حول شجاعة المثقف

2017-09-24

حول شجاعة المثقف

د. حسن المدن

كان موضوع دور المثقف العربي في اللحظة الراهنة حاضراً في الندوة التي صاحبت اجتماع المكتب الدائم للاتحاد العام للكتاب العرب في مدينة العين بدولة الإمارات الأسبوع الماضي، ليس فقط في مواجهة الإرهاب، فكراً وسلوكاً، وإنما دوره بصفة عامة تجاه ما يمكن أن نطلق عليه القضايا الكبرى التي تواجه أمته.

ونحن نعلم أنه شاعت في فترات معينة آراء تسخر مما ينسبه المثقف إلى نفسه، أو يُنسب إليه من أدوار تجاه مثل هذه القضايا، وهناك من طالب المثقفين بالتواضع، وبأن يكفوا عن الاعتقاد بأنه مناط بهم أدوار مصيرية عليهم التصدي لها، وأنه بدون أدائهم لهذه الأدوار لن تقوم قائمة للأمة.

الحق أن ثمة تطرفاً في الرأيين: في الرأي الذي يبالغ في حجم ومدى الدور الذي على المثقف أن يقوم به، وكذلك في الرأي الذي يُسخّف من هذا الدور، ويكاد لسان حال القائلين به يزعم أن على المثقف أن يكف عن حشر أنفه في القضايا الكبرى.

وببعض الشرح نقول إن المثقف منفرداً لن يستطيع أن يحدث من الأثر ما يرتجى منه، وهو يتصدى بعدته الفكرية الثقافية الإبداعية للمهام التي تواجهنا في تعزيز ثقافة التنوير والتسامح والإعلاء من قيمة الحرية كبديل للكراهية والانغلاق والظلامية، فمثل هذا الدور إن لم يأت في سياق منظومة متكاملة من الأدوار والتدابير، تشمل التعليم وخطط التنمية والبرامج السياسية التقدمية، سيكون محدود التأثير.

وبالمقابل، فإنه تقع على عائق المثقف رسالة عليه التصدي لها بشجاعة وجسارة، مهما كانت التعقيدات المحيطة به، ومهما كانت مفاعيلها المباشرة قليلة أو بطيئة أو غير مرئية، فتلك المفاعيل لا تنشأ ولاتظهر إلا بصورة تراكمية، ولذا تحتاج إلى مدى زمني قد يطول، والدليل أننا نحتفي اليوم بكتب حوربت هي وأصحابها الذين تعرضوا للعزل وربما للتكفير أيضاً، لكن الزمن سرعان ماأنصفهم.

ويحفظ التاريخ أسماء خالدة ممن قالوا قولة الحق بوجه العسف من أمثال أبي ذر الغفاري وعروة بن ورد والشنفرى ومالك بن الريب وأبو الأسود الدؤلي وابن حزم الأندلسي وسواهم، وكان نصيب الكثير من الفلاسفة وأهل الفكر التشريد والسجن والقتل غيلة وظلماً، كما حدث مع غيلان الدمشقي والحلاج والسهروردي وغيرهم.

وفي التاريخ الحديث، اضطهد الدكتور طه حسين وهوجم، وسواه واجه الكثيرون العديد من أشكال المضايقة والتشهير، لا بل القتل، ويكفي تذكر مصائر فرج فودة في مصر وحسين مروة وحسن حمدان الذي أصدر مؤلفاته باسم (مهدي عامل) في لبنان، وألا ننسى أن الروائي الكبير نجيب محفوظ أوشك على الموت اغتيالاً حين نالت سكين جاهل من عنقه بإصابة بليغة.