاع مع تعاظم نفوذ المحافظين الجدد ونواتهم المسيحية الأصولية في الحياة الثقافية والسياسية بالولايات المتحدة في أواخر القرن الماضي. وبالتزامن مع مع اختطاف المحافظين الجدد للسلطة السياسية في الولايات المتحدة الأميركية حدّثت إسرائيل روايتها الملفقة؛ جاء ترامب الأكثر طواعية للمحافظين الجدد، والأكثر جراة على خرق القوانين والاتفاقات الدولية. 

الرواية الصهيونية المحدّثة كشف القناع عنها، زيوفا بالمضمون وحسما بالاستهداف، موقع "ميديل إيست" الإليكتروني الأميركي. هو موقع إعلامي نقدي خارج التيار الرئيس للميديا الأميركية، حيث تكاثرت على شبكة الانترنت مواقع مثيلة تمسك التيار الرئيس متلبسا بطمس الحقيقة وترويج الوعي الزائف. مقالتان يسندان رأسيهما على خارطة فلسطين من مصدرين مختلفين يوحي نشرهما على الموقع بترابطهما وتكاملهما. اراد محرر الموقع، الدكتور مارك بروزنسكي، من خلال المقالتين، تمزيق القناع عن الحقيقة البشعة للدعاية الإسرائيلية واهدافها. إحدى المقالتين منقولة عن نشرة " الحقيقة البشعة" وضع لها العنوان "جواسيس يهود يحقنون الدعاية الإسرائيلية في وجباتك الإخبارية".

يستعرض المقال نشاط وزارة الشئون الاستراتيجية الإسرائيلية، وقد وصف رسالتها وزيرُها غيلعاد إردان، "حربا' شأن أي حرب أخرى’ تتطلب منا الاحتفاظ بـ'سرية أعمالنا’". والمقالة الأخرى مصدرها مجهول وضع لها العنوان" الدعاية الإسرائيلية بخرائط تاريخية"، يوحي المحرر بذلك ان المقالة من إنتاج وإخراج وزارة الشئون الاستراتيجية الإسرائيلية؛ وهي عرض تاريخي ينطوي على زيوف وقلب للوقائع ينتهي سياقها إلى حتمية ومشروعية تهجير العرب من فلسطين. المؤسي أن الإعلام الأجنبي يكشف زيوفا نرى الإعلام العربي صامتا حيالها ، مع انها تحمل المخاطر الحقيقية للمصير العربي. السياق التاريخي يخرج بالاستنتاج الوعيد. خطوط التأكيد وكل أشكال الترقيم بالنصوص المقتبسة عن المقالتين مطابقة للنص الأصلي. تخرج المقالة الثانية بالاستنتاج المنطقي الوحيد: "في التحليل النهائي انتهى عرب فلسطين ب85% من أراضي فلسطين الأصلية... يطلق عليها الأردن لكنها في الواقع "دولتهم الفلسطينية " العربية. لم يبذل جهد خلال الفترة 1949- 1967 لإقامة دولة فلسطينية ثانية للعرب المقيمين هناك. أليس عجيبا ان عرفات ومنظمته، منظمة التحرير الفلسطينية (تشكلت العام 1964) لم يكتشفوا هويتهم "القديمة" والحاجة لـ" تقرير المصير" و"الكرامة الإنسانية " فوق نفس الضفة الغربية إلا بعد أن أعادت إسرائيل امتلاك هذه البقعة ( بعد ذلك بثلاث سنوات عام 1967) إثر محاولة الأردن لتدمير إسرائيل! تشكلت منظمة التحرير الفلسطينية لتدمير إسرائيل! وما زال ذلك هدفها! ان إدخال تغيير تجميلي على الاسم من م ت ف ليصبح السلطة الفلسطينية لا يلغي الخطوط المرقطة على هذا النَمِر!

نقدم أولا، مقاطع من المقالة بصدد نشاط وزارة الشئون الاستراتيجية الإسرائيلية، كما نقلت عن نشرة "الحقيقة البشعة": 

سيما فاكنين – غيل مدير عام وزارة الشئون الاستراتيجية الإسرائيلية، تسلمت العمل في بداية العام 2016، ومنذ ذلك الحين حصلت تطورات لم تلحظ على نشاط الوزارة. قبل ذلك عملت ضابط استخبارات برتبة ميجر جنرال في سلاح الطيران الإسرائيلي، وبخبرتها المكتسبة خلال عشرين عاما تعاونت مع مختلف هيئات التجسس في إسرائيل، تدير عملية مكافحة حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها (بي دي إس) ومنظمة العدالة لشعب فلسطين وغيرهما من منظمات المجتمع المدني السلمية. كشف وزير الشئون الاستراتيجية، غيلعاد إردان، عن إنفاق مبالغ ضخمة على دعاية مناهِضة لمجتمع مدني سلمي ينشد الدفاع عن حقوق الإنسان. توجه الدعاية تلفيقاتها وزيوفها عبر وسائل الاتصال الاجتماعي ووكالات الأنباء. انها حملات مناهضة لحرية التعبير ولحقوق الإنسان، ، تنفذها وكالات تجسس مسئولة عن الخطف والتعذيب والاغتيالات داخل فلسطين وفي أنحاء العالم. بهذه الأنشطة تنزع إسرائيل عن وجهها قناع الديمقراطية والليبرالية وتكشف الوجه الحقيقي للاحتلال والأبارتهايد.

تتركز مهمات الوزارة في إغراق الانترنت بطوفان من الدعاية الإسرائيلية، تشن الدعاية ضد المتضامنين مع شعب فلسطين. إلى جانب ذلك تروج الوزارة أكداسا من التلفيقات بصدد النزاع العربي – الإسرائيلي. 

ومن المذكرات اليومية الرسمية للوزير إردان يتاكد قيام علاقات حميمة مع وكالات التجسس الإسرائيلية، ومع رؤساء تحرير صحف داخل إسرائيل، مثل جيروساليم بوست ومعاريف، وخارج إسرائيل، بهدف ترويج موادها الدعائية على أنها تقارير صحفية. يسهم أميركيون من المحافظين الجدد في تمويل انشطة الوزارة، من بينهم الملياردير شيلدون اديلسون[ صاحب كازينوهات لاس فيغاس،عراب الحزب الجمهوري الذي مول حملة ترامب]. 

تدخلت فاكنين – غيل بصورة مباشرة في إعداد القوانين قبل أن يقرها الكنيست. وفي تموز وافق الكنيست بالقراءة الاولى على مشروع قانون يعفي وزارة الشئون الاستراتيجية من الاستجابة لقانون حرية المعلومات.

دافع إردان في الكنيست عن مشروع القانون بمسوغ ان مكافحة حركة المقاطعة " معركة 'شأن أي معركة أخرى’، تتطلب منا الاحتفاظ ب 'سرية أعمالنا’. ونشرت هآرتس ان الوزارة أنشأت " وحدة تشويه مكلفة بنشر الأكاذيب حول نشطاء حملة المقاطعة. وتعرضت منظمات فلسطينية اخرى مثل'العدالة لشعب فلسطين’ لهجمات تشويه سمعة تستهدف تقويض الدعم المالي والسياسي المقدم لها".

والمقالة الثانية، "الدعاية الإسرائيلية بخرائط تاريخية"، تتكئ على التلفيق الشائع حول دولة يهودية قديمة في فلسطين ، تجعل منها "ارض الميعاد". تتضمن المقالة أيضا الوقائع المختلقة بصورة مفضوحة، حيث انها معاصرة للأجيال االحية. مع هذا حمل النص الأصلي عنوان (التاريخ في خرائط إسرائيل و"فلسطين") 
إسرائيل + الأردن = فلسطين قبل 1923 .

جاء في النص:

الدعاية العربية تنسى ان البلاد الواقعة شرقي نهر الأردن كانت أيضا جزءا من "فلسطين" وكانت في الحقيقة معدة لتسهيل إعادة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين- ارض إسرائيل.

ونظرا لأنه ما من شعب آخر أسس وطنا قوميا له في "فلسطين" منذ أن أقام اليهود وطنهم قبل ألفي عام، فقد فضل البريطانيون إقامة وطن قومي لليهود في جميع أنحاء فلسطين [اقتصر الاستيطان اليهودي على غربي نهر الأردن]. وشرع اليهود ينظمون هجرات جماعية الى فلسطين في ثمانينات القرن التاسع عشر، ضمن جهود لاستصلاح البلاد وتخليصها من المستنقعات ومن البعوض. اجتذب الجهد اليهودي هجرة جماعية مماثلة لعرب من بلدان مجاورة . لم يقم اليهود بأي محاولة ل "تخليص" المنطقة من العرب المقيمين او من أولئك الوافدين مع اليهود.

في تموز 1922 كلفت عصبة الأمم بريطانيا العظمى بالانتداب على فلسطين، بما في ذلك شرقي نهر الأردن، مقرةً ب "الرابطة التاريخية لشعب اليهود بفلسطين".

وفي العام 1923 قسمت بريطانيا الشطر "الفلسطيني" من الامبراطورية العثمانية إلى منطقتين إداريتين.

أبرمت بريطانيا العظمى صفقة مع المملكة الهاشمية ومصر وفرنسا كي تحصل على قناة السويس ومنابع النفط في كركوك، وكذلك إيواء البدو اللاجئين، الوافدين من شبه الجزيرة السعودية، الذين سمح لهم بالاستيطان "مؤقتا"عام 1922 في الجانب الشرقي من فلسطين الانتدابية: أعطيت شرقي الأردن (وتشكل 77 % من فلسطين الانتدابية) الى شقيق ملك العربية السعودية [هكذا ورد في النص] ، واعطيت سيناء لمصر، وهضبة الجولان (5%من فلسطين الانتدابية) إلى سوريا الخاضعة للانتداب الفرنسي.

في العام 1946 أعيد تسمية شرقي الأردن "الأردن". يعني اطلق اسمان على شرقي نهر الأردن الذي يشكل ثلاثة أرباع فلسطين، بالنتيجة تم شطب كل علاقة بالاسم "فلسطين!". وجهة النظر المبدئية للإجراء أن عرب فلسطين حازوا على وطن "فلسطيني عربي" خاص بهم. اما الباقي من فلسطين 18% (والآن غربي نهر الأردن) تقرر[من قرر!!] ان يكون وطنا قوميا فلسطينيا لليهود. وعلى كل حال ، فالمشاركة لم تكن احد مقومات البنية السيكولوجية للعرب في ذلك الحين وفي الوقت الراهن. وبمساعدة البريطانيين أجبر اليهود على ترك شرقي الأردن. 

شن العرب الباقون في الجزء الغربي المتبقي من فلسطين هجمات من الاغتيالات ضد اليهود بتشجيع من تنامي القومية العربية عبر الشرق الأوسط، وذلك في محاولة لطردهم من البلاد. وأشد الهجمات ضراوة كانت مجزرة الخليل عام 1929 ثم تمرد العرب 1936- 1939. حاول البريطانيون في البداية حفظ الأمن والنظام، لكنهم سرعان ما أغمضوا أعينهم. بات واضحا بشكل مؤلم أن على اليهود الفلسطينيين محاربة العرب وطرد البريطانيين. 

اضطر اليهود الفلسطينيون تشكيل وحدات دفاع ضد العرب الفلسطينيين... وهكذا تشكلت الهاغاناه، نواة جيش الدفاع الإسرائيلي. وتشكلت أيضا منظمة إرغون السرية بقيادة ميناحيم بيغن (الذي صار فيما بعد رئيس حكومة إسرائيل) . حاربت الإرغون العرب وكانت اداة فعالة لطرد البريطانيين.

قررت الأمم المتحدة عام 1947 تقسيم نسبة ال 18% المتبقي من فلسطين إلى دولة فلسطينية يهودية وفلسطينية عربية ثانية (شرقي الأردن كانت الأولى) بناء على التمركز السكاني. وافق الفلسطينيون اليهود ...

ورفض العرب الفلسطينيون. ما زال العرب يريدون جميع فلسطين... كلا من شرقي نهر الأردن و غربيه. لذلك لم ينفذ القرار ولم يعد ملزما !

بدأ ابناء عمومتنا العرب حرب 48، فأطلقوا بذلك شهوات الحرب لدى امة نجت من المذبحة، شعب لا مكان يلوذ به ، وكبح جماح غضبه آلاف السنين. أخيرا أعلن اليهود الفلسطينيون دولتهم، إسرائيل، في 14 أيار 1948، وفي اليوم التالي غزت إسرائيل سبعة جيوش عربية من مصر والأردن وسوريا ولبنان والعربية السعودية والعراق واليمن... معظم العرب القاطنين ضمن حدود دولة إسرائيل حرضوا من قبل الجيوش العربية الغازية على ترك ديارهم كي يسهلوا عملية ذبح اليهود ووعدوا بإعطائهم املاك اليهود بعد ان تنتصر الجيوش العربية. والحقيقة أن معظم العرب ممن هاجروا – ما بين 400 و500 ألف – لم يشاهدوا جنديا يهوديا![ وفي عدد 4كانون ثاني 1948 لصحيفة نيويورك تايمز شهادة اينشتين ومائة من المثقفين اليهود ان ميناحيم بيغن وعصابته الإرغون نظموا مجرة دير ياسين] لم يهربوا خوفا من اليهود، بل نتيجة حسابات عقلانية: اليهود سوف يبادون؛ سوف نخلي الطريق بينما تتواصل المهمة الخطرة ، ونعود بعد ذلك لإعادة إعمار بيوتنا ونرث أملاك اليهود الطيبة أيضا. خمنوا خطا؛ وما زال الفلسطينيون العرب يتعذبون جراء هربهم المخزي. إذن كفى كذبا أبلق حول طرد العرب ( الفلسطينيين) من قبل اليهود. 

خلال شهر مايو 1967 احتشدت الجيوش المصرية والأردنية والسورية على طول الحدود الإسرائيلية الضيقة والتي يصعب الدفاع عنها استعدادا لغزو جماعي من اجل إبادة إسرائيل. 

يجدر في هذا السياق ان ندع ميناحيم بيغن وقادة آخرين في إسرائيل يكذبون الرواية الإسرائيلية في هذا المنعطف التاريخي. فقد نقل غوي لارون، البروفيسور بالجامعة العبرية في كتابه "حرب الأيام الستة أسبابها ونتائجها على نطاق العالم" شهادات قادة إسرائيل في ذلك الحين: "ادعت ميديا الدولة في إسرائيل ان الجيش شن هجوما استبق به هجوم الدبابات والطائرات العربية على حدود إسرائيل. ولم تجد هذه الأكذوبة من يتحداها غير اسحق رابين، رئيس أركان الحرب في ذلك الحين، إذ صرح لصحفي فرنسي قائلا: 'الفرقتان اللتان بعثهما إلى سيناء( الرئيس المصري جمال عبد ال) ناصر في14 أيار 1967 لم تكونا كافيتين لشن هجوم ضد إسرائيل. هو عرف بذلك ونحن أيضا عرفناه’. اما عيزر وايزمان، الذي كان نائب رابين في رئاسة الأركان، فقد ابلغ إحدى الصحف 'لم يَلُح في الأفق خطر الدمار’. وبالمثل قال ماتي بيليد، رئيس شعبة الحركة، أورد في مقالة كتبها عام 1972 'ان الادعاء الذي أشيع حول خطر يتهدد إسرائيل بالزوال عام 1967 كان مجرد خدعة ولدت وطورت بعد الحرب’. وبعد عام صرح ميناحيم بيغن الذي كان وزيرا في حكومة إشكول أثناء الحرب 'ان تمركز الجيش المصري في صحراء سيناء لا يبرهن ان ناصر كان حقا يريد مهاجمتنا. علينا ان نكون أمناء مع أنفسنا، فنحن الذين قررنا مهاجمته’". 

يواصل التلفيق الإسرائيلي اكاذيبه: " لسوء الحظ رأى العالم نقيض ذلك واعتبر إسرائيل دولة 'محتلة’ لهذه الضفة الغربية موضع الخلاف وقطاع غزة علاوة على 850 الف عربي يعيشون هناك.

"إسرائيل مسئولة عن جلب بعض المشاكل على نفسها. كان العرب بالضفة الغربية وقطاع غزة يستعدون لمغادرة ديارهم إثر الهزيمة في حرب 1967؛ وفجأة قام الجنرال بعين واحدة ، موشيه دايان بإقناعهم بالبقاء. .. وإسرائيل تدفع الآن غاليا ثمن هذه اللمحة 'اليسارية’ الساذجة.

"ذلك 'الجسر’ ادى إلى انتفاضتين وإرهاب فلسطيني – عربي شمل العالم كله. من عدو مهزوم تحول هؤلاء العرب 'الفلسطينيون’ الخاضعون لحكم إسرائيل إلى عدو واثق بنفسه ، كاره وخطر يمضي في الطريق نحو تشكيل دولة إرهابية مصممة على تدمير دولة إسرائيل.(انتهى المقتبس عن النص).

المهم في هذا السياق معرفة إلى أي غاية تهدف التلفيقات المضمنة بالعرض؛ فهي عينة دالة من الدعاية الإسرائيلية. قد تنطلي التلفيقات الواردة على الكثيرين في الغرب الموجهة اليهم مواد الدعاية. تفنيد الزيوف يتطلب مقالة مختصة؛ لكن يتوجب القول ان اولى الصدامات جرت في عشرينات القرن الماضي بطُرِد المزارعين العرب من العفولة ومرج بن عامي ووادي الحوارث. اشترى الصندوق القومي اليهودي الأراضي من مالكيها المقيمين خارج فلسطين. أما سمى مجزرة الخليل فهي تداعيات الصدام حول الجدار الغربي للأقصى عام 1929، حين حوّله اليهود الى مبكى مقدسا، حيلة ابتدعوها لوضع أيديهم على الاماكن. كان العالم اليهودي اينشاين قد التمس من المندوب السامي عدم تنفيذ عقوبة الإعدام بحق العرب الثلاثة المدانين بالاشتراك في الأحداث. اعتبر اينشتين المتعصبين اليهود مصدر الفتنة، كما اورد في شهادة قدمها العان 1946 للحنة تحقيق دولية. وفي ثورة 1936-39 وضعت وحدات الهاغاناة تحت إمرة البريغادير البريطاني وينغيت للمشاركة في تعقب الثوار الفلسطينيين واغتيالهم.

ربما يصلح في السياق إيراد مقتطف من كتاب ميكو بيليد، ابن الجنرال الذي كان عضو هيئة الأركان أثناء حرب حزيران ، اعتزل الجيش لما تأكد له التصميم على ضم الضفة وانضم لمعسكر السلام ودخل الكنيسيت على قائمة اوري أفنيري؛ مضى الابن على خطى الوالد والف كتابا بدد فيه الأساطير الإسرائيلية: 

أولاَ: إن قبول الوكالة اليهودية قرار التقسيم عام ١٩٤٧ كان موقفا تكتيكيا خالصا، فلم يكن هناك أى استعداد للقبول بالحدود المنصوص عليها في قرار التقسيم كحدود نهائية للدولة اليهودية المطلوب تأسيسها.

ثانياَ: لم يكن أمام الفلسطينيين (الأكثر عددا وتجذرا فى الأرض) سوى رفض مشروع التقسيم، لأنه منحهم مساحة أقل وأراضى أفقر، وبالتالي لم يتضمن المشروع عرضا جادا لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.

ثالثاَ: امتلكت الجالية اليهودية فى فلسطين قبل حرب ٤٨ جيشا قويا منظما ومدربا ومجهزا بأحدث الأسلحة، لم يكن قوامه يقل عن أربعين ألفا، وهو أكبر دليل على أن إسرائيل كانت تستعد للحرب حتى من قبل أن تتدخل الدول العربية لنصرة الشعب الفلسطينى، وأصبحت جاهزة لكل حرب بعد ذلك، بل ساعية لها من أجل المزيد من التوسع.

إسرائيل تخطط لمرحلة ثانية من التطهير العرقي وتصفية القضية الفلسطينية، محاولة بالأكاذيب والتزوير تبرير الجريمة، بينما أهل القضية سادرون في العبث والتلهي بالتفاهات. حبل الكذب قصير؛ غير ان الإسرائيليين ارتكبوا الجرائم فهل يترددون امام التزوير والكذب ؟