ملف: الذكرى المئوية لإنطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى (4) أكتوبر والأممية
جون فوست

2017-11-04

ملف: الذكرى المئوية لإنطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى

الأممية تبدأ في الوطن الأم

تمر على البشرية جمعاء الذكرى المئوية لإنطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية 1917 في روسيا، الثورة التي غيرت موازين القوى في العالم وبدأت بتغيير وجه العالم وإعادة بناء الحياة الجديدة للإنسان من منظور تاريخي مغاير لمنطق ورؤية البرجوازية وسلطتها وثقافتها وفكرها وممارساتها

ومنذ تفجر ثورة أكتوبر الاشتراكية، شهد العالم خلال العقود الماضية، متغيرات كثيرة جراء الواقع الجديد الذي فرضته هذه الثورة على صعيد روسيا والعالم.

وبمناسبة هذا الحدث العظيم الذي أدى لتأثيرات هائلة في تاريخ وحياة البشرية، نفتح ملف الذكرى المئوية لثورة أكتوبر 1917، من خلال نشر بعض الاسهامات الهامة التي تلقي الضوء على تلك الثورة وهويتها الفكرية والاجتماعية، وتتناول عوامل وظروف اندلاعها وأهدافها وتأثيراتها، والإخفاقات اللاحقة التي تبعتها وأدت إلى إنهيار النظام الاشتراكي.

----------------------

ثورة أكتوبر والأممية

جون فوست

ترجمة: قحطان المعموري

(رأس المال هو قوة دولية. وللتغلب على هذه القوة، لابد من تحالف وتآخي العمال في العالم أجمع. إننا نعارض العداوة والخلاف الوطنيين، أما بالنسبة للخصوصية الوطنية فنحن أمميون) لينين. "هذه رسالته إلى العمال والفلاحين في أوكرانيا 1919."

السلام، الخبز والأرض

كان شعار ثورة أكتوبر هو "السلام والخبز والأرض". وفي اليوم الذي أعقب الإطاحة بالحكومة المؤقتة، اقرّ مجلس السوفيت في عموم روسيا مرسومه الخاص بالسلام حيث دعا هذا النداء شعوب وحكومات البلدان المتحاربة إلى إجراء مفاوضات فورية من أجل "سلام عادل وديمقراطي دون ضم أراضي الغير". وإعتبارجميع المعاهدات السرية لاغية وباطلة، إضافة الى عرض هدنة فورية ولمدة ثلاثة أشهر. وانتهى النداء بدعوة الشعب العامل لثلاثة بلدان رأسمالية رئيسية هي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا قائلاً: "إن عمال هذه البلدان سيفهمون واجبهم الآن في إنقاذ البشرية من أهوال الحرب" وربط هذا الكفاح من أجل إحلال السلام، كما فعلت ثورة أكتوبر نفسها، للتحرر من "جميع أشكال العبودية والاستغلال" .

الحرب: دفاعية أم إمبريالية ؟

لقد سلط المرسوم المتعلق بالسلام الضوء على الطبيعة الرئيسية لثورة أكتوبر: الطريقة التي يتم بها جمع الكفاح ضد الرأسمالية مع الأممية الاشتراكية الحقيقية.

في بواكير الحرب عام 1914 تم خيانة الأممية الاشتراكية، حيث في عام 1912، اعتمدت الاشتراكية الدولية، التي وحدت الأحزاب الاشتراكية في جميع أنحاء أوروبا والعالم، بالإجماع بياناً يلزم فيه الأحزاب الاشتراكية في جميع البلدان باستخدام قوتها الصناعية لوقف الاستعدادات للحرب. ومع ذلك، عندما جاءت الحرب، فإن الغالبية العظمى من الأحزاب الاشتراكية آنذاك فشلت في القيام بذلك، وبدلا من ذلك انتهى بها المطاف لدعم تعبئة حكومتهم للحرب. إضافة الى قبول هذه الأحزاب تعريف الحرب وعلى النحو الذي وضعته الطبقة الحاكمة في بلدها من أنها دفاعية ومشروعة. لقد حدث هذا في ألمانيا وبريطانيا والنمسا وإيطاليا، وأخيرا، في فرنسا .

وفي واقع الأمر فأن البلاشفة الروس هم الوحيدون الذين لم يفعلوا ذلك، وقد أدان زعيمهم، لينين، الحرب كونها إمبريالية، وتمثل مصالح الطبقات الحاكمة في كل بلد، ومستمّدة مباشرة من طبيعة النظام الرأسمالي في مرحلتة الإحتكارية.

الأممية تبدأ في الوطن الأم

يقول لينين، إن الأممية ليست طموحا عاما مجردا. وفي كتابه، الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية سعى لينين لإثبات أن الرأسمالية في مرحلتها الأكثر تطورا، مرحلة الإحتكار، أصبحت اليوم ذات طبيعة إمبريالية وعدوانية. إن تناقضاتها الداخلية تعني أن على كل دولة رأسمالية رئيسية أن تستولي على أراضي خارجية بهدف إستغلال مواردها وأسواقها.

إن مقاومة الرأسمالية لا يمكن أن تشن ببساطة على المستوى الاقتصادي فقط . إنها تعني معارضة سياسات الطبقة الحاكمة، وفضح محاولات النظام الرأسمالي لإخضاع الشعوب الأخرى. لذلك فأن الطبقة العاملة تعارض جميع الحروب الإمبريالية - وليس بشكل عام بل مباشرة وفي بلدانهم وربط هذه المعارضة بالنضال ضد النظام الرأسمالي بشكل عام. ولوفعلوا خلاف ذلك، أي دعم الدعاية التي يبثها حكامهم، فأن ذلك من شأنه أن يجرّد الطبقة العاملة من سلاحها ويخضعها في نهاية المطاف لإيديولوجية الطبقة الحاكمة. إن على الأممية أن تبدأ في الوطن الأم .

لقد إزدادت المعارضة للحرب في روسيا مما هيأ الشرارة لثورة أكتوبر. في خريف عام 1917، نجحت السوفيتات، وهي المنظمات الجماهيرية التي تم إنشاؤها في أعقاب ثورة فبراير الأولى، بإستعادة شعار السلام، الخبز والأرض. وحتى تلك اللحظة، كان جناح الاشتراكيين اليمينيين، يواصل الحرب بالتحالف مع ممثلي الشركات الروسية الكبرى، ويسيطرون على السوفيتات أيضاً. لقد تم دحرهم من قبل البلاشفة وحلفائهم. إن شعار جميع السلطة للمجالس السوفيتية يعني أن الحكومة ستعمل على إنهاء الحرب. وهنا يكمن السبب في أن أول عمل للسوفيت كان المرسوم المتعلق بالسلام، ونشرت أيضا على الفور المعاهدات القيصرية السرية لفضح الطابع الإمبريالي للحرب: لقد سعت روسيا إلى الاستيلاء على القسطنطينية؛ فيما بريطانيا وفرنسا على الموارد النفطية في الشرق الأوسط.

معارضة الحرب والإمبريالية تؤدي الى التغيير الثوري

لقد أحدثت الدعوة التي أطلقها العمال الروس إلى السلام اصداء كبيرة في أوساط العمال في أماكن أخرى. ففي غضون ثمانية أسابيع، اضرب ما يقارب 400 ألف عامل مطالبين بإنهاء الحرب في ألمانيا. وقام عدد مماثل بالإضراب في النمسا. أما في البحر الأدرياتيكي النمساوي فقد حدث تمرد ومحاولة إنشاء مجالس العمال والجنود. وفي وقت لاحق، أقيمت إضرابات كبيرة ضد الحرب في فرنسا وإيطاليا. أما في أسكتلندا فقد تحدى 90،000 من العمال حظر الإضراب في عيد العمال عام 1918 للمطالبة بالتضامن مع الثورة السوفياتية. وأخيراً كان لتمرد البحارة الألمان، إضافة الى الإضرابات التي حدثت في برلين، دوراً كبيراً في إنتهاء الحرب.

وبحلول عام 1918 كان هذا الجمع بين الكفاح من أجل الاشتراكية وضد الإمبريالية قد احدث تحويلاً في طبيعة حركة الطبقة العاملة في جميع أنحاء أوروبا. لقد كان العمال يتخطون الإصلاحات الفورية للمطالبة بتغيير النظام الاجتماعي برمته. ففي المجر وفنلندا أنشئت حكومات السوفيتات. أما في ألمانيا والنمسا فقد تحدى العمال السلطة السياسية. كما أصبح الانشقاق في الحركة الاشتراكية العالمية من قبل الأجنحة اليمينية المؤيدة للحرب بمثابة خط الدفاع عن الأنظمة القديمة، وعلى رأسها حكومات النمسا وألمانيا وبولندا و في بريطانيا أيضا. لقد وجدت الاممية الثالثة الأحزاب الشيوعية التي شكلت حديثا، وجمعت كل هؤلاء الاشتراكيين الذين عارضوا امبريالية طبقاتهم الحاكمة، والملتزمين بتغيير النظام الاجتماعي وصولاً إلى الثورة الاشتراكية

إن الإمبريالية اليوم مختلفة في شكلها الخارجي عن السابق. لقد إنتهت الامبراطوريات والمستعمرات منذ فترة طويلة. وتم استبدالها بما يسمى بالقوة الناعمة من خلال المعاهدات التجارية والمنظمات الدولية لتوفير الائتمان النقدي وإنشاء الكتل الاقتصادية الإقليمية، وكلها تضع القواعد التي من شأنها إخضاع الأضعف إقتصادياً للأقوى إقتصادياً، لكي تطابق إحتياجات السوق(يسيطر عليها الإمبرياليون) وعرقلة أو منع التقدم نحو الإشتراكية. أما أولئك الذين يرفضون الامتثال والخضوع لمفهوم "القوة الناعمة" فأنهم يتعرضون حتماً للانتقام والحرب في نهاية المطاف. اليوم و نحن في عام 1917، لا زال هناك في حركة الطبقة العاملة من الذين يعرفـّون الأممية من أنها الهياكل والبنى التي تخدم الإمبريالية.

إن الدرس المستفاد من ثورة أكتوبر هو أن الأممية الحقيقية تتطلب وجود تحدي لدى الطبقة العاملة، وخاصة في البلدان الرأسمالية الرئيسية، وطبقتهم الحاكمة، والنظام الأوسع الذي يحافظ على إدامة القمع والاستغلال في جميع أنحاء العالم.