مسيرة - سارة وهاجر- واختراق الوعي

2017-10-09

مسيرة - سارة وهاجر- واختراق الوعي

ريما كتانة نزال

لن يفيد إطلاق اسم "هاجر وسارة" على مسيرة حركة "نساء يصنعن السلام"، ولن يوحي بمشاعر المساواة والنديّة بين امتداداتهما. لم تتساوى الجارية "هاجر" مع سيدتها "سارة" في الرواية التاريخية. ولن تغطي المسيرة المثيرة للجدل وطنياً على طبيعة علاقة الصراع بين الشعبين، ولن تحولها إلى علاقة طبيعية بسبب الاحتلال العنصري. لا يمكن تطبيع العلاقة بين شعب خاضع للاحتلال وبين مجتمع الاحتلال، هذه ابسط خُلاصات وحقائق التاريخ والفكر الانساني على مدار عقود وقرون.

وليس خافيا ان أبناء "سارة" و"هاجر" ليسوا مختلفين فحسب بل غير قادرين على التعايش، لان شلروط ومحددات هذا التعايش مفقودة أصلا بسبب سياسات الاحتلال، التمييز والاضطهاد العنصري في فلسطين المحتلة عام 1948، وبسبب سياسات الاقتلاع والتوسع والمصادرة والضم والإستيطان والجدران والتهويد في باقي الاراضي المحتلة عام 1967. 

بالمحصلة لكل شعب برنامجه المتناقض مع برنامج الآخر، لكل شعب طريق، يسيران في طريقين متوازيين لن يلتقيا ابدا ولن ينته هذا الصراع إلا برحيل الاحتلال الكامل عن الأراضي المحتلة، وما دونه مرفوض من جميع الفصائل والقوى الفلسطينية.

لا اذيع سرا بالقول ان الاحتلال الاسرائيل دأب ومنذ اليوم الاول للاحتلال على فرض الوقائع السياسية على الارض، لكنه يقوم ببيع العالم أوهام السلام المزعوم كتعمية وتضليل للراي العام، والمفاجئ أن هناك بيننا من يستعد لشراء بضاعته الفاسدة تلك، تحت يافطة السلام المزعوم، يصِرّون على وضع الرؤوس في الرمال، ويمارسون عملية خداع الذات، وفي النهاية لا يحققون شيئاً يُذكر، سوى خسارة صافية، وعزلة عن المجتمع، وتمويه النضال وتزوير العلاقة التناحرية القائمة ما بين المحتل من جهة والشعب الفلسطيني الذي يئن تحت الاحتلال من جهة ثانية، والمستفيد الوحيد من الخلط المتعمد للأوراق هو الاحتلال. 

انا بطبيعة الحال لست عدمية واؤمن بالعمل على اختراق ساحة العدو الداخلية للتاثير في الراي العام.. ولكن هناك فرق جوهري بين تلك الاستراتيجية وبين ما هو حاصل واقعيا، إذ من المحزن حقا ان "حركة نساء يصنعن السلام"، وخاصة الطرف الفلسطيني منها، يعتقدن أن شراء بضاعة "السلام" تتم من خلال مهادنة المحتل بدل مواجهته وفضحه، وهذا السلوك يبرهن أن المعرفة بالعدو ومخططاته سطحيّة، أو أنهن لا يتعلمن من دروس التجربة المرّة التي لخصها الرئيس مؤخراً في خطابه أمام دورة جمعية الامم المتحدة: "لن يكون أمامنا سوى مطالبة إسرائيل كدولة قائمة بالاحتلال بتحمل مسؤولياتها كاملة عن احتلالها".

المثير حقا، ان الاسرائيليات في الحركة المشار إليها، لا يقدمن شيء يستحق المناقشة على المستوى الوطني، وهذا ليس افتراء عليهن بل استناداً الى أقوالهن وتصريحاتهن، ففي تصريحات صادرة عن قيادات اسرائيلية من "حركة نساء يصنعن السلام"، قلن ان مطالبهن تنحصر في الدعوة إلى جلوس الجميع حول طاولة المفاوضات لصنع السلام والخروج باتفاق سلام. وعليه، لا يطرحن ما هي رؤيتهن للوصول إلى السلام وكيفية التوصل إلى اتفاق، ولا يقمن بطرح مواقفهن من قضايا الصراع الجوهرية: اللاجئين والمستوطنات والحدود وغيرها.

وقبل ذلك، لا بد من ملاحظة أن معسكر السلام قد تراجع الى حد الاضمحلال، ولا بد أيضا من التنويه إلى حقيقة أن الاسرائيليات جزء من جيش الاحتلال وبزته العسكرية، جزء من مجتمع العسكرة وأطماعه التي لا تنتهي، وهو ما يعني ان الاسرائيليات يطالبن بالأمن لهن ولأبنائهن فقط، بينما الفلسطيني يقع في بنك الاهداف: القتل والاعتقال والاضطهاد، فعن اي سلام يتحدثون!؟

المشكلة الحقيقية لدى الفلسطينيات المشاركات في قيادة حركة "نساء يصنعن السلام" وأنشطتها، أنهن من حيث لا يدرين، يقمن عبر الانشطة المشتركة التمويه على ممارسات الاحتلال، يضعن الاصباغ التجميلية على وجهه البشع. في هذا العام يشير البرنامج الى وقوف المسيرة في مستوطنة "غوش عتصيون" التي تلتهم أراضي الخليل، دون تحديد لماهية الخطاب الذي سيتم توجيهه في المستوطنة!!

الغريب أن المشاركات الفلسطينيات يتصرفن كأفراد، بعيداً عن الحركة النسائية الفلسطينية، وهن بذلك يقعن في المحاذير والاخطاء لانهن اخترقن المعايير المتفق عليها من قبل لجنة المقاطعة النسائية بما تمثل؛ وكذلك معايير اللجنة الوطنية لمقاطعة اسرائيل (BDS). والغريب أكثر أننا من المفترض أن نكون أقرب البشر إلى فهم المجتمع الإسرائيلي بحكم الواقع، نبدو كأننا لم نفهم بعد أن الاحتلال لا يعطي أحد إلا ما يريد. لم تعد أحجية غامضة، بل حقيقة تتموضع بصلف أمام الجميع. 

اليوم سيذوب الثلج ويتضح المرج، سيتضح للمشاركات في المسيرة أن النساء الفلسطينيات يرفضن الانخراط في النشاطات التطبيعية، وسيتضح لهن خسارة الجهود التي يبذلنها في غير مكانها وزمانها. وسيتبين ان الفلسطينيات المشاركات في الحركة لم يقعن في مصيدة أوهام السلام فقط، بل يوهْمن أنفسهن تحقيق اختراق في المجتمع الاسرائيلي والتأثير به، بينما الاختراق الحاصل هو للوعي الفلسطيني وتشويهه وتضليله.

وأخيراً، بمنتهى المسؤولية الوطنية والنسوية أدعو الفلسطينيات المشاركات إلى تقييم موقفهن، والتراجع عنه لصالح العودة الى برنامج الحركة النسائية الفلسطينية.