بوتين يمسك خيوط المشهد السياسي في الشرق الأوسط

2017-10-05

بوتين يمسك خيوط المشهد السياسي في الشرق الاوسط

وكالة "بلومبرغ" الأميركية

قادت التطورات التي مرت بها منطقة الشرق الاوسط خلال السنوات السبع الأخيرة، وخاصة الازمة السورية، الى تصاعد مكانة ودور روسيا في المنطقة خاصة وأنها راهنت على الرئيس السوري بشار الاسد ودعمته باعتباره الحليف الاساسي لها. وقد نجحت في ذلك. وبات اللاعبون الاقليميون الذين ادركوا هذه الحقيقة يتسابقون لخطب ود الرئيس الروسي، الذي اثبت وفاءه لحلفائه وقدرته على قراءة التطورات.

وكالة "بلومبرغ" الأميركية، نشرت تقريراَ أوضحت فيه مكامن قوة الرئيس بوتين الروسي، وحجيج الجميع الى الكرملين.

الإسرائيليون والأتراك والمصريون والأردنيون – كلهم يتوجهون إلى الكرملين على أمل أن يتمكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سيد الشرق الأوسط الجديد، من تأمين مصالحهم وحل مشاكلهم.

أخر هؤلاء الزعماء  هو العاهل السعودي الملك سلمان الذي سيكون أول ملك يزور موسكو في المملكة الغنية بالنفط. وسيتصدر جدول أعماله مواجهة إيران، وهي حليف روسي وثيق تنظر إليه غالبية دول الخليج العربية باعتباره عدو لدود، وفق تقرير نشرته وكالة «بلومبرغ» الأمريكية.

حتى وقت قريب جدًا، كانت واشنطن وحدها تمثل وجهة لهؤلاء القادة. وفي الوقت الراهن، تتراجع القوة الأمريكية في المنطقة بشكل ملحوظ، وهو ما يمثل شهادة على نجاح التدخل العسكري الروسي في سوريا، الذي دعم الرئيس بشار الأسد بعد سنوات من إصرار الولايات المتحدة على ضرورة رحيله.

تقرير الوكالة الأمريكية نقل عن دنيس روس، الذي كان كبير مفاوضي السلام الأمريكيين في الشرق الاوسط، والذي عمل مستشارًا لعدد من الرؤساء بداية من جورج بوش الأب إلى باراك أوباما، نقل عنه قوله: «غير هذا الواقع، وميزان القوى على الأرض. نجح بوتين في جعل روسيا فاعلًا في الشرق الأوسط. ولهذا نرى زيارات متتالية لمسئولين من الشرق الأوسط إلى موسكو». 

لن يكون الجميع راضين من موسكو

غير أن النجاح لديه مشاكله الخاصة. بينما تتراكم المطالب المتضاربة أمام روسيا، فإنه ليس من السهل أن ترسل كل هؤلاء الزوار إلى أوطانهم وهم يشعرون بالرضا. وقال روس: «كلما حاولت أن تتبنى موقفًا للتعامل مع جميع الأطراف، كلما وجدت أنه من الصعب أن تلعب هذه اللعبة».  

وفقًا للتقرير، كانت موسكو قوة كبرى في الشرق الأوسط خلال الحرب الباردة، تقوم على تسليح الدول العربية ضد إسرائيل. انهار تأثيرها مع انهيار الشيوعية. عندما غزت الولايات المتحدة العراق للإطاحة بصدام حسين، لم تكن روسيا قادرة على القيام بأكثر من الاحتجاج.

تراجع اميركا لحساب روسيا

بدأت الدائرة تدور في عام 2013، عندما قررت الولايات المتحدة في عهد أوباما عدم مهاجمة سوريا. وبعد عامين، أرسل بوتين قوات وطائرات للدفاع عنه.

في معظم الأحيان، كان حلفاء أمريكا المحليين في المعسكر الذي يتبنى خيار رحيل الأسد. وقد شعروا بخيبة أمل عندما لم يتم نشر الجيش الأمريكي لإجباره على ترك السلطة.

ونقل التقرير عن خالد بطرفي، الأستاذ في فرع جامعة الفيصل في جدة بالسعودية، قوله إن نفوذ روسيا في المنطقة نما «لأن أوباما سمح بذلك. لسوء الحظ أنه انسحب بشكل كبير من الشرق الأوسط». 

أشار التقرير إلى أن وجهة النظر هذه تحظى بانتشار واسع. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعرب صراحة عن وجهة النظر هذه الشهر الماضي، وهو الذي قضى سنوات يطالب بتدخل أمريكي ضد الأسد. وقال إن المحادثات مع الولايات المتحدة «لا يمكن أن تسفر عن أية نتائج». 

تركيا تكسر احتكار السلاح الغربي

انضمت تركيا حاليًا إلى روسيا وإيران فى تبني خطة لتخفيض حدة الصراع. وقال الرئيس التركي إن الخطة تحقق النتائج. قبل عامين، هددت التوترات بين بوتين وأردوغان بالتصعيد بين الجانبين، بعد أن أسقط الجيش التركي طائرة روسية على الحدود السورية. وفي يوم الجمعة الماضي، توجه الرئيس الروسى إلى أنقرة لتناول العشاء مع نظيره التركي، واتفقا على أن تبيع روسيا لتركيا منظومة صواريخ دفاع جوي روسية من طراز إس- 400.

في الوقت نفسه، يتعاون السعوديون، الذين مولوا قوات المعارضة التي تقاتل ضد الأسد، مع روسيا في إقناع المعارضة بالتوحد من أجل محادثات السلام، والتي من المرجح أن تبقي الزعيم السوري في السلطة.

رحب حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط في الغالب بانتخاب رئيس جديد في الولايات المتحدة، وبخطاب دونالد ترامب الحاد بشأن تحدي إيران. ومع ذلك، فإنه عالق حتى الآن بالقرب من سياسة سلفه في سوريا، التي تركز على محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) وليس الأسد.

لذلك، فقد تحولت الأولويات مع تراجع هدف تغيير النظام في سوريا. ويحث السعوديون وقوى الخليج العربي الأخرى روسيا على الحد من دور إيران في سوريا، إذ قام حزب الله وغيره من الميليشيات الشيعية التي تدعمها طهران بتقديم الدعم لقوات الأسد.

السعودية وإيران

وبحسب ما نقل التقرير عن عبد الخالق عبدالله، وهو محلل سياسي مقيم بالإمارات، فإن «روسيا تفضل ألا تقف بجانب طرف بعينه. هذه هي الرسالة الرئيسية. وقد أتى إلى روسيا العاهل السعودي الذي يمثل دول الخليج العربي، بما لديه من ثقل جيوسياسي. ويجب على روسيا أن تأخذ ذلك في الاعتبار».

ونقل التقرير عن مصدر مقرب من الكرملين قوله إن بوتين لن يغير موقفه من إيران لاستيعاب رغبات السعودية. كما وجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي زار روسيا أربع مرات خلال الـ 18 شهرًا الماضية، أنه من الصعب التأثير على الرئيس الروسي.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أخبر نتنياهو بوتين أن موطئ قدم إيران المتنامي في سوريا «غير مقبول». وفي سبتمبر (أيلول)، قال لشبكة "سي إن إن"، إن الإيرانيين يحاولون «استعمار» سوريا بهدف «تدميرنا وقهر الشرق الأوسط».

إلا أن روسيا- بحسب التقرير- رفضت مطالبته بإقامة منطقة عازلة داخل سوريا بهدف إبقاء قوات إيران وحزب الله على بعد 60 كم على الأقل من الحدود الإسرائيلية. وبدلًا من ذلك، عرضت روسيا منطقة حظر بطول 5 كم.

كما رفضت روسيا مطالبة الولايات المتحدة باعتبار نهر الفرات خطًا فاصلًا بين القوات الحكومية السورية والقوات التى تدعمها الولايات المتحدة في شرقي سوريا. وقد أدى ذلك إلى اندلاع سباق للاستيلاء على الأراضي من قبضة مقاتلي داعش المتراجعين في منطقة استراتيجية ذات حدود نفطية غنية.

وقال أيهَم كامل، مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة أوراسيا للاستشارات، إن روسيا نجحت في ابقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع جميع الأطراف، من إيران إلى السعودية وحركة حماس إلى إسرائيل.

وقال أندريه كورتونوف، المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي، وهو مجموعة بحثية أنشأها الكرملين، إنه وبينما لم تفسح روسيا المجال لإقامة منطقة عازلة، فإن لديها تفهمًا ضمنيًا يسمح لإسرائيل بشن غارات جوية على حزب الله في سوريا.

وقد توسطت، بجانب مصر، لإنهاء الخلاف الدائر  منذ عشر سنوات بين حركة فتح في الضفة الغربية، وحماس في غزة. ودعا بوتين الفصائل الليبية المتنافسة إلى موسكو بعدما فشلت سلسلة من جهود السلام التى بذلتها دول أخرى في تحقيق أية نتائج. وقد أصبحت روسيا مستثمرًا رئيسيًا في إقليم كردستان الغني بالنفط، وكانت واحدة من القوى العالمية القليلة التي امتنعت عن إدانة الاستفتاء الأخير على الاستقلال.

المصدر: "بلومبرغ" الاميركية