"سبوتنيك": ورثة ثورة أكتوبر"الشيوعية"... العرب يحلمون بمثيل لها بعد مئة عام

2017-11-04

"سبوتنيك": ورثة ثورة أكتوبر"الشيوعية"... العرب يحلمون بمثيل لها بعد مئة عام

وكالة "سبوتنيك" الروسية: بعد مئة عام على ثورة أكتوبر/ تشرين الأول الشيوعية، لا يزال هذا الحدث التاريخي، الذي رسم مصير العالم طوال القرن العشرين، حاضرا في أذهان اليساريين والشيوعيين العرب، رغم الخيبات التي اعترضت نضالهم، خلال العقود الثلاثة الماضية، على أثر فقدانهم السند السوفييتي، الذي أسست له تلك الثورة، التي ما زال الجدل مستمرا بشأن تداعياتها.

ولطالما شكّلت ثورة أكتوبر/ تشرين الأول الروسية، مصدر إلهام لليساريين والشيوعيين العرب، منذ الرسالة الشهيرة التي وجهها أبو الثورة البلشفية فلاديمير إيليتش أوليانوف لينين إلى مؤتمر شعوب الشرق، المنعقد في باكو، عاصمة جمهورية أذربيجان الاشتراكية، في أيلول/ سبتمبر عام 1920، وذلك في إحدى أخطر لحظات التحوّلات السياسية على مستوى العالم، ولا سيما المنطقة العربية، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.

وفي حقيقة الأمر، فقد شكلت الثورة البلشفية، رافداً للعديد من حركات التحرر الوطني، ذات الإيديولوجية الشيوعية في العالم العربي، وهو ما ترجم لاحقاً بتوالي تشكيل الأحزاب الشيوعية، من مصر وفلسطين ولبنان وسوريا…الخ.

ولا يختلف اثنان على أن نشأة الاتحاد السوفييتي، شكلت دعماً أساسياً لكل التحرّكات التحررية تلك، طوال العقود السبعة اللاحقة على ثورة أكتوبر، تماماً كما شكل انهياره  - فشل تجربة أكتوبر/ تشرين الأول- زلزالاَ مدمّراً، ما زال اليسار العربي بشكل خاص يعاني من إرهاصاته.

ولكنّ تحوّلات عديدة شهدها العالم، منذ أواخر التسعينيات وحتى اليوم، أبرزها عودة روسيا إلى احتلال موقعها الطبيعي على الساحة الدولية، كقوة عظمى، والتجارب اليسارية المثيرة للانتباه في مناطق أخرى، ولا سيما في أمريكا اللاتينية، ناهيك عن الحراك الشعبي العربي قبل سنوات - بمراحل زهوه وتراجعه - جعلت ورثة ثورة أكتوبر في العالم العربي، يحلمون بثورة جديدة تغير العالم.

ومع تأكيدهم على استحالة استنساخ ثورة أكتوبر، إلا أن اليساريين العرب يرون أن إرثها لا يزال حاضراً، في مئويتها الأولى، بالرغم من انهيار الاتحاد السوفييتي والتحولات المزلزلة التي شهدها العالم منذ أكثر من ربع قرن.

يقول القيادي التاريخي في "الحزب الشيوعي اللبناني" موريس نهرا، في حديث لوكالة "سبوتنيك"، إن "المسألة الأولى التي جسدتها الثورة هي أنّه يمكن للطبقات الكادحة أن تنتفض وتبني دولة وسلطة ونظام جديد، يحرر الإنسان من إمكانية الاستغلال، وهذا أمر أثبتته ثورة أكتوبر على مدى ما عاشت، أي أن الثورة يمكن أن تحقق طموحات البشر على الأرض، وليس كوعد الحياة  في الجنة".

ويضيف أن "انتصار الثورة وما قدمته من إنجازات دفع بالطبقات الكادحة في العالم ككل، وبخاصة في البلدان الرأسمالية  والمتقدمة، إلى مواصلة النضال، حيث أجبرت السلطات الحاكمة على تقديم تنازلات على مستوى القضايا المتعلقة بحقوق الطبقات التي تعمل بالأجرة، كالضمانات الاجتماعية والتعويضات والشيخوخة وصندوق البطالة الخ…".

ويرى القيادي في الحزب الشيوع اللبناني، أن "السلطات الرأسمالية رضخت تحت ضغط العمال والنقابات والأحزاب اليسارية خوفاً من تأثير موجة ثورة أكتوبر في المدى العالمي".

ويشير نهرا إلى أن "ثورة أكتوبر تركت أثرها في بلدان العالم النامي، أو ما يسمى ببلدان الجنوب، حيث هناك شعوب تمكنت من تحقيق استقلالها، وإن كانت هذه الدول الآن في ظروف سيئة تحت السيطرة الرأسمالية والإمبريالية في العالم،  ولا تزال بالتالي في موقع التبعية".

ويشدد نهرا على أن "سقوط الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفييتي لم يزيلا هذه الآثار لدى شعوب العالم في نضالاتها نحو عالم أفضل".

من جهته، يقول المشرف على أعمال المدرسة الحزبية في الحزب الشيوعي اللبناني، الدكتور مفيد قطيش لـ"سبوتنيك"، إن "ما بقي من ثورة أكتوبر في كل  العالم هو الوهج الذي خلفته، والمقصود بذلك أن الاستغلال  ليس قادراً على إخضاع البشرية، وأنه في لحظة من اللحظات، عندما يتحوّل الواقع الموجود إلى عائق أمام حركة البشر، فإنهم يبحثون عن المخرج من المأزق فتكون الثورة".

ويضيف "انطلاقاً من ذلك يمكن فهم ثورة أكتوبر اليوم، إذ لا يجوز الحكم على ما بقي من الثورة على أنها سقطت، فكل القرن العشرين سار تحت وهجها، وكل التغيرات التي حصلت في الرأسمالية المتطورة حصلت تحت وهجها أيضاً"، ما يعني أن "الثورة باقية كمنهج وحل للتناقضات الاجتماعية ".

وبعد مرور مئة عام على ثورة أكتوبر، يبقى السؤال الذي يراود الشيوعيين واليساريين العرب: هل العالم مهيأ لثورة مماثلة؟

يجيب نهرا على هذا السؤال قائلاً إن "الثورة التي يحتاجها العالم أصبحت أكثر إلحاحاً بعد الثورة الكبيرة التي أوجدت الاتحاد السوفييتي، الذي تحوّل إلى قطب كبير في وجه القطب الإمبريالي الاستعماري".

ويضيف أنه "بعد تفكك الاتحاد السوفييتي حصل ما حصل على مستوى العلاقات الدولية، تحت عنوان الأحادية الأمريكية، فانكسار الثورة البلشفية، أتاح  للدولة الإمبريالية الكبرى، وهي الولايات المتحدة الأمريكية أن تضع خطتها للهيمنة على العالم، وهو أمر يتطلب من شعوب العالم أن تواصل النضال، برغم الانتكاسات المتلاحقة، لرفع الهيمنة والمضي قدماً في التحرر الوطني".

ويرى أن "العالم بحاجة إلى ثورة ولكن ليس بالمعنى الضيق، وإنما بأهداف اجتماعية واقتصادية، سواء في البلدان الرأسمالية المتطورة أو على صعيد بلدان حركة التطور الوطني وغيرها".

بدوره، يقول قطيش"اذا أخذنا الجانب الموضوعي من السؤال، بمعنى هل تحتاج البشرية إلى ثورة، لا أتردد في الإجابة بنعم، لأنه في الوقت الذي بلغ فيه التطور العالمي مستوى يسمح  بإشباع  أربع أضعاف البشرية الموجودة اليوم، نجد أن العالم غارق في بحر من المشاكل المهددة لبقاء البشرية، من مشاكل البيئة، والأسلحة النووية، والإفساد الذي يمارس على مستوى الثقافة والأخلاق أو الجريمة".

ويضيف "كل هذا يدفع أي القول إن الثورة ضرورة ، لكن من المؤسف أن الجانب الذاتي في تلك الضرورة غير مهيأ، ولا يتشكل، إذ تعتمد السلطات المسيطرة على شراء الفئات الواسعة من الناس، بهذا التنازل أو ذاك، ما يجعل القوى النقيضة للبرجوازية ولرأس المال عاجزة عن القيام بهذه المسألة".

ومع ذلك، يشدد قطيش على أن "الثورة ليست مستحيلة"، معرباً عن اعتقاده بأنه "في حال تمكنت القوى الثورية من إيجاد السبل لتنظيم الناس من جديد ستكون الثورة  ممكنة".

أما الباحث والمحلل السياسي الدكتور جمال واكيم، فيقارب إرث ثورة أكتوبر من زاوية أكثر ارتباطاً بروسيا نفسها، إذ يقول، في حديث لوكالة "سبوتنيك"، إنه "لو لم  تحصل الثورة البلشفية في روسيا في ذلك الوقت، لما كانت هناك إمكانية لبقاء روسيا بحدّ ذاتها"، موضحاً أن "الثورة أعطت الحياة لمدة سبعين سنة  للامبراطورية الروسية تحت مسمى آخر، ومنحت الفرصة للتفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية  في الاتحاد السوفييتي السابق عموماً،  وداخل روسيا على وجه الخصوص، ما جعلها إحدى القوى التي استمرت  في التحدي والوجود على الخريطة السياسية بالمقارنة مع الامبراطوريات الأخرى"، لافتاً إلى أن "الامبراطورية العثمانية، على سبيل المثال، انهارت  ولم يبق منها بعد الحرب العالمية الأولى، وهو ما ينطبق على الامبراطوريتين المجرية والنمساوية، وبالتالي يمكن القول إن ثورة أكتوبر، في بعدها الوطني، أعطت حياة جديدة لروسيا".

ومن جهة ثانية، يقول واكيم إن "الثورة البلشفية  هي التي دفعت باتجاه عملية التفاعل الاجتماعي والتخلص من طبقة اجتماعية كانت تنتمي الى القرون الوسطى، ألا وهي الإقطاع الروسي، حيث تمّ فتح الطريق أمام طبقة اجتماعية للصعود واستلام السلطة، والدفع قدماً باتجاه التطور وتحويل روسيا إلى قوة عظمى تمكنت من دحر النازية في الحرب العالمية الثانية، وهي تتحدى اليوم الولايات المتحدة الأميركية برغم هزيمتها في الحرب الباردة".

ولعلّ حديث واكيم عن البعد الروسي، يفتح المجال أمام قراءة للجدل القائم في روسيا نفسها حول ثورة أكتوبر في مئويتها الأولى.

ويرى موريس نهرا، في حديثه إلى "سبوتنيك" إن "تقييم الثورة اليوم، يحتاج إلى بحث كبير، ونقاشات واسعة، على مستوى العالم، لأنه بمجرّد أن عاشت الثورة سبعين عاماً، أو أكثر، فإنّ ذلك يمثل دليلاً  على أن ثمة ظروف موضوعية ساهمت في بقائها، وليس ظروفاً ذاتية أو إرادية فحسب".

ويضيف "لقد كانت هناك موضوعية في روسيا انتجت ثورة أكتوبر، وقد بُنيت على نظرية التطور المتفاوت، وكتب عن ذلك لينين أنّ نضج الأزمات و يخلق أزمات بين الدول نفسها، ولكنه أيضا يولد أزمات اجتماعية وغيرها عبر الزمن، ومن خلال شروط تاريخية قد لا تحدث بالضرورة في وقت واحد أو متزامن".

أما قطيش فيتخذ موقفاً أكثر تشدداً، من حاضر روسيا، مقارنة بماضيها "الثوري"، إذ يقول إن "روسيا لا تستطيع أن تحافظ على موقعها في العالم، فبالرغم من استمرارها في امتلاك السلاح النووي، وبرغم التطورات الإيجابية التي حدثت مؤخراً، لجهة وجود سلطة سياسية تريد الحفاظ على مصالح روسيا، إلا أن الثورة المضادة التي حصلت أعادت روسيا إلى الوراء عشرات السنين إذا لم نقل  مئات السنين"، لافتاً إلى أن "روسيا اتجهت إلى الرأسمالية،  وليس لها موقع  في الرأسمالية في الوقت ذاته، لأنها جاءت متأخرة،  وبالتالي لا تستطيع أن تحتل مواقع جديدة، وهذا هو بيت القصيد في مواجهة الغرب لروسيا، ولا سيما الأميركيين الذين يقولون للروس: جئتم إلى الرأسمالية أهلاً وسهلاً… لكن ينبغي عليكم أن تدركوا بأنّ مكانكم متواضع".

في المقابل، يرى جمال واكيم أن "الثورة البلفشية أعلنت ولادة القرن العشرين، مثلما أعلنت الثورة الفرنسية ولادة القرن التاسع عشر". ويضيف أنه "برغم هزيمة الثورة الفرنسية في معركة واترلو إلا أن العالم ما يزال يعتمد على مبادئها سواء في النظم الديمقراطية أو الليبرالية أو حقوق الإنسان وما إلى ذلك"، لافتاً إلى أن ذلك ينسحب على ثورة أكتوبر، بالرغم من أنها سقطت في العام 1989، أو ربما قبل ذلك، في عهد بريجنيف، إلا أنها بذورها ما زالت موجودة، والدليل على ذلك أن القوى التي تتحدى الإمبريالية الأمريكية تعتمد على نماذج كانت قد اقترحتها الثورة البلشيفية سواء في التنمية أو في التنظيم السياسي، ولذلك فإن هناك الكثير من الأمور يمكن أن نتعلمها من مبادئ ثورة أكتوبر وتطويرها".